إصابة في المنشأ
(1)
بالتأكيد ستستغربُ وربما تشفق من منظر الشاب الثلاثيني الذي يعرج في مشيته متكئًا على عصا كأنه شيخ كبير أوغل في الزمن. كان هذا حال الناس في البقالة عندما دخلتُ عليهم بعكازي في منتصف الليل لأطلب الخرافيش؛ والخرافيش هو مصطلح اعتمدتُه شلتُنا في المدينة ويشير إلى المنتجات فقيرة القيمة الغذائية والتي تصدر أصوات خرفشة مزعجة؛ كالبطابس الشيبس والبسكوت وماشابه.
بعدما دخلت المحل أرحت عكازي مؤقتًا ووقفت أمام رفوف الخرافيش وظللت أجمع الأكياس والعبوات كطفل أبله يحتفل بالعيد. وهذا المشهد؛ مشهد شرائي للخرافيش بهيستيريا؛ يُعبّرعن حالة اكتئابية معينة تصيبني غالبًا في منتصف الليل، حالة من الجضضان والزهق والرغبة في القرقشة المستمرة وتوقٍ عنيف للسكريات.
مرة أخرى اتكأت على عكازي وأنا أنظر إلى هرم الأكياس الذي كومتُه أمام البائع الذي ظل ينقر على أزرار آلته الحاسبة محاولًا حساب قيمة كومة السُعرات عديمة القيمة. وبينما أحاول تعبئة الأكياس أتاني صوت ساخر مألوف من خلفي "عنّك يا حاج طيب. ارتاح انت!" التفتُّ لأجد نونو يقف بوجه منتفخ يحاول كتم ضحكة أكادُ أسمعها تثقب طبلة أذني.
حمل نونو الأكياس وهو يلقي على مسامعي متتابعة من الدعابات الرديئة الساخرة من عكازي. ولم يكن عكازي مثير للسخرية في ذاته فهو عكاز خشبي تقليدي. ولكن المثير للسخرية كان منظر العكاز رفقة الشورت والتيشيرت وشعري الطويل العشوائي.
أثناء التمشية إلى بيتي لم يتوقف نونو عن السخرية مني ومن عكازي ومن وقوعي في ملعب كرة القدم يوم الجمعة الماضية وأنا صامت تمامًا لم أفُهْ بكلمة؛ حتى إذا وصلنا إلى مدخل العمارة أخذتُ من يده كيس الخرافيش ثم رفعتُ عكازي ونقرته على رأسه وأنا أقول "بعد كده ما تفتيش في الطب تاني يا عرص. قال إصابة في المنشأ قال! سوحتني يا بهيمة"
هذه المرة لم يمنع نونو نفسه وضحك بهيستيريا وهو يدب يده في كيس الخرافيش ويسطو على كيس بطاطس شيبس ويفتحه ويبدأ في الأكل بصوت مزعج قبل أن يودعني ويرحل.
(2)
عرفتُ منذ فترة أن هناك متلازمة من تلك المتلازمات الكثيرة التي حاصروا بها الإنسان وحصروه؛ تُدعى متلازمة الأحمق Idiot Syndrome.
من أعراض هذه المتلازمة أنك تعتمد في تشخيصك الطبي على بحثك في الإنترنت بديلًا عن زيارة الطبيب. الله؟! طب ليه الغلط؟
بالطبع تجاهلت هذه المعلومة وودتُ لو أقابل واضع هذه المتلازمة وتعريفه مقامه. خلاص يعني؟!، من بين كل حماقات الإنسان لم تجد إلا هذه لتحكم بها على المرأ بالحمق! على العموم ماشي يا عم ولا كأني عرفتك؛ متلازمتك واخلع من هنا.
أُشخصُ لنفسي الإصابات الرياضية منذ زمن بعيد وخصوصًا إصابات كرة القدم؛ ذلك لأنها رياضتي المفضلة وكنت أمارسها على الأقل ثلاث مرات أسبوعيًا فبات بيني وبينها إصاباتها معرفة وثيقة. لا أذكر أنني تعرضت للإصابة بهذه الكثرة في رياضة أخرى. عانيتُ أشكالًا شتى من الإصابات بسبب كرة القدم؛ وصل الأمر إلى انكسار يدي. في الوقت الذي خرجتُ فيه سليمًا معافى من رياضة عنيفة كالملاكمة.
