Tumgik
#في المرة القادمة
esraa-farouk · 13 days
Text
ما يشبه يوم الجمعة
أبي وأميرة ومريم وعبدالرحمن وروان، تجمعنا كلنا ذلك اليوم للمرة الأولى منذ عدة سنوات، وتذكرت وجوهنا يوم الجمعة على مائدة الطعام. لم تكن أوقات عائلية جميلة في مجملها. تذمرنا من مشاريع الأكل الكبيرة، تشاجرنا وتأففنا وتهربنا من طلبات البيت، طالب كل منا بطبخة مختلفة، غضب أبي من استيقاظ أخوتي المتأخر، وغضبوا بدورهم من إيقاظهم المبكر يوم الأجازة.
كثيرًا ما تمنيت أن تنتهي أيام الجمعة، ولم أفتقدها حين انتهت مع تركي ثم ترك ماما للبيت. ووجدتني استعداد للمقايضة بنصف عمري ليوم جمعة أخير حين تجمّعنا حول سرير أمي في العناية المركزة.
كنت قد أبلغت كل فرد في الأسرة بوضع ماما على انفراد وتركتهم لدفاعاتهم النفسية. في اختيار ما بين حمايتهم من الحقيقة ومن منحهم حق الوداع، نصحني صديقي ألا اتحمل هذا العبء وحدي. وكان على حق، حمايتهم من القنبلة التي ألقاها عليّ الطبيب لن تحميهم من ذهول الفقد.
فكرت أن كل ما استطيع تقديمه لأسرتي هو فرصة الوداع. مرة أخيرة تشبه يوم الجمعة، مرة أخيرة حول سرير ماما، وكلنا نريد حمل المسؤولية ونرغب ولو في وجبة واحدة تشاركنا فيها.
حول السرير، يبكي أخوتي الصغار فاشغل ماما بنكتة. انتهزت ماما الفرصة لتسألني عن فلان، قلت لا أعرف، فسألتني أين فلان الآخر. أيضًا لا أعلم. فردت "ذوقك وحش أوي في الرجالة"، اعرف أنها أرادت الاطمئنان أنني "لست وحيدة في الدنيا" لكنني تصنّعت الغضب وقلت بصوت منخفض "على فكرة وأنتِ كمان". وضحكت أمي، بالقدر الذي سمح به قناع الأكسجين والأنابيب المعلقة في رقبتها.
لم استطع أخبارها أن نسب موتها في الأيام القادمة أعلى كثيرًا من نسب حياتها. ٧٠٪؜ بالتحديد كما قالها الطبيب. فأجلت المحادثة حتى استيعاب أخوتي للموضوع، وتعاملت بما يرضاه الطب النفسي لأنني لم يحضرني أحد لهذا الموقف. لم يتحضر أحد في الحقيقة، وحتى أبي، أصر أن الأطباء يبالغون للتملص من المسؤولية وبدأ في الحديث عن فائدة الطعام الصحي والفيتامينات، فلم أناقش.
كانت هنالك محاولة طبية أخيرة عليّ أن أقررها، عملية انتحارية طالبني الطبيب بالإمضاء عليها بصفتي الأبنة الكبرى فتمنيت لو أموت. تمنيت لو نموت ٧ أفراد بجنازة واحدة وقبر واحد، عدا أن الشيء الواقعي الوحيد هو أن أخبر ماما أن القادم صعب وعلينا أن نكون شجعان. سأتحلى بالشجاعة بدوري، لكني أريد يوم واحد فقط في بيتي، ليلة واحدة وحدي، واترك لأمي يوم "طبيعي" أخير وسط أخوتي قبل أن تنقلب الحياة للأبد.
ولوّحت لي ماما بابتسامة على أن نتقابل في اليوم الذي يليه، لكنها كانت المرة الأخيرة.
56 notes · View notes
yooo-gehn · 11 months
Text
Tumblr media
"استلقيت على العشب، واعتراني شيء ما. اعتراني هذا الشيء الذي يجعلني أشعر أني مختلف جسديًا ونفسيًا عن رفاقي. كنت مستلقيًا على العشب والطين، أنظر إلى القمر، محاطًا بقيء "البيرة"، وأدركت أني للمرة الأولى في حياتي، لا شيء يزعجني. صار العالم منطقيًا، ولم يكن مجنونًا ومختلاً. كنت مكتملاً. أنعم بالسلام. غمرتني السعادة في هذه اللحظة بشكل لم أختبره بعدها أبدًا. لقد وجدت الحل. لم أعد أحتاج اهتمامًا. أنا بخير. حصلت على الرعاية التي أحتاجها. كنت أعيش في نعيم. ولمدة ثلاث ساعات لم تكن لدي أي مشكلة. لم أكن منبوذًا. لم أكن أتشاجر مع أمي. لم يكن مستواي الدراسي سيئًا. لم أتساءل عن معنى الحياة، وعن مكاني فيها. أزال الكحول كل هذه المعاناة." ㅡ ماثيو بيري
قضيت ليلة أمس أستمع إلى ماثيو بيري وهو يروي كتابه بصوته، أردت أن أنعم بصحبته لبضع ساعات إضافية. يقول ماثيو أن عملية الكتابة كانت سلسة للغاية ولكن قراءة ما كتبه أصابته بالغثيان، شعر بالشفقة الشديدة على كل هذا العذاب الذي مر به الراوي، ولكن مهلاً، ياللهول، أنا الراوي!
ولكني أردت أن أستمع إلى الشخص الذي وجد الشجاعة أخيرًا ليتوقف عن الاختباء خلف الضحك. ولم يكن هناك أي أثر لتشاندلر بينج، كان الكتاب كله عن الإدمان. يقول ماثيو أن الإدمان أشبه بأن تصوب رأسك نحو فوهة بندقية، أنت تعلم أنها قد تقتلك في أية لحظة، ولكنك تحب طعم المعدن. المأساة الحقيقية للإدمان هي أن ما يجعلك تشعر بمتعة لم تختبرها في حياتك، هو نفسه ما يمزقك ويستعبدك لاحقًا. لا، المأساة الحقيقية هي أن تشعر إن الإدمان كان سبيلك الوحيد للهرب. ألا تشعر بسلام مع نفسك إلا إذا أشعلت فيها النيران! يحكي ماثيو عن المرة التي سرق فيها أدوية البيت الذي كان ضيفًا فيه، لأنه لا أحد سيشك أن تشاندلر قد سرقه!
هل تعرف إحساس أن تجري إلى أصدقائك القدامى ليخففوا عنك هول الحياة؟ هذا ما يمثله فريندز لي، أيًا كان ما يحدث في حياتي، لابد أنه ليس بهذا السوء إذا استطعت سماع جوي وتشاندلر يمزحان في الخلفية. ولكن ثمة رابط إنساني يجمعني بتشاندلر بالذات. يشبه الأمر اللحظة التي تدخل فيها الفصل وحيدًا، مذعورًا، حتى تقع عيناك على هذا الفتى الذي تتعرف فيه على أجزاء حميمة من نفسك. ويبدو الأمر وكأنكما تواجهان تنمر الفصل سويًا الآن. هذه علاقتي بتشاندلر إذا استبدلت الفصل بالعالم.
ربما لهذا السبب لم يخدعني استعراضه للحظة. لم أظن أنه ينعم بالشهرة والمال ورغد العيش. أعلم هذه الحيلة عن ظهر قلب: أن تلجأ للضحك هربًا من البكاء، وأن تتمسك بما تجيده، وتخفي نفسك خلفه بعناية. حينما تستمد قيمتك كلها من إضحاك الناس، ترتجف خوفًا من أنك لن تبرع في آداء المزحة القادمة، لن يضحك أحدًا، سيرونك على حقيقتك ويهجرونك. إنسان تعيس مذعور يلوذ بالفكاهة ليخفف من وطأة.. كل شيء. كان تشاندلر يلق الدعابات وكأنه يواجه وحشًا مخيفًا بسيف ورقي وعبارات مضحكة. إذا استطعت أن تضحك أو تثير ضحك الوحش، تزول الرهبة على الفور.
