Don't wanna be here? Send us removal request.
Text
"في رحاب الرجعية"
-١-
صادفني البارحة خبر أعيد إحياؤه في ذكرى عيد ميلاد جرح الفنان القدير هاني شاكر، وهو غير صادم بالنسبة لي ألا وهو عزيزي القارئ خبر في جريدة مصرية قديمة تشين ما يقدمه الفنان الصاعد محمد عبدالوهاب -وقتها- وتدينه بم سأنقله نصًا عن نفس الجريدة. يقول الخبر: "رفعت نقابة الموسيقيين مذكرة إلى وزارة الإرشاد القومي تتهم فيها عبدالوهاب بأنه أفسد ذوق الموسيقى الشعبية باقتباسه من الغربية"، لم يكن وقع الخبر غريبًا عليّ حقيقةً، فقط ذكرني بلقاء لمحمد منير شاهدته سابقًا عن رفض الإذاعة لأغانيه حين قدم إلى القاهرة بكلمات وألحان ومشاريع شبه مكتملة تحمل وقتها أسماء مغمورة مثل "أحمد منيب"، و"عبد الرحيم منصور" و"هاني شنودة" وغيرهم، وتم رفض إحدى ع��رة أغنية لنفس السبب الذي وُصم به عبدالوهاب، بأنها أغانٍ غربية أو "أغاني خواجات" على حد تعبير لجان الاستماع في الإذاعة.
وحين سُئل منير عن مدى ثقته في لجان الإذاعة، وإلى أي مدى يمكن أن تخلق "منير" جديدًا، أجاب نصًا:" هما بالطريقة دي عمرهم ما هيخلقوا منير جديد ولا عبحليم حافظ جديد".
وبمناسبة الحديث عن عبد الحليم حافظ، لم تبذل الإذاعة -وهي المنصة الوحيدة وقتها- جهدًا لرعايته بل العكس تمامًا، نقلًا عن صديق عمره عبد الرحمن الأبنودي. وخصّ بالذكر عبد الرحمن الأبنودي وجدي الحكيم في مسألة عدم الرعاية والاهتمام بالشاب عبد الحليم حافظ، والآن يتم استخدام نفس السلاح ونفس الأسباب ضد الأغاني التي تقدم الآن وأخص منها ما يعرف جماهيريا "بالتراب" أو "الراب".
يقول منير أن الإذاعة رفضتهم في حين أن التلفزيون فتح لهم ذراعيه وقدمهم للجمهور بسبب رُوَّاد السور الحديدي بالإذاعة "حلمي بكر" و"وجدي الحكيم" الذين رفضوا أي بدائل للأغنية المصرية والعربية، ويريدون أن تعيش في ظل نمطية وتقليدية تتواكب فقط مع مزاجهم الشخصي، أو ما يطلقون عليه الذوق العام.
الخوف بل الرعب من التجديد، من المغامرة، من خلق اتجاه جديد، من أي مناخ جديد تحت مسمى مصطلح "الذوق العام" والذي يرادف "مزاجهم الشخصي" بِيَد أو بسلاح "السلطة الأبوية" أو "الباتريارك".
-٢-
قبل الشروع في كيف يتم استخدام السلطة الأبوية ومحاولة فهم كيف تظهر السلطة الأبوية المعاصرة، أحاول أن أضع يداي على لفظ الذوق العام وما يحل محله في سائر المجالات؛ حينما يتجه إنسان ما أو يشرع في اتجاه جديد ولو نسبيًا فمعيار قبوله أو رفضه هو: المرجع أو ال(Reference)؛ لا إراديًا وبشكل غير واعٍ نحاول قولبة هذا المنتج الجديد وقياسه بشيء قديم، بمعنى هل فعل أحد من السابقين ما يفعله هذا الشخص؟ -وهذا بالضبط تعريف الرجعية- إن كان نعم، فبها ونعمت، وتقام الاحتفالات والولائم والتشكرات والتعظيم والتبجيل لما يفعله الشخص، وإن كان ما يقدمه الشخص هو منتج جديد لم نسمع عنه من قبل، ننقسم إلى قسمين -أحيانًا يكون لهما ثالث-، القسم الأول: يحتفل بفرادة التجربة والتنبؤ بنجاحها والاعتراف بخطوتها في خلق اتجاه جديد، والقسم الثاني: يبحث عن مرجع وغالبًا يبحث عن مراجع عربية، فإن لم يجد لهذا المنتج أصولًا عربية، تربّعت عقدة التغريب والتنظير والتذكير بأمجاد العرب المهولة والساحقة ونسبة كل النجاحات الغربية إلينا، وأنا أعتقد وبشدة بأن هذا ليس بعزاء، نسبة نجاحاتهم إلينا ليس بعزاء، بل إخفاق عظيم وجلل.