تلعب الخبرة دورًا كبيرًا في تشخيصي للإصابة، أصبحت أُميّز الشد العضلي من المزق من تقلص طول الغضلة. وما إن تظهر الإصابة حتى أقوم باللازم فورًا. غالبًا ما استخدم الإطالات والاسترتشات والتمرينات العلاجية؛ ولم أخفق مرة واحدة في تشخيص الإصابة إلى أن حدث ما حدث.
منذُ شهر ونصف تقريبًا استيقظتُ على ألم في فخذي الأيمن ولكنني ولأول مرة لم أستطع تحديد مكان الوجع بدقة، فهو يبدأ من عظم الحوض وينتشر بشكل مثلثي بطول نصف فخذي من الداخل ومن الخارج. في البداية خمنتُ أنها إصابة في العضلات الضامة ولكنني استبعدتُ ذلك بعد إدراكي لانتشار الألم بطول الفخذ من الخارج. لم يكن الألم كبيرًا فاحتملتُ على نفسي ومارست أنشطتي اليومية بشكل عادي ولكن الألم تنامى مع التمشية والحركة ومر يومان ثم جاء يوم الخميس.
ويوم الخميس هو نهاية الأسبوع العربي؛ أما أنا فلا أول لأسبوعي ولا آخر، وبرغم ذلك فله أهمية كبيرة؛ فهو اليوم الذي أستعد فيه لحجز كرة القدم الخماسي الذي ألعبه يوم الجمعة فأتأكد مساء الخميس من جاهزية ملابس اللعب ومن جاهزيتي البدنية. وأعني بجاهزيتي البدنية أن اطمئن أنني لستُ مصابًا وذلك لأنني ارتكبتُ خطأ اللعب على الإصابات مرات عديدة وكانت العواقب دائمًا وخيمة.
وفي يوم الخميس الذي أتحدث عنه جلستُ مع نفسي جلسة صادقة؛ ها يا نجم؟ هتلعب بكرة ولا هترتاح؟ نرتاح مفيش مشكلة. ولا تاخد باسط عضلات وشوية ستريتشات وتمشي الدنيا؟ ناخد باسط ونمشي الدنيا. وهكذا قمت بعملية علاجية أحمقية سندرومية ثم نمت ثم ذهبتُ إلى ملعب كرة القدم متجاهلًا الألم كأن لم يكن.
وقبل انطلاق المباراة اهتممت جدًا بالإحمائات واثقًا في تقديري للموقف مطمئنًا إلى نزاهتي في جلستي السابقة مع ضميري. وانطلقتْ المباراة وبعد ثلاث دقائق وتمريرتين فقط للكرة سقطتُ على الأرض يكاد يغشى عليّ من الألم. أخرجني أصدقائي من الملعب وهم يتسائلون.
التفوا حولي على أرضية الملعب وبينهم ما لا يقل عن أربعة أطباء في تخصصات مختلفة. هؤلاء الأطباء الأربعة سكتوا تمامًا ولم يحاولوا حتى تشخيص الإصابة بينما قال نونو في ثقة، دي إصابة في المنشأ. معك حق يا نونو أنا عندي إصابة في المنشأ؛ لولا ضيق الوقت لحكيت لك عن نشأتي بالتفصيل. نشأتك إيه يا متخلف؟! أنا بتكلم عن منشأ العضلة الأمامية. إيه منشأ العضلة الأمامية ده يا نونو؟ أنا أول مرة اسمع عن الإصابة دي؟ انطلق نونو في شرح الإصابة بحماس شديد وبدا واثقًا خبيرًا فأقنعني، هكذا ببساطة!
وليس أسوأ من مصاب بمتلازمة الأحمق إلا من يستقي معلومته الطبية من شخص مصاب بمتلازمة الأحمق. ماذا سنفعل يا نونو؟ أفتني في إصابتي! ولا أي حاجة يا صاحبي باسط عضلات ومضاد التهابات وراحة تامة. اسبوع بالظبط وهترجع تقرفنا بوِش رجلك الخارجي.