كاد ماثيو أن يطلق على كتابه عنوان "قاصر وحيد" لأن الحادثة التي شكلت هويته في صغره كانت سفره على متن الطائرات وحيدًا تمامًا. لابد أن غياب أبويه كان دليلاً أكيدًا على أنه غير جدير بالحب. كان يجلس على المقعد ولا تلامس قدميه الصغيرتان الأرض، وفي كل مرة تنتفض الطائرة بسبب مطب هوائي يمضي الساعات متخيلاً لحظة سقوط الطائرة من هذا العلو الشاهق وتهشم أوصاله. أن يترسخ في نفسك أنك لا تستحق الحب، أن تتوق للحب وأنت خائف منه، وأن تعيش حياتك مترقبًا الكارثة، وأن تخذل نفسك بنفسك قبل أن يخذلك العالم، ربما تكون أرحم بنفسك. أعلم يا ماثيو. أعلم.
ما خدعني بحق هو انزوا�� روحه المرحة في لقاءاته الأخيرة. ظننت أنه ليس بخير، ولكنه ربما كان قد توقف عن المحاولة المستميتة ليكون الشخص الأكثر إضحاكًا بين الجميع. حينما تجيد تقمص دور المهرج لتهرب من مشاكلك، ربما يصبح دور المهرج عبئًا عليك بعد مواجهتها. ولا أقصد أنه كره تشاندلر أو أنه لم يعد مضحكًا، أقصد أنه صار يصب تركيزه على الأجزاء التي أهملها طويلاً من نفسه، حتى لو على حساب المهرج. ولهذا أعتقد أن علاقته بتشاندلر في النهاية كانت معقدة، حينما سألته المحاورة في أحد لقاءاته الأخيرة عما يشعر به وهو يشاهد نفسه في فريندز، تأثر ودمعت عيناه قائلاً أنه يتمنى لو أنه يستطيع أن يذهب إلى هذا الشاب المسكين ويخبره أن كل شيء سيكون على ما يرام. لأننا نشاهده فنضحك، ولكنه يشاهد نفسه ويعلم جيدًا ما كان يشعر به حقًا. يعلم أن المَشاهد الذي ازداد فيها وزنه كان مدمن كحول، والمشاهد التي فقد فيها وزنه كان مدمن عقاقير، كان يشاهد مراحل إدمانه وهو يعلم لماذا لجأ إليها وكم عاني منها.
لعنة المدمن أنه يقسم أثناء تعافيه أنه لن يعرض نفسه إلى هذا الجحيم مرة أخرى، ولكنه بعد التعافى ينتكس لأنه يتذكر لماذا لجأ للإدمان. ويصير الإدمان طريقًا آخره سجن، والتعافي طريقًا أوله سجن. يحكي ماثيو أنه بعد إنقاذه من الموت حرفيًا، لم يطق فكرة الإقلاع عن التدخين والمخدرات معًا، فعاد إليهم معًا، وعاد إلى المصحة مجددًا.
ويحكي أنه في المصحة كان باستطاعته الاستماع إلى أصوات القطارات العابرة، ما هو مقدار الوحدة والملل والبؤس الذي يجعلك تهتم بصوت القطار البعيد؟ كان ماثيو قد فقد أسنانه الأمامية ويبدو كسجين بالفعل، حينما تستحوذ عليك فكرة، تلتقط من مفردات الواقع كل ما يؤكدها. الحوائط المصمتة، التعاسة التي لا مهرب منها، ومظهرك المشعث. أصوات الحياة الصاخبة بمنأى عنك. أو ربما هو صوت صراعاتك الداخلية. لابد أن هذا هو السجن.
في أحد الأيام تحرقت في داخله الرغبة في تدخين سيجارة لن ينعم بها. وشيء ما لا يدري كنهه استحوذ عليه. وكأنه يشعر بلكمات يتلقاها من الداخل. شعر بأنه حيوان جريح حبيس يركض في جميع الاتجاهات. يجب أن يجرب أي شيء ليلهي نفسه عن حاجته للنيكوتين، فغادر "زنزانته" وتوجه إلى الطابق السفلي، لم يدر إلى أين هو ذاهب، أو ماذا يفعل بالضبط. ربما لو مشى بالسرعة الكافية سينجح في التحرر من جسده. تملكت منه حالة من الفزع والحيرة والتعب، وتذكر عذابه في كل هذه السنين، تذكر أنه كان ولايزال يشعر بأنه "قاصر وحيد"، بدا الأمر وكأن كل مآسي حياته تعلن عن نفسها دفعة واحدة.
فتوقف في منتصف الطريق، وفجأة ضرب ماثيو رأسه في الجدار! ضرب رأسه بكل قوته في الجدار، مرة تلو الأخرى تلو الأخرى، وبعد الضربة الثامنة سمعته أخيرًا إحدى الممرضات، وحينما سألته فزعة لماذا فعلت ذلك، حدق إليها بوجه مضرج بالدماء، وقال مشدوهًا: "لأني لم أستطع التفكير في طريقة أفضل".
"حين أموت، أعلم أن الناس لن تتوقف عن الحديث بشأن فريندز، فريندز، فريندز. وهذا يسرني، أنا سعيد لأني أنجزت عملاً ذو شأن كممثل، وسعيد أني منحت الناس على الإنترنت فرصًا عديدة للضحك على معاناتي. ولكني حين أموت، وفيما يتعلق بإنجازاتي المزعومة، سيكون لطيفًا لو انحدرت مكانة فريندز، وطغى عليها كل شيء فعلته لأحاول مساعدة الآخرين. أعلم أن هذا لن يحدث، ولكنه سيكون لطيفًا."
آه، ماثيو. لو أنك فقط تعلم مقدار البهجة التي أدخلتها على نفوسنا في أحلك فترات حياتنا. لو أنك فقط تعلم كم ساعدت ولازلت تساعد الآخرين بدورك في مسلسل نشعر معه بالراحة والألفة. لو أنك فقط تعلم كم كان مجرد وجودك في العالم يشعرني بأني لست وحيدًا منبوذًا فيه. لو أنك فقط تعلم كم تألمت لموتك وحيدًا في نهاية المطاف. Goodbye my friend, you were there for me.
113 notes · View notes
farh · 7 months
Text
أرجوكم في المرة القادمة من كل شيء ، لا تستهينوا بسماع القصة من الطرف الذي قيلت حوله الفظائع .*
60 notes · View notes
thewetwriter · 11 months
Text
آخر صفحة في الدفتر
رغم حجم الكلام الذي لم يقل و الخيبة تلو الأخرى التي بدت أتكبدها و التي باتت تثقل كاهلي لا محالة إلا أن شّح المفردات و العبارات غلب عليّ هذه المرة و على كل شيء قد ذكرته .. في خطوة مألوفة لميكنيزمات الدفاع النفسية خاصتي و التي لازال التنبوء برد فعلها ضبابيا ، غامضا ، لا يمكن التنبؤ به رغم بحور العلم المكتشفة و الدراسات الفضفاضة .. و ذلك على عكس التاريخ مثلا ، فحتى و إن اجتمع المؤرخون على سردية واحدة موحدة و غضوا النظر عن الفجوات التاريخية الكبيرة التي تحتملها في جوفها و عن التباين و التناقض الكبيرين في المرويات التي خطها الطرف الواحد المنتصر إلا أن أهم محطاته الكبرى لازالت في تكرار أعمى لنفسها .. الشيء الذي يجعل التنبؤ بحرب عالمية ثالثة أسهل بكثير من التعرف على مستقبل العالم في ظل الجفاف الذي يحيط بهذه الكرة الملتهبة شرا .. الجديد هو ، أننا في هذه المرة جزء لا يتجزأ من هذه الرواية التي ستقص للأجيال القادمة .. و الغريب أيضا أننا لازلنا نجهل سبب صمتٍ هنا ، تخاذل هناك و حقيقية طمست و لازالت تطمس في محاولة لتوظيبها على رفٍ هامشي للرواية ، بين هذا و ذاك ..