-٣-
جيلنا الذي يعرف ب"Generation Z" وهو مصطلح يطلق على الجيل الذي ولد بين (1995-2015) وهو أكبر جيل مر على كوكبنا، ويشكل (25%) من إجمالي السكان حول العالم، هذا الجيل يقضي وقتًا طويلًا على منصات التواصل الاجتماعي، ومؤخرًا يقضي الجيل الأكبر الذي يضم آبائنا وأهلينا ومن هم بأضعاف عمرنا وقتًا أطول على منصة فيسبوك بالأخص، هذا المناخ كان مهيّئًا للجيل الأكبر لممارسة السلطة الأبوية في آخر تحديث لها.
حيث يظهر شخص ما أكبر منك سنًا، وخبرة وتجربة في الحياة، يظهر على الإنترنت بمسميات شخصية وصفات تختلف عن مسمياته الشخصية في الواقع غالبًا، شخصية لها اهتمامات مختلفة أيضًا عن شخصيته الواقعية، ويتحدث من وراء ستار ما: يعظ، ينصح، يذكر، يعلق، يأخذ بيد كل ضال، ولا نحتاج أن نعرف من هم الضالون طبعًا، ولا أقصد فقط الضالين على المستوى الديني، بل على المستوى الاجتماعي، والفكري، والثقافي، والسلوكي، وعلى مستوى المظهر أحيانًا سواءً كنت نحيفًا أو كان وزنك زائدًا؛ هو هنا لأجلك دائمًا حتى ولم لم تكن تريد ذلك.
أعلم تمامًا أن خلق شخصية ما على منصات التواصل ليس شيئًا بجديد، بمسمياتها، وصفاتها واهتماماتها، وبوجوب وجود معركة ما يخوضها الشخص، يفعل ذلك الفنان أيضا والمثقف والكاتب وأستغرب ذلك بصراحة.
-٤-
ومن السلطة الأبوية ينطلق مؤخرًا الفنان القدير هاني شاكر مثلًا، وأمثلتي في المقدمة ليست إلا تذكيرًا بما يحدث عبر السنين، وأنّه ليس بجديد، وأعتقد أنه مؤمن بما يقوله فعلًا وبشدة -وهذا سبب ادّعَى لي لكي أفكر-، هو لا يفعل ما فعله السابقون والأولون، ولا يخطو خطواتهم بشكل متعمّد، هو ينطلق من ملاحظته الشخصية، حفاظًا على قيم المجتمع من الانهيار، وحفاظًا على أبنائنا وبناتنا زهرات المجتمع، لأن العقل ملكه ونحن مغيبون! لا أدري بصراحة من غيّبنا ولكن مغيبون، وما مصلحته في تغييبنا لا أعلم ولكن مغيبون أيضًا، من المحتمل أن نظرية المؤامرة على الموسيقى المصرية بلغ مداها السحاب، وسمعت صداها السماء، ولكنّه وبيأس غير معلن سيحاول شفاء الأصم، بم سيحاول شفاء الأصم؟ باختياره الصواب المطلق وغير القابل للنقد، الصواب في ذوقنا الموسيقي، وفيم نلبس، وفيم نتكلم؟ ...إلخ، ولا أفكر الآن إلا بمقولة الأحبار اليهود لرُوَّادهم دائما وإلى الآن: " أطفئ مصباح عقلك واتبعني".