العلاج الذي وصفه لي الأحمق السندرومي نونو هو نفس العلاج الذي أصفه لنفسي عند أي إصابة عضلية وبرغم ذلك اعتمدتُ ما قاله كأنني أستمع إلى طبيب خبير مجرب.
بعد ثلاثة أسابيع من بلبعة مضاد الالتهابات والراحة وما زال الألم يأكل قدمي أكلًا حتى بلغ الألم مبلغًا لا يحتمل وفقدتُ قدرتي على الحركة تقريبًا؛ إلّا أن استند على أحد الأصدقاء؛ ولما كان هذا ثقيلًا عليّ فقد اتصلتُ بأخي وطلبتُ منه أن يحضر لي العكاز الخشبي من فوق دولاب منزل أبي؛ العكاز الذي لا يعرف ولم يسأل أحد من أين أتى.
(3)
استسلمتُ أخيرًا إلى ضرورة استشارة طبيب؛ وفي اليوم المحدد مرَّ عليّ إسلام بسيارة أبيه الـ فيات 128 ليصطحبني إلى طبيب العظام الذي استقبلني هاشًا باشًا في نادرة من نوادرالأطباء الكشريين. قال، سلامتك بتشتكي من إيه؟ مصر يا دكتور! هههه بهزر معاك. وشرحتُ له ما حدث بالتفصيل ففحصني سريعًا ثم طلب صورة بالآشعة السينية.
لما رأى الطبيب صورة الآشعة بدا عليه الاستغراب الشديد ثم أشار إلى جسم غريب بدا وكأنه قطعة عظم مدورة في حجم حبة البسلة، تظهر بين أنسجة العضلة الموازية لعظمة الفخذ. نظر إليّ باستغراب حقيقي وسألني في دهشة، إيه ده؟ نظرتُ إلى ما يشيرُ إليه ثم قلتُ؛هذه حبة بسلة! لم يستوعب الطبيب سخريتي منه وبدا مستغرقًا في التفكير ثم قال لا بد من آشعة بالرنين؛ حبة البسلة هذه بداخل الأنسجة. شعرتُ بحيرة شديدة، هل فهم دعابتي ثم قرر البناء عليها؟ أخشى أن يكون صدقني واقتنع أنها حبة بسلة! على أي حال انطلقت بنا السيارة الـ 128 مرة أخرى إلى مركز الآشعة لنحصل على صورة آشعة الرنين.
لم أكن أعرف ما هي آشعة الرنين. طلب مني الفتى أن أخلع كل ما هو معدني ثم طلب مني الاستلقاء على جهاز ما وغطّى وسطي بشيء ثقيل يشبه الفيستات مضادة للرصاص التي كنتُ أرتديها أثناء تأديتي الخدمة العسكرية. قال الفتى؛ مش هينفع تتحرك نهائي. قلت في هدوء؛ متقلقش.
تحرك الجزء المعدني الذي أستلقي عليه وبدأ يدخل بي في تجويف ضيق وفجأة بدأ جسدي في الارتعاش. سوف أعتذرُ لذكورتي الهشة لاحقًا ولكن من الواضح أنها نوبة فزع؛ ما هذا المكان الضيق؟ تذكرتُ قصيدة كتُبتها منذ سنوات أذكر فيها خوفي من الأماكن الضيقة وشعرت باختناق وانقبض قلبي. ظل جسدي يرتعش وشعرتُ ببعض الخجل. لقد قلتُ للفتى متقلقش، يا ترى شكلي إيه قدامه دلوقتي وانا بتنفض زي الكتكوت المبلول؟ استجمعت شجاعتي ونفسي وقلتُ؛ جرى إيه يا رجولة! ما تمسك العقل.
بالكاد سيطرتُ على رجفة جسدي؛ ثم بدأ الطنين. بدأت الآلة التي من شأنها أن تنظر في عضلاتي وعظامي وتكشف تفاصيلي بالطنين. في البداية شعرتُ أن نوبة الفزع ستعاود افتراسي ولكني ركزتُ تفكيري على الهدوء وحاولت تنظيم أنفاسي ثم بدأ عقلي العزيز في العمل. انطلق عقلي في إنتاج الأفكار بصوتٍ عالٍ كأنه ينافس الآلة الطنانة إلى أن نجح في التفوق عليها بالفعل ولم أعد أسمع طنين الآلة واستغرقتُ في الأفكار الهادرة. لأول مرة أشعر بفائدة ما للتفكير الزائد.