أوجُه التشابه التاريخية غير محدودة أقول .. نزوح عشرات الآلاف من القطاع الشمالي إلي الجنوبي الذي نعيشه اليوم عاشه الفرنسيون مع اجتياح النازيين لفرنسا مثلا ليُصنف بجريمة حرب آناذاك من قبل مجتمع دولي بات اليوم أعمى ، ثقيل اللسان ، أصم .. على ذكر الصمم حتى الصنصرة في مواقع التواصل التي بتنا نتململ منها ، عاشوها هم أيضا بعد أن أخضع الألمان الإذاعات لحصارٍ ضاري تسبب في اعدام أولائك الذين حاولو استراق السمع .. المفردات من ضلام و نور و وحوش .. الأحلام الضائعة المبتورة .. الخوف و الجوع .. كلها أحداث عاشها الأثينيون بديمقراطيتهم، نعيشها نحن ،العالم المتقدم ، اليوم و سيعيشها لامحال الآخِرون ..
في خضم هذا كله ..
كم هو مؤسف ، مقزز و مقرف رؤية أصحاب الدين الواحد و الهوية الواحدة يتراقصون و يغنون و يتضاحكون بينما يطلب الآلاف النجدة بل ، لا ، مجرد الهدوء و القليل من السكينة لبضع لحظات حتى ..
عبث و وصمت عار ..
عبث سيسأل العالم عنه يوما ما ..
عبث بات يدعونا للقيام بنهضة فكرية جديدة لتحل محل *حلم عربي* بات عرضة للمسخرة من قبل أهل الأرض ..
بل
من أهل السماء حتى ..
احمد.ش
54 notes · View notes
fozdoaa · 14 days
Text
أعلمُ أنّك ربما لا تتمنّى من الليلة سوى أن تكون ليلةً "عادية". أن تمرّ الساعات القادمة دون أن تفقد السيطرة على مشاعرك مجددًا وتنهمك في محاولة لملمة دموعك المبعثرة فوق وجنتيك بلا ترتيب.
أن تستطيعَ النوم دون خوفٍ مما يختبيءُ تحت وسادتك البيضاء من أفكارٍ متّشحةٍ بالسواد.
ربّما تكونُ أقصى أمنياتك هذه الليلة هو أن تمرَّ وفقط، بلا أحداثَ مميزة ولا انهياراتٍ مفجعة، وألا تترُكَ لكَ ما يستدعي التذكّر صباح الغد.
لذا أُذكّرك أن تتنفّس. وأن تتذكّر أنّ هذه ليست المرة الأولى، وبالتأكيد ليست الأخيرة، وأنّكَ نجوتَ في كل المرات السابقة، وكل الليالي الحالكة. نجوت وستنجو هذه المرة أيضًا. تنفّس.
8 notes · View notes
anawii · 8 months
Text
منذ متى اصبحت بذلك الضعف ؟
صدقني انا لم اكن كما تراني الان
لقد كنت متمرداً انبذ كل ما اقابله من قواعد
لقد هدأت روحي و اختفى معها بريق عيني
تساوت امامي كل الاشياء حتى اصبح من المستحيل ابهاري
"احنا بنكبر ولا ايه ؟!"
سؤال وجودي من فيلم "سهر الليالي" لكنه جعلني اسهر تلك الليلة كاملة في الشرفة
وذلك الوغد الذي يناديني بلقب "عمو" وانا اكبرهُ ب ٢٠ سنة فقط !
اليوم كان مناسباً لتقديم استقالتي لكنني وقفت امام الباب افكر في خطوتي القادمة
و��لإجابة كانت متوقعة من شخص مثلي لا يتعب عقله بمجرد التفكير فيما بعد
كلما نظرت الى مرأة الغرفة اقابل ذلك الشخص الذي لا اعرفه كأنه انا في الاربعين من العمر حتى انني استغنيت عن تلك المرأة الكبيرة و استبدلتها بواحدة صغيرة تكفي لرؤية شعري
اصبحت -مؤخراً- اتفادى الحديث مع نفسي يكفيني ما اراه طوال اليوم من مأساة
لكن اتعرف لماذا اكتب لك الان ؟
لأن تلك اللحظة التي كنت احدثك عنها من مدة قد اتت
اثناء ذهابي للحصول على جرعتي الخامسة -على ما اتذكر- من الكافيين من احد العربات المتنقلة في الشارع سمعت احدهم ينادي من الخلف بأسم ابي وهو حقاً مميز يكاد يكون من المستحيل ان يتلاقى شخصان بنفس الاسم في نفس المكان
التفت لأجده احد زملاء الجامعة بالكاد تعرفت عليه بسبب قشور الزهايمر التي تغطي عقلي
لكنه لم يكن وحده ..
هل تعرف يا صديقي تلك القشة التي قسمت ظهر البعير ؟
نظرت لذلك الملاك الصغير الذي يمسك بيده وبالكاد يستطيع المشي ولم احتاج الكثير من الوقت حتى ادرك انها ابنته
انتفض قلبي وانا استرجع تلك الذكريات من فترة الجامعة وكيف كنا مجرد اطفال بأجساد ضخمة
صافحته وانا انظر الى تلك الهدية التي بجانبه ثم حملتها وانا احتضنها
"كبرنا يا حازم!"
نظر في عيني وانا اراه امامي كأيام الجامعة وليس كأحد الاباء المسؤولين عن منزل وطفلة
تبادلنا اطراف الحديث عن ايام الجامعة ثم فترة التجنيد ثم العمل ثم تلاشى كل واحد منا في طريقه على وعد ليكون هناك لقاء اخر يوماً ما
هذه كانت المرة الاولى التي ارى فيها جينات احد اصدقائي ولم تكن المرة الاولى التي اشعر بها بتلك القطارات التي فاتتني وانا احسب نفسي "مقطع السمكة وديلها"
يومها رجعت الى المنزل ويالسخرية القدر عند سماعي لتلك الجملة من فيلم "سهر الليالي" على التلفاز عند عبوري الى غرفتي
القيت بنفسي على السرير لا اود التحدث مع احد يكفيني حقا تلك الحرب القائمة مع نفسي الان والى ان يشاء الله
في اليوم التالي لم استيقظ لأني لم انم حتى انني لم اكن في وضع يسمح لي لأن اذهب الى العمل فأغلقت الهاتف
لكني ادركت حقا اني قد كبرت
تلك ال "عمو" التي اصبحت اسمعها مؤخراً حقيقية
شئت ام ابيت فأني اصبحت الان يا امي احد الكبار.
21 notes · View notes
blurry--nights · 9 months
Text
عندما أحب في المرة القادمة، أتمنى لقصتي أن تكتمل، ألا أخاف،وألا يكون عليّ أن أختار وكأني في اختبار ما، ألا يستغل الآخر مشاعري نحوه ليضغط عليّ بأي شيء لا أريده، أتمنى أن يكون الأمر سلسًا وخالي من الضغوطات، فقط إثنان واقعان في الحب بكل بساطةٍ وطفولة، أن نختلف كثيرًا لا بأس بالخلافات لكن ألا ننام غاضبين، أن ندرك ونفهم اختلافاتنا دون أن يكون ذلك أمرًا عسيرًا، ودون أن يقلل أحد من مشاعر الآخر، ألا أهون عليه أبدًا، وأنه حتى في غضبه لا يحرق كل شيء ويمضي لمجرد غضب عابر..
أن يكون التفاهم هو الأساس بيننا، لا يتركني للظنون، وللأفكار، ألا يتركني هكذا اخمن تُرى ما الذي أغضبه؟ لماذا تغير معي؟ أن يكون صريحًا بلا أذى، ألا تجعلني تصرفاته/كلماته أشعر بأنني لا استحق الحب..
أتمنى في المرة القادمة التي أحب فيها أن يكون حنونًا، لأن قلبي لا يعرف القسوة مهما حاولت، أن يكون عانى كثيرًا ليصل إلى هنا، لأنني أيضًا عانيت، أريده أن يقدر ما مرَّ به الآخرين حتى لو لم يمر به، التفهم والتعاطف، أن يتفهم حساسيتي بدلاً من التقليل منها، لا أريد وعودًا كثيرة، كلنا نعرف أن الوعود لا تتحقق، أريدُ أمانًا يجعلني أنام دون أن أقلق حيال وجوده في اليوم التالي..
أريد شخصًا عندما يقرر الرحيل يكون شجاعًا بما يكفي، رحيمًا بما يكفي، ليدرك أن ألم الانفصال يكفي، ولا داع لتجريح آخر..