-٥-
المعركة بين التمسك بما تتشبث به البيئة المحيطة في مقابل كل ما هو جديد تحيا منذ القدم؛ وروافد البيئة المحيطة تتمثل فيما يسمى "بالإطار الذهني" أو "الخريطة الذهنية" والتي تتشكل بفعل المجتمع وعاداتك وتقاليدك وأهوائك وأغراضك ومصالحك، إلخ. كل ذلك وبدون قصد يتحكم في نظرتك وحكمك على كل الأشياء، وتلك هي إجابة سؤال لم نختلف أصلًا عليها، سواء في الإطارات الدينية أو الثقافية أو الدراسية أو المهنية، أو القضايا والأفكار التي تشكلنا.
نعود لحديثنا، المعركة بين ما هو سائد وبين ما هو حديث الولادة معركة أبدية، فقيس مجنون ليلى حين تقدّم لزواجها مع ملاحظة صغيرة: العرب من عاداتهم كانوا لا يزوّجون بناتهم بمن تغزل بهم في شعره، وقيس هو من هو طبعًا، ها هنا كانت المصيبة أمام ليلى! تتزوج بمن غازلها في شعره وتثور على العادات والتقاليد، أم تقبل شخصًا آخر تقدّم أيضًا لخطبتها، وكانت النتيجة النهائية أنها تزوجت الشخص الآخر.
-٦-
على المستوى الثقافي مثلًا، احتلّنا الإنجليز فترة ليست بالهينة لكن لم نتأثر بهم إطلاقًا بدون بحث في إجابة لسؤال لِمَ لَمْ نتأثر، ولكن النخبة الذين سافروا إلى فرنسا هم أكثر من أثّروا في المجتمع المصري بعد عودتهم، وعلى رأسهم "طه حسين"، وها هنا المعركة الثقافية بين "مصطفى صادق الرافعي" و"طه حسين"، حيث كانا على النقي��ين تمامًا، مصطفى صادق الرافعي كان شخصًا أصوليًا متمسكًا بالعادات والتقاليد وبما مات عليه الأولون وكان أديبًا بليغًا أكاد أجزم أنّه لا يضاهيه أديب إلى الآن، على المستوى البلاغي. طه حسين تأثر ببعثته إلى فرنسا فكان منفتحًا لكل ما هو جديد وحداثي، وكانت معاركهما في الصحف ليل نهار.
ما أريد أن أصل له أن "عقدة التغريب" نسبة إلى الغرب بوصفها عار وشر مطلق خاطئة ولا أحتاج أن أشرح لم! والسلطة الأبوية لن تتغير، ستتغير أشكالها فقط، ومحاولتي لفهم كل شيء أحيانا تؤتي ثمارها! قد أكون مخطئا، قد أكون مصيبًا، لكن سعيي للبحث عن حقيقة الأشياء -آسفًا- خلقت به، على الأقل لن أكون كَرُوَّاد وأتباعِ أحبار اليهود في أسوء الأحوال.
-٧-
حينما أغلقت الإذاعة أبوابها لمنير، فتح له التلفزيون ذراعيه، وحينما أغلق التلفزيون أبوابه أمام بعض المغنيين، الحاليين فتح لهم ال"يوتيوب" ذراعيه، لا أعلم تمامًا ما الشيء الجديد الذي سيفتح ذراعيه للجيل القادم ولكن آمل بشدة ألا يستطيع هاني شاكر شخصيًا أو هاني شاكر المستقبل -في كافة المجالات وليس المجال الموسيقي فقط- الوصول إليه بأى وسيلة؛ طاب يومكم.
2 notes
·
View notes
Text
تجي؟ - SoundCloud
Listen to تجي؟ by Faisalَ on #SoundCloud
0 notes