الشعور العجيب والذي أختبره للمرة الثانية، أنني نسيت كيف تكون قدمي بدون عرج! أشاهد مباريات كرة القدم وأقول كيف يجري اللاعبون بهذه القوة؟ كيف يقفزون هكذا؟ كيف كنت أجري أنا وأقفز؟ أتسائل بدهشة حقيقية وكأنني ولدت بقدم عرجاء.
مرة أخرى عدتُ للطبيب الذي بحث عن حبة البسلة ولم يجد لها أثرًا في صورة آشعة الرنين فبدا عليه الدهشة ثم أشار فجأة إلى رأس عظمة الفخذ اليمنى وقال إيه ده؟ قلتُ في حذر؛ عضمة؟ تجاهل إجابتي وظل يفحص الآشعة ثم سأل، انت بتلعب رياضة؟ قلت أه، بلعب كورة وكلستانكس. قال إسلام وبيدخن كمان يا دكتور بقاله فترة! نظرت إلى إسلام في دهشة وقلت؛ لم أكن أعرف أن التدخين رياضة!
قال الطبيب؛ إنت وقعت على جنبك اليمين قبل كده؟ قلت؛ ممكن أه. أنا بقع كتير في الكورة. قال إنت عندك هشاشة في العظام وعندك مشكلة في عضمة الفخد ومحتاج جراحة ضروري. طب مفيش حل تاني غير موضوع الجراحة ده؟ قال الطبيب، لأ لو معملتش الجراحة دلوقتي هنضطر نغير م��صل كامل قريب. هشاشة إيه وبشاشة إيه؟ نونز قال انها إصابة في المنشأ. ارتبك الطبيب لحظة ثم قال؛ نونو ده دكتور يعني؟ لأ بس لعيب كورة حريف أوي.
أذكر الفتى اللاهي الذي كان يلعب كرة القدم وألعاب المضارب والجري وقفز الحواجز؛ لقد كانت عظامه قوية بالتأكيد؛ الآن سيحتاج إلى تغيير مفصل قريبًا. يلّا سبحان من له الدوام.
سألت الطبيب؛ وهرجع العب كورة واتمرن إمتى؟ ابتسم في وجهي ولم يرد.
في الطريق إلى المنزل قال إسلام؛ متزعلش يسطا. قلت يا زميلي عربية ابوك دي لازم تترمي في الزبالة بقى؛ وعربية ابويا بالمرة.
(4)
في الليل أجلسُ وحيدًا مع عكازي؛ استمع إلى زكريا أحمد وهو يغني الأمل الأمللللل. قول يا شيخ زكريا قول.
أخبرتكم من قبل أنني كنت طفلًا مفرط النشاط والحركة. زارني هذا الطفل في المساء وأنا أستندُ على عكازي الخشبي، طاف في البيت. لم تعجبه موسيقا زكريا أحمد ولم يستسغ الجلوس على الأريكة. شعر بالملل بعد دقائق معدودة وقرر الرحيل. قال؛ أنا رايح العب كورة.
تركني مستندًا على عصاي؛ جامدًا كالنبي سليمان الذي مات متكئًا على عصاه. لم يخرجني من ثباتي إلا انتهاء زكريا أحمد من غناء الأمل.
اتكأت على عكازي وخرجت من منزلي؛ ومشيت إلى البقالة لأشتري بعض الخرافيش وأنا أدندن:
وأنا لو أروح عمري أنوح
دا محتمل
ولا أعيش من غير أمل..لكن أنا عندي أمل.