- مروة الاتربي
24 notes · View notes
maanaar · 1 month
Text
"بعض الناس ينجو ويتحدث عن ذلك.
وبعض الناس ينجو ويلتزم الصمت. وبعض الناس ينجو ويبدع.
كل شخص يتعامل مع الألم الذي لا يمكن تصوره بطريقته الخاصة،
وكلّ شخص له الحق في ذلك، دون حكم.
لذا في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى حياة شخص ما بحسد، تذكر...
قد لا ترغب في تحمل ما يتحمله الآن، في هذه اللحظة، بينما يجلس بهدوء أمامك، ويبدو وكأنه محيط هادئ في يوم مشمس.
تذكر مدى اتساع حدود المحيط. بينما تكون المياه هادئة في مكان ما، توجد عاصفة هائلة في مكان آخر في نفس المحيط".
من كتاب "الناس تنجو بطرق مختلفة.
- نيكيتا جيل
Tumblr media
8 notes · View notes
rozasaira · 1 month
Text
Tumblr media
جلس بائع برتقال على قارعة الطريق يبيع ثماره،
فمرت بقربه عجوز وسألته إن كانت هذه الثمار المعروضة للبيع حامضة..
فظن البائع أنَّ العجوز لا تأكل البرتقال الحامض، فرد عليها مسرعاً: كلا ! هذا برتقال حلو المذاق، كم يلزمك يا سيدتي؟
ردت العجوز قائلة : "ولا حبة واحدة، أنا أرغب في شراء البرتقال الحامض، فزوجة ابني حامل وهي تشتهي طعاماً حامضاً"
خسر البائع هذه الصفقة لكنه وعد بأن يُحسن الكذب في المرة القادمة .
وبعد يومين، اقتربت منه امرأة حامل، وسألته: هل هذا البرتقال حامض يا سيدي ؟" وبما أنَّ المرأة حامل فقد تذكر درس العجوز، فكانت الإجابة بنعم لأنه يريد بيعها ثم سأل سؤاله الشهير : " كم تريدين؟" فأجابته:" لا أريد شيئاً، فقد أرسلتني أم زوجي لأشتري لها برتقالاً حلواً أنت أخبرتها عنه قبل يومين لكن لا بأس"،
أيقن البائع بأن هذه هي زوجة ابن تلك العجوز ولكنه أيقن كذلك بأن كذبه وخداعه سيكون ضده في نهاية المطاف مهما كسب من النصب والاحتيال.
7 notes · View notes
thedosky · 7 months
Text
عندما تنفلت أعصابي وأشعر بغضب شديد لا متنفس له، أقول عايز اولع في نفسي. لا أعرف لماذا أقول هذه الجملة بالتحديد، لا أعرف. ربما هي دارجة والتقطها عقلي، لكن مع ذلك هل انا عايز اولع في نفسي فعلا؟
في العام 2011 وتحديدًا في شهر يناير صادرت السلطات التونسية عربة لبائع متنقفل كان يبيع عليها الخضار والفاكهة. أثناء عملية المصادرة احتج البائع على الضابطة وحاول منعها من مصاردة البضاعة. أخذت الضابطة أكياس الفاكهة ووضعهتا في السيارة فحاول الرجل منعها مرة أخرى ثم أخذت الميزان فحاول الرجل منعها. غضبت الضابطة وضربت محمد بالعصا ثم أسقطته أرضًا بمعاونة أصدقائها الشرطيين. ثم لم تكتفِ بذلك بل صفعته على وجهه أمام خمسين شاهدًا وهي تقول Dégage بالفرنسية، والتي تعني ارحل بالعربية  فبُهت الرجل وعزت عليه نفسه وانهار باكيًا من الخجل.
حاول محمد أن يصل إلى كبار المسؤولين دون جدوى ولما بلغ منه اليأس مبلغه قال لأصدقائه الباعة في السوق، سوف أشعل النار في نفسي. بكل تأكيد لم  يؤخذ كلامه على محمل الجد. ولكن محمد بوعزيزي فعلها، وقف أمام مبنى البلدية ثم أشعل النار في نفسه احتجاجًا. رحل بوعزيزي ولم ترحل ناره، ازدادت النار اشتعالًا وأحرقت تونس بأكملها ثم انتقلت النار إلى مصر، وفي نفس الشهر من نفس السنة كنا نصرخ في ميدان التحرير والغضب يأكل أجسادنا أكلًا. ارحل.
مضغتني السنوات التاليات وتفلتني كقطعة من العلكة، نحن أيضًا رحلنا نحن أيضًا تركنا الميدان وتركنا نار بوعزيزي تخفت حتى خبت تمامًا.
بالأمس كنتُ منهمكًا في العمل ثم بدون مقدمات أعطاني صديقي هاتفه لأشاهد شيئًا، توقعت فيديو مضحك كما هي العادة ولكنني رأيت رجلا في زي العسكرية الأمريكي يقول:
I will not be complicit in genocide … I am about to engage in an extreme act of protest
 ثم أشعل النار في نفسه، هكذا في ثوان معدودة. أعدت الهاتف إلى صديقي بدون تعليق ثم أدركت ما أنا مقبلٌ عليه، فحاولت التماسك قدر استطاعتي ولكن نوبة البكاء العنيفة غلبتني وانفجرتُ باكيًا كل شيء، ولكني بكيتُ العجز أكثر من أي شيئ.
المرة القادمة عندما يشتد بي الغضب، لن أقول عايز اولع في نفسي، يكفيني ابتلاع ما أشعر به من خزي.
سلام لأرواحكم الطاهرة:
محمد الطيب بوعزيزي.
Aaron Bushnell
19 notes · View notes
zahraa17 · 1 year
Text
عندما أحب في المرة القادمة، أتمنى لقصتي أن تكتمل، ألا أخاف، وألا يكون علي أن أختار وكأني في اختبار ما، ألا يستغل الآخر مشاعري نحوه ليضغط علي بأي شيء لا أريده، أتمنى أن يكون الأمر سلسًا وخالي من الضغوطات، فقط إثنان واقعان في الحب بكل بساطةٍ وطفولة، أن نختلف كثيرًا لا بأس بالخلافات لكن ألا ننام غاضبين، أن ندرك ونفهم اختلافاتنا، دون أن يكون ذلك أمرًا عسيرًا، ودون أن يقلل أحد من مشاعر الآخر، ألا أهون عليه أبدًا، وأنه حتى في غضبه لا يحرق كل شيء ويمضي لمجرد غضب عابر.
أن يكون التفاهم هو الأساس بيننا،لا يتركني للظنون، وللأفكار، ألا يتركني هكذا اخمن تُرى ما الذي أغضبه؟ لماذا تغير معي؟ أن يكون صريحًا بلا أذى، ألا تجعلني تصرفاته/كلماته/ أشعر بأنني لا استحق الحب.
أتمنى في المرة القادمة التي أحب فيها، أن يكون حنونًا، لأن قلبي لا يعرف القسوة مهما حاولت، أن يكون عانى كثيرًا ليصل إلى هنا، لأنني أيضًا عانيت، أريده أن يقدر ما مرَّ به الآخرين حتى لو لم يمر به، التفهم والتعاطف، أن يتفهم حساسيتي بدلاً من التقليل منها، لا أريد وعودًا كثيرة، كلنا نعرف أن الوعود لا تتحقق، أريدُ أمانًا يجعلني أنام دون أن أقلق حيال وجوده في اليوم التالي، أريد شخصًا عندما يقرر الرحيل، يكون شجاعًا بما يكفي، رحيمًا بما يكفي، ليدرك أن ألم الانفصال يكفي ولا داع لتجريح آخر.
-مروه الاتربي
30 notes · View notes
romanticpapers · 4 months
Text
هل خافت مني أم أشفقت علي؟ هل بدا حديثي معها غير مألوف لها وبه بعض من الشطط؟ أدرك أني عندما أكون واقعا تحت سطوة شهوة الحديث لا أنوقف عن الكلام حتى ولو لإلنقاط الأنفاس رغم غوصي الطويل في بحور الثرثرة. ووضع مناقض ٱخر ينتابني حينما تهطل فوق رأسي فجأة رخات صمت فتبكمني. المشكل يتركز في الاسترسال في الحديث دون وعي فحينها تنتهز الروح الفرصة لتبوح بكل ما فيها من خبايا وأفكار وكأنها تتخلص من عبء ثقيل عليها. أشعر براحة بعد الفضفضة ولكن سرعان ما يفيق العقل ليبدأ في مراجعتي ومحاسبتي على كلمة تفوهت بها فلا أملك جوابا سوى أنني أخبرتها بعد نهاية الحديث بأنك غير ملزمة برأي عرضته عليك لأني في المرة القادمة سأقول كلاما ٱخر بحالة أخرى قد يتناقض حرفيا أنا فقط يا عزيزتي ب"أبعبع" معاكٍ بكلمتين كانوا واقفين ف زوري!
7 notes · View notes
f-farah · 5 months
Text
عزيزي تمبلر،
استيقظت اليوم كالعادة في العاشرة صباحاً. كنا نشرب المتة ماما وأخي وأنا بينما أدرس محاضرة المناعة الثانية. هذه المحاضرة التي علقت معها من ثلاثة أيام ولا أستطيع إنجازها كاملة.. ولكن لا بأس يتحسن الأمر كل يوم أكثر. ثم مر الوقت. صرنا ماما وأنا في المطبخ.. نطبخ الملوخية وكنا نشرب المتة، تتحدث ماما عن الحقول والمواسم، وداخل رأسي أحدثها عن الشهداء وحروب الأقاليم ولكني أرقص حولها وأردد: "زهّر التفاح.. زهّر التفاح".
لن يفهم أحد غيرك يا تمبلر علاقتي مع التفاح، منذ سنتين التفاح هو أكثر شيء ثابت في حياتي ولا يتغيّر. بعد ولادتي وقص حبل السرة الذي يربطني بالماما، يعقدون بقاياه، سرة المولود، ويثبتونها بدبوس.. وحين يجف الجلد ويتماسك يقع هذا الدبوس وفيه آثار قليلة لحبل السرة. لقد زرعت حبل سرتي تحت شجرة التفاح في بيتنا، شجرة التفاح التي زرعناها والدي وأنا من عشر سنوات وأكثر. هكذا إن مت، لن أموت.. هكذا تستمر ولادتي في الأرض للأبد.. هكذا قطعت ارتباطي بماما في ولادة أولى وارتبطت بماما الأرض في ولادة أبدية مستمرة. صحّحت ماما لي مفرداتي حول الدبوس تحديداً، ولكني أصر على سرد حكايتي بهذه الطريقة. زهّر التفاح يا تمبلر!
طلبت من بابا من أربعة أعوام أن نزرع شجرة ليمون حامض في حديقتنا، فكان لي ما طلبت.. ولكنها لم تصمد أكثر من عام وماتت. في السنة الماضية طلبت منه أن يحضر لي شجرة ليمون حامض قزمة نستطيع وضعها داخل البيت، فكان لي ما طلبت. زهّرت هذه الليمونة أيضاً! العام الماضي حصلت منها على خمس ليمونات صغيرات وحامضات جداً، كانوا ألذ ليمون تذوّقته في حياتي! وهذه المرة إن نجت كل زهراتها سأحصل على عشرات الليمونات اللذيذات الرقيقات ذوات الرائحة الفوّاحة الطيبة.
لا أحب الفول الأخضر. أو أفكر الآن بأني لا أفضله. وهذه الصيغة أكثر دقة في وصف علاقتي معه.. أنا لا أفضله.
لا يريحني وضع ماما كثيراً يعني الحمدلله صارت أفضل بكثير ولكن فقر الدم لا يفارقها.. وربما لذلك تتعب بسرعة، لا تستطيع القيام بكل الأعمال التي اعتادت القيام بها قبل مرضها.. وهذا يزعجها. أحاول التخفيف عنها ولكني من الداخل أعرف أن جزءاً من ماما رحل إلى الأبد ولن يعود. أتعلم يا تمبلر نحن في وداع مستمر لمن نحبهم ولنا أيضاً.. يحصل أمر ما، كالمرض الشديد مثلاً، نتعافى ولكن يتغيّر داخلنا شيء ما، لا نستطيع تحديده بدقة ولا إرجاعه.. نتبدّل بشكل يتطلب منا ومن المحيطين بنا وقتاً لندركه ونقبله ونفهمه. أحيان أخاف على ماما.. من التعب، والحسرة، والحيرة، واليأس، من كل البدائل الدوائية، من انعدام ثقتي بالدواء الوطني وانعدام ثقتي بالدواء الأجنبي الذي يمر من بين أيدي المجرمين.
تعرف يا تمبلر من عدة أشهر ألقوا القبض على مجموعة أشخاص يبيعون أدوية للسرطان تركية المنشأ بمئات الدولارات ولكنهم اكتشفوا أنها كلها كانت سيرومات ملحية! وقع الخبر علي كالصاعقة.. كم إنساناً مات بسببهم! كم عائلة فُجِعت وتفككت! كم طفلاً بقي وحيداً! كم ثكلى! تخيل أن عائلة أحدهم بألمانيا وكان هو من هنا من داخل هذه البلاد العفنة يرسل لهم آلاف الدولارات شهرياً! كم مرة حاولت تكذيب الخبر، إقناع نفسي بالمبالغة فيه.. ولكن ماذا لو كان صحيحاً! أي رعب هذا الذي أجبر نفسي على العيش به! لذلك أصلي.. أصلي كي لا أخاف.. أصلي كي لا يُفجَع قلبي..
كنت أحدق في السماء الزرقاء الصافية، وبكيت.. فكرت برغيد الططري.. بكيت، كما رغيد الطيّار (العقيد أو الضابط لا أذكر ولا فرق) الذي رفض رمي قنبلة على حماة سنة ١٩٨١ فأمر الأسد الأب بسجنه، وبقي مسجوناً حتى يومنا هذا.. دون معرفة شيء عن مصيره. ونحن أيضاً نرفض أساليبهم وادعاءاتهم وكذبهم ونحاول أن نحيا أحراراً شرفاء.. فنسجن في البلاد.. بلادنا يا سجننا الكبير.. دون معرفة شيء عن مصيرنا.
كل الأشياء القادمة، مشوّشة.. كل الأشياء الماضية، نجونا منها بأعجوبة.
الآن بينما أكتب ماذا لو سنرحل الآن.. وين نروح؟ هكذا يتردد السؤال في رأسي. لا أفهم ما يجري في العالم.. لا أفهم.. أود أن يأتي أحد ما من البعيد ويشرح لي ماذا يجري.. بماذا يجب أن أشعر.. لأنني لم أعد أشعر بشيء، طيلة الوقت أمسح دموعاً هاربة دون أن أعرف سببها، دون أن أملك كلمات لأصف ما أشعره بداخلي ما أفكر فيه. أحد ما، في مكان ما، هل تستطيع أن تخبرني أنا، هنا، كيف يجب أن أتعامل مع العالم؟ وأحداثه؟ وجنونه؟ لأني لا أعرف.
طفلان من أولاد خالاتي كانا يتناقشان بجدية، "مين اللي خرّب البلد؟" أحدهم قال: ببساطة بشار الأسد. وردّ الآخر: "طبعاً لا البلد مو خربانة أساساً." هذا يقول شرّدونا وقتلونا وجوّعونا.. وذلك يقول لديك أكل وشرب وراتب أول الشهر "وما حدا مقصّر معك". فيرد: "ما كنت عارف إني المفروض عيش عيشة حمار". أضحك أنا وأقول: "من شابه أباه فما ظلم".
أخبرك يا تمبلر أن عمريهما ١٢ سنة و٩ سنوات.
يا رب! إن كان ما سمعته الآن في هذه اللحظة، الثانية إلا عشرة دقائق، حقيقياً.. هناك أصوات انفجارات ليست بالقريبة ولا بالبعيدة جداً تحدث الآن.. هناك صوت طائرات.. أنا أعرف صوت الطيران.. أعرف كيف يهز النوافذ.. وكيف يهز الباب.. وكيف يُسقِط قلبي. أشعر بالشلل.. جسدي كله مثبت ولا أجرؤ على النهوض والتحرك من مكاني..