7 notes
·
View notes
أرحنا بها يا بلالْ . . . كيفَ تكونُ صلاتنا راحةً لقلوبنا وغذاءَ لأرواحنا ؟
د. علي محمد الصلابي
لما نادى الله سبحانه وتعالى موسى (عليه السلام) بوادي طوى جانبِ جبل الطور، كان مما ذكره له، إخباره بأنه اصطفاه وشرّفه بالوحي والرسالة، وتعريفه بالقضية الأهم والمسألة الأعظم، ألا وهي وحدانية الله سبحانه وتعالى، وأمره بعبادته وإقامة الصلاة، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 11-14]، فيا لها من قضايا كريمة وأمور عظيمة إذ ذكرت في حضرة أعظم موقف حيث يكلّم الله عبداً اصطفاه للرسالة وشرفه بالنبوة، فما أحوجنا لتدبر هذه المكالمة العظيمة بما فيها من حكم وعظات وعبر.
1- قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ أيّ: أنا المعبود الحق الذي لا يستحق العبادة أحد غيري، ودلّ قوله سبحانه هذا على أن معرفة الله تعالى هي أوجب الواجبات وأول المهمات وأعظمها، فهي أول ما يجب على الإنسان أن يعلمه، قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ ]محمد:١٩[.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا أول واجل على المكلفين، أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عرّف الله سبحانه موسى بأنه وحده سبحانه المستحق للعبادة والطاعة فلا يستحق العبادة والطاعة أحد غيره جلّ وعلا، لأنه وحده المتصف بصفات الجلال والكمال وسبق تقرير هذه الحقيقة في أول السورة عند قوله تعالى الذي مرّ معنا: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ ]طه:٨[. (مختصر تفسير ابن كثير، ٢/٤٧١]
ولعله قد اتضح لنا الآن سرّ بدء الآيات بعرض قصة موسى من هذه الواقعة من موضع النداء والمناجاة في وادي طوى بجانب جبل الطور، هذه المعرفة التي تنير للإنسان درب حياته وبها تظهر معالم المنهج الذي يجب عليه التزامه ويبقى الإنسان من دون المعرفة يتخبط في ظلمات الحيرة والقلق والجهل، فهي التي تخرج الإنسان من الظلمات إلى النور فيعرف الإنسان بها أنّ عليه أن يتوجه بطاعته وعبادته إلى الله الذي خلقه ورباه. [التفسير الموضوعي، ٥/٢٣٤]
- قال السعدي في قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ أي: المستحق للألوهية المتصف بها، لأنه الكامل في أسمائه وصفاته، المنفرد بأفعاله، الذي لا شريك له ولا مثيل ولا كفؤ له سبحانه وتعالى. [تفسير السعدي، ٣/١٠٢٠]
- وقال محمد متولي الشعراوي في قوله: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ﴾؛ أيّ صاحب التكاليف، والمعبود المطاع في الأمر والنهي، وأوّل هذه التكاليف وقمّتها والينبوع الذي يصدر عنه كل السلوك الإيماني ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ ]طه:١٤[، وما دام لا إله إلا هو فلا يصح أن تتلقى الأمر والنهي إلا منه ولا نعتمد إلا عليه ولا يشغل قلوبنا غيره. [تفسير الشعراوي، ٥/٩٢٢٧]
2- ﴿فَاعْبُدْنِي﴾ أيّ: توجه إليّ وحدي بالعبادة والطاعة فمن أجل أن تسعد بعبادتي وطاعتي خلقتك، وأنعمت عليك بنعمي وسخرت لك ما في أرضي وسمائي، فالله سبحانه غنيّ عنك وعن عبادتك وطاعتك، ولا سعادة لك أيها الإنسان إلا بطاعة ربك وعبادته والعيش في ظلال منهجه وشريعته فمعنى العبادة: الطاعة والخضوع والانقياد في جميع شؤون الحياة، إن العبادة تشمل كل حركة تؤدى خدمة في الكون نيتك فيها لله عزّ وجل. [تفسير الشعراوي، ١٥/٩٢٤٠]
- وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾؛ هو بيان أهمية الألوهية التي هي قوام العقيدة والله في ندائه لموسى -عليه السلام- يؤكدها بكل المؤكدات بالإثبات المؤكد ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ﴾ وبالقصر المستفاد من النفي والاستثناء: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾ الأولى لإثبات الألوهية لله، والثانية لنفيها عن سواه، وعلى الألوهية تترتب العبادة والعبادة تشمل التوجه لله في كل نشاط الحياة. [في ظلال القرآن، ٤/٢٣٣١]
3- ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾: وخص الصلاة بالذِكر، وإن كانت داخلة في العبادة لفضلها وشرفها وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح.[تفسير السعدي، ٣/١٠٢٠]
7 notes
·
View notes
أهلين مساك الله بالخير.. كيف اتوازن بالعطاء ابي اسمع رأيك انت بالخصوص وشكرًا
أهلًا، وصباح النور. وشكرًا لثقتك برضو.