لا تأخذونا للموت أرجوكم.. لا أود أكثر من عمر طبيعي.. فقط لا أكثر..
أكثر من أربع دقائق.. أرعبتك! ربما لسخرية الأقدار.. قبل دقائق فقط كنت تفكرين بأين نرحل إن وصل جنونهم إلينا.. ثم هزت النوافذ.. وكانت الأصوات شديدة وهز الباب.. وها أنت تبكين.. خائفة.. وقلقة.. ولا تودين أن يحدث كل ما يحدث.
لا تجرؤين على التحقق من شيء.. هل ما سمعته وشعرت به الآن كان حقيقياً حقاً؟ هل حدث ما اعتقدت أنه يحدث؟
لا بأس.. لقد مر.. تنفّسي.. انهضي اشربي قليلاً من الماء.. تنفسي.. لا بأس.. مر.. مر.. مر
أنت هنا.. حية.. تنتظرين موسم تفاحك وليموناتك القزمة.. حية.. وتحلمين.. حية.. وسيعلمك صديق أرمني من دمشق (قال لك مرة أنه من الأرمن أليس كذلك؟ أنت نسيت مجدداً! أعرف أنك لا تهتمين بهذا الأمر مطلقاً.. ولكن كان عليك الاحتفاظ بهذه المعلومة على الرف لأنك تحتاجين أن تتذكري لكن على أية حال لا بأس.. ستتأكدين منه) سيعلمك لغته الأم! (أياً ما كانت) قال لك أن "أحلام سعيدة" تقال: "حلمي باسيمه" وقال أيضاً أن "تصبحين على خير" تقال: "لِليو دنيوحو". لماذا لم تسأليه ما هذه اللغة فوراً؟ كنت واثقة أنه أرمني.. ولكنك الآن تشكّين بذلك! المهم وعدك أنه سيعلمك لغته. لغة جديدة يا فروحة! ستتعلمين من خلالها الكلمات التي تحبينها.. وإن أحببتها قد تجربين إتقانها.. كم أنت محظوظة يا فتاة!
أين كنا.. ماذا سأخبرك أيضاً يا تمبلر.. قررت أخذ مجموعة كورسات soft skills مُقدَّمة من جامعة الفيصل يعني كبداية، بدأت بالكورس الأول عن الذكاء العاطفي.. بدأنا فعلياً ماما وأنا، أنهينا أكثر من نصفه. أحببت أن ماما ستشاركني رحلتي في التعلم.. أحببت أنني قد أساعدها دون أن أقصد من خلال تعليمها أشياء جديدة.. وأتمنى أن يُحدَث ما نأخذه فارقاً في نفسها، ألا يكون مجرد محاولة لتمرير الوقت.
شيء إضافي مهم، طيلة اليوم وأنا أتجادل مع أخي.. في أشياء تافهة جداً.. ولكنني كنت غاضبة حقاً.. طبعاً غضبي مسؤوليتي ولن أقول أني غاضبة بسببه.. يعني أنا كنت أتمنى أن يساعدني في أعمال البيت وكلما طلبت منه أن يفعل شيئاً كان يقول: "الآن" ولا يحين موعد هذا "الآن" أبداً! أبداً! لذلك شعرت في وقت ما أنني لا أود نقاشه بشيء.. والبقاء صامتة.. وعدم مشاركته شيئاً.. وعدم الرد عليه أيضاً.
في المساء، عدنا إلى البيت وحيدين، نعم "متشابكي القلوب والأصابع" وطلبت منه أن يبقى صامتاً.. بينما طريقنا موحش مظلم ولا ضوء قمر ولا كهرباء. سيفتح مواضيع شتى وسأسكته. ثم فجأة سأسأله، من الأعداد من صفر حتى تسعة كم عدد مكوّن من ست منازل نستطيع أن نصنع، علماً أن التكرار مسموح. وأخي الذكي الشاطر يحل لي السؤال ببساطة وخلال دقيقتين فقط. ويسألني عن السبب فأجيبه.. بكل سخريتي أني أود أن أعرف عدد السيارات في البلد بما أن لوحاتها كلها مكونة من ست أرقام فقط. ثم استدركت من غير المعقول أن تكون هناك ثلاثة ملايين سيارة في البلاد كلها.. يعني أكيد يغيّرون اسم المدينة وهكذا يستطيعون تكرار نفس اللوحات وبالتالي الحصول على احتمالات أوسع. لا أعرف. هل أساساً كل السيارات في البلاد تحمل ست أرقام ومدينة؟
جلس مكسيم في حضني، سألته إن كنت لاأزال حبيبته، فأجابني: "لأ، مو حبيبتي". ولكنه بقي جالساً في حضني.. يتحدث بسرعة دون أن أفهم منه كلمة واحدة.. سألته ماذا فعل؟ فأخبرني أنه ركب بباص أزرق.. ثم بابتهاج شديد قال: "في باص أزرق ثاني كمان!". يحب مكسيم اللون الأزرق وكل شيء في عالمه بلون أزرق، يعني حتى لو لم يكن هناك أي شيء بالأزرق، ما إن تسأله عن اللون سيجيب بثقة أزرق. أخبرني عن لعبته الجديدة.. طبعاً لم أفهم كلمة واحدة.. ولكنه نهض ليحضر اللعبة وبدأ يتحدث ففهمت أن حديثه بخصوص اللعبة. ثم أحضر أسداً.. فسألته ماذا يقول الأسد؟ فيصدر صوتاً يشبه صوته وهو يقرّب الأسد مني وكأنه يأكلني.. وحين أخاف يضحك بشدة ودون توقف.
في لحظة فكّرت بالأسد.. لقد التهم كل حياتي حقاً! فكّرت أني أكره الأسود وأمقتها.
بكيت.. كلما سأل بابا جدتي أين ورد؟ تنظر إلي وتضحك. بعد أن صارت الكلمات سجينة داخل جدتي ولا تستطيع نطقها أو التعبير عن نفسها، كنت أبكي وأغضب حين يجبرني بابا على الذهاب إليها، كنت صغيرة وكانت بدايات الألزهايمر عندها، ولم أستطع أن أشرح بما أشعر.. ولكنني لم أكن أود أن أكون شاهدة على احتضار جدتي البطيء لاسيما حين لم تعد تذكر أسماءنا، أحد أكثر المشاهد القاسية في رأسي هو حين كانت تتكلم ثم فجأة تتشوش أفك��رها ولا تستطيع أن تكمل حديثها لأنها لا تقدر على نطق الكلمات وتخرج الحروف مبعثرة ومتعثرة، أذكر الخيبة في عينيها جيداً.. أذكر الخجل يورد وجنتيها وأذكر النفس الذي تأخذه وهي تعقد كفيها وتفتت منديلها الورقي، لا شيء أصعب وأوجع من هذا!. بعد عدة سنين عبرت عن الأمر وقلت الإنسان ذاكرة. وحين اختفت ذاكرة جدتي كلياً اختفت جدتي. بكيت.. وحاولت إخفاء دموعي.. بينما أنقل نظري بين صورة "ورد" المعلقة على الجدار وهي أم جدتي، وبين وجه جدتي الحاضر أمامي وصورة "سلمى" جدتي وهي صبية المعلقة على ذات الجدار، ربما كنت خائفة من النهاية.. من أن تختفي ضحكة سلمى للأبد، وتيتا سلمى تملك أجمل ضحكة في العالم.. ضحكة تشفي القلب وتسعده حتى في أحلك أوقاته. آه يا تمبلر كم أود أن أحدثك عن سلمى مجدداً.. ولكنني كلما جربت أتحدث عنها بصيغة الغائب.. وهي ماتزال هنا تتنفس حية وتضحك لي وتعرف أني "ورد، أم سليم" أمها.
بينما كنت أكنس البيت، فجأة تنظمت داخلي خطة أستطيع اتباعها بدل الضياع الذي كنت أشعره البارحة. ألم أخبرك يا فرح أن الرب إن سألتيه لن يتركك وحدك؟ لقد أنار بصيرتك على طريق محتمل.. فامشي.. إلى الأمام، إلى الأمام، إلى الأمام. الليلة أعدك ستكونين بخير.. ستكونين فخورة بنفسك.
ماذا أخبرك بعد يا تمبلر؟
ربما هذا كل شيء لليوم.
لقد نجوت. ما أزال حية.. والسقف لم يسقط علي.
أرجوك أيها الموت لا تأتِ..
أرجوك أيتها الحرب لا تأتِ..
فما عاد في العمر متّسع لجنون أكثر.
8 notes · View notes
the-salmamahmoud · 1 month
Text
"بعض الناس ينجو ويتحدث عن ذلك.
وبعض الناس ينجو ويلتزم الصمت. وبعض الناس ينجو ويبدع.
كل شخص يتعامل مع الألم الذي لا يمكن تصوره بطريقته الخاصة،
وكلّ شخص له الحق في ذلك، دون حكم.
لذا في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى حياة شخص ما بحسد، تذكر...
قد لا ترغب في تحمل ما يتحمله الآن، في هذه اللحظة، بينما يجلس بهدوء أمامك، ويبدو وكأنه محيط هادئ في يوم مشمس.
تذكر مدى اتساع حدود المحيط. بينما تكون المياه هادئة في مكان ما، توجد عاصفة هائلة في مكان آخر في نفس المحيط".
من كتاب "الناس تنجو بطرق مختلفة.
- نيكيتا جيل
Tumblr media
3 notes · View notes
kelebek-gibi · 10 months
Text
الأن أنا أعلم بأننا قلنا أشياء، و فعلنا أشياء لم نكن نعنيها
و نعود و نكرر نفس التصرفات، نفس الروتين
لكن مزاجك سئ كمزاجي، انتي مثلي تماما
عندما يتعلق الأمر بالحب تكونين عمياء تماما
عزيزتي عودي ارجوكي، لم يكن ذنبك
عزيزتي لقد كان أنا " المذنب"
ربما علاقتنا ليست مجنونه كما تبدو عليها
ربما هذا ما يحدث عندما يتقابل الاعصار مع بركان
كل ما اعرفه هو انني احبك جدا، ع الرغم من الذهاب بعيدا الان
تعالي للداخل، التقطي حقائبك بعيدا عن الممشى
الا تسمعي الصدق في صوتي عندما أتحدث ؟
أخبرتك إنه ذنبي، انظري لي بداخل عيني
في المره القادمة عندما اغضب، سأوجه قبضتي إلى الحائط
االمره القادمة ؟!!!
لن يكون هناك شئ يسمى المرة القادمة
انا اعتذر... على الرغم من انني أعلم إنها مجرد اكاذيب
لقد سئمت من الالعاب، أنا فقط أريد عودتها
انا أعلم بأنني كاذب!!
و اإذا حاولت ان تذهب مجددا
سأقيدها بالسرير
و اشعل النيران في ارجاء المنزل.
Tumblr media
11 notes · View notes
naanomar · 3 months
Text
لمن يقول ان حماس تسببت في قتل اهل غزة و تدمير غزة..اقرأ وفكر وان لم تفهم فهذه مشكلتك
‏أي جريمة ارتكبتها حماس لما شنّت طوفان الأقصى، ودمرت حياة الفلسطينيين ؟!
تأمّل ملامح تلك السيدة، عادية كأي أم عربية، هي بالفعل كانت أمًا لطفلين، واسمها ‘‘خلود السعيدني‘‘..خلود كانت من سكّان مخيم البريج وسط قطاع غزة، وكانت حياتها تسير بشكل عادي، لولا إصابتها بالسرطان..مستشفيات القطاع لم تكن مؤهلة للتعامل مع حالتها المتقدّمة، وبالتالي الحل الوحيد كان سفرها لأحد مستشفيات القدس..لكن قطاع غزة محاصر، ولا بد من المرور على المعابر الإسرائيلية وكان نصيبها هو ‘‘معبر بيت حانون‘‘
خلود ذهبت مع أمها السيدة ‘‘ سلوى‘‘..طلبت إذن بالمرور والعلاج..ما الذي تفعله أكبر ديمقراطية في الشرق الأوسط..إسرائيل بالطبع..وقف ظابط الشاباك ومال برأسه عليها وأخبرها أن نجاتها في أمر واحد فقط..أن تجيب على بعض الأسئلة الخاصة بمن يعتقد الإسرائيليون أنهم ينتمون للمقاومة..رفضت خلود الإجابة..ليس لأنها تمتلك معلومة وتخفيها..أبدًا..لأنها لا تعلم شيئًا من الأساس..بقلب الأم وقفت السيد سلوى تطلب السماح لابنتها بالعلاج..لكن الإسرائيليون رفضوا..قدّمت تقييمًا طبيًا لحالتها المتدهورة..رد ظابط الشاباك..حسنًا ‘‘فتاة فلسطينية ميتة..خبر جيد يمنحني ترقية‘‘.
رفضت خلود التجنيد في الشاباك..رفضت ابتزازها بمرضها..وبعد 3 أسابيع..سوف تنتقل إلى ذمّة الله..هل تعلم يا عزيزي..أن 40% من مصابي السرطان في غزة قبل السابع من أكتوبر لم يكن باستطاعتهم حتى إيجاد سرير في مشفى في قطاع غزّة؟..هل تعلم أن إسرائيل كانت تمنع إدخال المعدات الطبية اللازمة لعلاجهم حتى يكونوا مضطرين للذهاب للمعابر ومن ثم تعمل على تجنيدهم؟..هل تتخيّل الجنة التي أفسدتها حماس؟..يا رجل..من أين أتيت بتلك القصة؟..يستحيل أن تفعل إسرائيل ذلك..حماس هي من دمرت الرخاء الفلسطيني..من مصدر غربي بالتأكيد وهو وثائقي ‘‘العمل مع العدو‘‘ إنتاج BBC.
حماس تستحق العقاب إذن..هي وسكان قطاع غزة..لكن أكيد في الضفة الغربية حيث السلطة المتعاونة مع الاحتلال..أكيد كان الفلسطيني يحصل على امتيازات طبية..فلتسمع إذن قصة أخرى من كتاب الصحافي الاستقصائي الاسترالي ‘‘ جون بيلجر‘‘..وهو كتاب ‘‘الحرية في المرة القادمة‘‘..‘‘ناصر‘‘ شاب قضى في سجون الاحتلال عامين، ثم خرج وكانت أقصى أمنياته أن يُرزق بطفل من زوجته ‘‘فاطمة‘‘..محاولة تلو الأخرى، والأمر غير مُجدي، فجربّوا تقنيات التلقيح، وبالفعل حملت فاطمة..يوم السعد يا ناصر..تسعة أشهر وجاءت لحظة الطلق..خرج ناصر مسرعًا بزوجته في سيارة يمتلكها صديقه، للذهاب للمستشفى..وإذ فجأة يستوقفهم الجنود الإسرائيليون.
رفض الجنود عبور فاطمة لوضع وليدها وأمروا ناصر بالعودة..يبكي ناصر طالبًا الرحمة لزوجته، فأتاه الرد من الجندي الإسرائيلي بالضحك والسخرية وتقليد آلام الوضع التي كانت تعانيها زوجته..تراجع ناصر ثم عاود المحاولة..وأتاه الرفض من جديد..في النهاية وضعت فاطمة وليدها في السيارة وانقطع الحبل السري..الحمد لله أنجبت أخيرًا بالعند في جنود الاحتلال..لا والله..رفضوا حتى رجوعهم لمنزلهم..ومات الطفل متجمدًا من البرد..مستشفى ‘‘هداسا‘‘..كانت على بعد كيلو ونصف فقط حيث مات ‘‘سلطان‘‘..رفض ناصر أن يموت ابنه دون اسم..فسماه سلطان..يحكي بيلجر أنه في هذا الشهر توفي 29 فلسطيني لأن إسرائيل منعت وصول سيارات الإسعاف لنجدتهم..لم تكن هناك حماس..ولم يكن ثمة طوفان الأقصى !