لو قلنا بنقسّم معطيات العطاء، فبنقول إنها تعتمد على طبيعتك أولًا، وتعتمد على شكل علاقتك بطرف العلاقة ثانيًا، وترتكز برضو على طبيعة الآخر نفسه آخِرًا.
أشوف إن تعريف العطاء على اعتباره مكوّن مهم لاستمرارية العلاقات يخضع لطبيعتك وكيف شكّلته تجاربك. ومن ناحيتي أقدر أعرّفه على إنه بذل سياقي متغيّر لإنشاء لغة إضافية تقود إلى ذات/ضمير الحب المُفسّر من قبل أطراف العلاقة.
بتلاحظ إني ما ركّزت على الموازنة وقررت استبدلها بالسياق؛ لأن أشوف السياق هو المحدّد الرئيسي لتشكيل عطائك بحسب الوضع اللي لقيت نفسك فيه، وكل ما عليك إنك تبذل؛ وهذا كفيل باستخراجه بسهولة. وهذا يخلّينا نقول إن [موازنة العطاء] ما راح نلتقطها في طبيعتك.
أما لمّا قلت إنه متغيّر ومنشئ للغة إضافية؛ فأقصد إنه يترتب بشكل تلقائي بحسب حساسيتك/قدرتك على تماهيك مع العلاقة. التركيز على السياق والقدرة على مُشَاعرة الطرف الآخر مهمين وبشكل مصيري. وهنا بالضبط مكمن التوازن؛ ما هو لأن عندك مشكلة في التعبير عن نفسك [تراي أفترضت إنك شخص ما يواجه مشكلة في صقل عطائه] وفقط عندك إشكال في تشاعرك مع الآخر، أو ممكن منه برضو. وأيضًا أشوف أنا إن لكل علاقة لغتها الخاصة، وهي لوحدها تشكّل كثير من الأشياء، بما فيها العطاء، والأهم من هذا؛ قدرتها على تشكيل حدود وبراحات العلاقة. اللي ما ينفع تتجاوزها، ولا يجوز للآخر يتجاوزها في كنتوا حاطين أنفسكم في خانة محددة، ويترتب على هذي الخانة شكل ونوع ووزن من العطاء.
أقدر أقول إن المحبّة مفردة مناسبة لوصف حبّ مشترك ومش مخصص زي مفردة [الحب]. وعلى هذا كلّه؛ نحتاج نستوعب الآخر وماهيّة علاقته وتعريفه للعطاء نفسه. وهذا إمّا يقيّدك أو يسرّحك، وممكن يعلّمك، وجايز يؤذيك/يضغطك.
ملاحظة:
أشوف إننا ملزومين وبشكل أخلاقي نستوعب الأوقات المناسبة للعطاء بمختلف أشكاله، ونستوعب إنه مش ورقة امتياز نستخدمها في أوقات الخصام في حال ما كان فيه تسوية.
وسلامتك يا مجهول. وعساك على ما تبغي.
5 notes
·
View notes
جامعة الملك عبدالعزيز تُطلق أول منصة للميتافيرس لتثقيف ضيوف الرحمن
استعرضت جامعة الملك عبدالعزيز و المجموعة البحثية للواقع الافتراضي والميتافيرس بالتعاون مع المكتب الاستشاري للذكاء الاصطناعي خلال المشاركة في معرض “أكسبو الحج” بجدة أول منصة للميتافيرس لتثقيف الحجاج بمناسك الحج.
وتستخدم التقنية في تعريف الحاج من خلال رحلة منذ وصولهم إلى سكنه في مكة المكرمة وتعريفه بكامل مناسك الحج في أقل من 3 دقائق وتعرض بدقة عالية جدا، كما تعرف الحجاج بأهم المعالم التي تصادفهم…
View On WordPress
0 notes