يُحكى أنه في العام 1982 قصفت إسرائيل مخيم ‘‘برج البراجنة‘‘ في بيروت ما أدّى لمقتل 120 مدني فلسطيني ولبناني..فتوجّه الصحافيون بسؤال لمناحم بيجن عن الهمجية الإسرائيلية فأجاب..كما يورد الصحافي البريطاني ‘‘باتريك سيل‘‘في كتابه ‘‘الأسد: الصراع على الشرق الأوسط‘‘..‘‘منذ متى أصبح سكان لبنان جميلين فجأة؟..ألم يقدموا المأوى للإرهابيين؟..ألم تطرد إسرائيل مليونًا ونصف المليون مصري من ضفة قناة السويس أثناء حرب الاستنزاف مع مصر؟..إنني لا أشك لحظة واحدة في أن المدنيين يستحقون العقاب‘‘.
ليست فلسطين..وليست حماس..بل لبنان قبل خمس سنوات كاملة من تأسيس حماس..كانت إسرائيل تدافع على لسان رئيس وزرائها عن قتل المدنيين..بعد شهور قليلة سوف تذبح إسرائيل بالتعاون مع إيلي حبيقة ومارون مشعلاني..3 آلاف فلسطيني في صابرا وشاتيلا..في ليلة واحدة..قتلوا جميعهم قبل 43 عامًا من طوفان الأقصى..هل تعلم أنه في العام 2022، العام السابق على طوفان الأقصى، قتلت إسرائيل 230 فلسطيني بإعدامات مباشرة في الضفة؟..الضفة حيث سلطة التطبيع التابعة لأبو مازن؟..9335 فلسطينيا أصيبوا في مواجهات مباشرة مع الاحتلال..6500 حالة اعتقال..صادرت إسرائيل 10 آلاف دون..وأنشأت 13 ألف وحدة استيطانية..هذه كانت ومضات فقط من حياة الفلسطيني قبل 7 أكتوبر. ثم يأتي أحدهم لينعي ‘‘ الجنّة‘‘ التي خربتها حماس عندما اختارت طريق المقاومة..فلتخبر إذن خلود السعيدني عن الجنة..فلتسأل ناصر عبد ربه عن طفله الميت في الجليد..فلتقف أمام أرواح لأفو الفلسطينيين المبقورة بطونهم في صابرا وشاتيلا..فلتسألهم جميعًا..كيف كانت جّنتهم الإسرائيلية التي أفسدتها حماس..كل ما فعلته المقاومة أنها رفضت لمرة أولى وكبيرة مكثّفة الذل اليومي المقطّر الذي يعيشه أبناء شعبها..لأول مرة اختارت ردّ المظالم بالطريقة التي تؤلم العدو كما تألمت ألف خلود وألف ناصر..للمرة الأولى وضعت العالم أمام زيفه وخداعه..الفلسطيني يموت كل دقيقة ألف مرة..فليكن لموته ثمن..علكم تشعرون بمأساتنا.
هذه جنة الإسرائيلي التي دمرتها حماس..هل توّد أن تحيا في واحدة مثلها في وطنك؟...هل تود أن تفقد طفلك على المعابر؟..هل تود أن تموت ابنتك بالسرطان وهي تتعرض للابتزاز؟..هل هذه الجنة التي تطأطيء الرأس من أجلها وتقبل الفتات؟...وهل بعد كل ذلك..لن ترفع سلاحك..وتقول..إما الكرامة أو دونها الحياة؟..هذا ما فعلته المقاومة..كرامة الفلسطيني أو أن يدفع العالم أثمان إهدارها..موتًا وأسرًا ! سميث طبيب غربي عاش في غزة وقت الهجوم اليهودي الصليبي عليها:
لقد كانت غزّة بالنسبة لنا جحيما على الأرض”.
‏“رأيت طفلاً يبلغ من العمر 6 سنوات، كان ملقى على الأرض في غرفة الطوارئ، ولم يكن أي من عائلة الطفل حوله، فقد أُخبِرنا بأنهم قُتلوا جميعا! كان الطفل يعاني من حروق مؤلمة للغاية، وجروح مفتوحة في منطقة الصدر.. نظرت حولي بحثا عن أطباء أو عمال تمريض يساعدونني، فلم أجد، كانت الحالات والإصابات الحرجة، التي تأتي على مدار الساعة طلبا للعلاج، لا يستوعبها حجم العاملين في المشفى، أخذتُه على الفور إلى منطقة الإنعاش، وأتممت له الإجراءات الطبية اللازمة على الأرض، حيث لا توجد أسرة أو نقالات كافية، لكن الأفدح من كل ما سبق أنه لا توجد مسكنات للآلام تساعد هذا المسكين في التخفيف من معاناته”.
ما قرأتَه للتو، كان جزءا من شهادة البروفيسور الدكتور “نيك ماينارد”، الطبيب البريطاني الذي عمل في مستشفى “شهداء الأقصى” بغزة لمدة أسبوعين، من نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023 وحتى 9 يناير/ كانون الثاني 2024، بمبادرة من لجنة الإنقاذ الدولية ومنصة العون الطبي للفلسطينيين، وذلك في حوار صحفي له مع أطباء آخرين، نشرته وكالة الأناضول في 21 يناير/ كانون الثاني 2024.
وأشار “ماينارد” إلى أنه كان يجتمع مع الموجودين في غزة منذ بداية الهجمات الإسرائيلية، وكان يُعِدّ نفسه لما سيراه، ومع ذلك يقول: “إن ما رأيته كان أسوأ بكثير مما توقعت، في مستشفى شهداء الأقصى رأيت أفظع الإصابات التي لم أتخيل أن أشاهدها في حياتي المهنية، لقد اضطررت في كثير من الأحيان إلى علاج الجرحى دون معدات طبية، ولم يكن هناك حتى ماء، فكنا نضطر إلى تنظيف أيدينا باستخدام المواد الكحولية فقط، كما لجأنا لعمليات مروعة لبتر الأطراف دون مخدر، لقد كانت غزّة بالنسبة لنا جحيما على الأرض”.
وتحدث طبيب الطوارئ “جيمس سميث”، الذي عمل في عدة مناطق تشهد صراعات وأزمات، وذكر أنه كان واحدًا من فريق أطباء مكون من 9 أشخاص يعملون في غزة، وأشار إلى أن معظم المستلزمات الطبية الأساسية كانت غير متوفرة، وقال: في أحد الأيام نفد الشاش الذي كنا نستخدمه لتضميد الجروح، وفي اليوم التالي نفد المورفين الذي كنا نستخدمه للأشخاص الذين يعانون من آلام خطيرة.. لقد عملت لدى العديد من المنظمات الإنسانية، وشاهدت المرضى في العديد من مناطق الصراعات لسنوات، لكن لم يسبق لي أن رأيت إصابات مؤلمة بهذا الحجم وهذه الخطورة، لقد كانت تجربة غزّة حقًا أعظم ح��ث مررت به على الإطلاق.
وفي لقاء مصور له، ظهر “سميث” مؤخرا ليعلق على هجوم الجيش الإسرائيلي الدامي على مخيم النصيرات لاستعادة 4 أسرى إسرائيليين مخلفا مئات القتلى والجرحى، فقال إنه شاهد العديد من الإصابات الجماعية أثناء فترة عمله السابقة في قطاع غزة، لكنها تعتبر ضئيلة بالمقارنة بما أوردته التقارير عما حدث في مخيم النصيرات (حيث تقول وزارة الصحة في غزة إن 274 شخصا، بينهم 64 طفلا و57 امرأة، قُتلوا في الهجوم الإسرائيلي على المخيم المكتظ بالسكان، بالإضافة إلى إصابة وجرح مئات المدنيين).
ونوه “سميث” إلى أن أعداد القتلى والجرحى التي تم الإعلان عنها، تعني أن القطاع الطبي في غزة قد انهار بالكامل، وأن الوضع أسوأ بكثير مما شاهده في الفترة التي عمل بها بتلك المستشفيات، ثم تساءل متعجبا: كيف سُمح لتلك الهمجية بالاستمرار طوال هذه المدة؟!
وهنا يبدو سؤال سميث هو السؤال المنطقي الذي ينخر في عقل كل إنسان يتابع الأحداث المأساوية في قطاع غزة، منذ بداية الحرب الإسرائيلية الوحشية عليها في أكتوبر الماضي، منذ ما يقرب من 9 أشهر.
3 notes · View notes