في حب الله .. النور .. الشغف .. الموسيقى ..الكلمات وكل ما هو جمــيل Rage, rage against the dying of the light.
Don't wanna be here? Send us removal request.
Text
نقل فؤادك
لم يكن هذا هو البيت. لم يكن هو الشارع، لم تكن هي المدينة، و ربما لم تكن هي البلد. نزل السلالم خجلًا، وعندما، وصل إلى الشارع، نفس الشارع الخطأ، تلفت في جميع الاتجاهات، كأن ذلك سيكون كفيلًا بإرشاده إلى مكمن الخطأ في خريطته الذهنية أو ربما كانت حيلة لاستعادة تماسك ضائع أمام مراقب غير مرئي.
لم تكن هي الساعة، أو اليوم، أو الشهر أو السنة، وربما لم يكن هو العمر. سار بخطى واثقة، دون غاية محددة، كأنه يسير إلى غاية محددة. إنه شعور غريب، أن يختلط الخجل والخطأ والإقدام، كأن تتقدم للسلام على صديق قديم جدًا، ثم تكتشف أنه ليس إلا امرؤ يشبهه. أين ستذهب تلك المودة الغامرة، التي لم تكن تظن، قبل تلك المصادفة، أنك تحملها لذلك الصديق؟
لا ينبع الارتباك، من مجرد الخجل والخطأ، اللذان يكشفان فردًا لم يكن مستعدًا للتكشف أمام غريب عشوائي، بل أيضًا، من الانكشاف المفاجئ أمام الذات نفسها، العجز عن تذكر الخريطة القديمة، يعني أنه لم يعد الفرد نفسه، العجز عن تذكر وجه صديق قديم، يعني أنه فقد صورة هذا الصديق، ومعها صورته القديمة. الغريب لم يعد غريبًا في اللحظة التي انكشفت فيها غربة الآخر أمامه، إنه يعلم أمرًا حميميًا عن الذات، أمرًا لم تكن الذات نفسها تعلمه قبل تلك اللحظة. يعلم الغريب أنه أمام شخص فقد صديقًا، ولم يكتشف فقده إلا الآن، يعلم الغريب أن هذا الشخص المهيئ نفسه لاستعادة المودة وتوهم استمرارية عالم منقرض، أصبح الآن مهيئًا للرثاء والعزاء. وتلك أمور لا يمكن للغريب تقديمها، إلا بكشف انكشاف الغريب الآخر، وإذن الكشف عن نفسه هو. عليه أن يكون قاسيًا ليكون رحيمًا، بهذا الترتيب، فإن قدم الرحمة، أصبحت القسوة محصلة فعله.
الخطأ في تذكر وجه صديق، انفجار في مركبة التنقل عبر الزمن، تذكير بالعجز الأبدي عن عكس حركة الساعة. لكن ماذا لو قابل الصديق نفسه، بعد ذلك؟..ستكون حينها المودة مصطنعة، فمن داخله يعلم أنه نسى الصديق، وليس بوسعه استعادته إلا بالانكشاف أمامه هو الآخر، بفضح خطأه السابق، إنه يحمل ذكرى تجمعه بالصديق، وإن كان الصديق غائبًا كليًا عنها، لكنها مازالت ذكرى مشتركة بينهما، ولا يمكن للصداقة أن تستمر، سوى بانكش��ف هذا الخطأ. وعلى الصديق، أن يؤول الخطأ لا أنه نسيان لما يجب ألا ينسى، بل بكونه شوق فاض حتى عجز حامله عن السيطرة عليه، فرأى ما ليس هناك، لهفة لما ليس هناك.
الخطأ في تذكر البيت، يعني ضياع الخارطة، وليس انمحاء البيت، فلولا وجود البيت، ما وقع الخطأ. هكذا لا يكون التيه ممكنًا، لولا أبدية الغاية. الخطأ في تذكر البيت، يعني أن الطريق لم ينته، وليس أنه لم يوجد، يعني استمرار الرحلة، لا عبثيتها.
الخطأ في تذكر وجه الصديق، يعني أنه لم ينسى، لذلك يرتبك الغريب، فهو غير قادر على كشف انكشاف الآخر، دون أن يكشف عن حنينه الذاتي لصديق لا ينسى، حتى لو ضاع وجهه. إنه غير قادر على عقد الصداقة، لأن غريبًا آخر، يقف بينه وبين هذا الغريب المنكشف، كأن الصديق الغائب، يغار على صديقه، ويمنعه من مصادقة وجوه جديدة. على الغريب، ألا ينسى أن الغريب لم يكن يبحث عنه، وليس بوسعه إقامة صداقة على مقارنة دائمة بينه وبين آخر لم يعرفه. لكن ألا تبنى الصداقات على هذا الانكشاف الساهي المفاجئ لرفيق عشوائي، ألا تبنى الرفقة على حب ما ليس منه بد، ألا يبنى الحب على غرس الأصالة فيما هو عارض؟
لا تكون الرحلة ممكنة، إلا بعد المغادرة، لا يمكن العثور على المنزل الأول، إن لم تفقده، بل لا يمكن معرفته أصلًا، إلا بعد نسيانه. إذ معرفته الأولى، معرفة ناقصة دومًا، فما دمت في المكان، لا يمكنك معرفه مكانه في قلبك(إنه ضائع حيث هو موجود)، المعرفة الثانية، رغم غيابه، أعمق، إذ تعرف ماهو جوهري فيه، معرفة كاملة تقريبًا(إنه موجود حيث هو ضائع). إن الشوق الذي يسكن باللقاء، يمكن العثور عليه في اللقاء، أو بجواره، لكن لا يمكن العثور عليه دون غياب يخلقه ابتداءً.
المنزل الأول، مقر الأهل، والغربة، مسكن الأصدقاء والأحبة. الأولون لا يكونون أصدقاء وأحبة، إلا بذهاب منزلهم الأول(فالصداقة لا تعقد إلا بين الغرباء). الآخرون، لا يكونون أهلًا، إلا بإنشائهم لمنزل أول ما، منزل كمنزل الأهل، لا تحتاج لدخوله، سوى كونك أنت. يختلف ذلك عن الضيافة، فالضيافة إكرام لمن ابتعد عن منزله، وعد بحماية جماعية للغريب، الذي عليه أن يستكمل رحلته، أن يتذكر دومًا أنه في منزل كريم، لكنه ليس منزله(إذ باعتباره منزله، يحول أهل المنزل، إلى غرباء في منزلهم)، الضيافة عقد جماعي لقوم ألفوا الترحل، فاتفقوا على كرم يذكر الغريب، بهدف رحلته: أن يعود إلى منزله ليضيف غرباء آخرين لم يصلوا منزلهم بعد. فالكريم لا يخدع الغريب، لا يوهمه بوصول لم يحدث، بل هو يخون كرمه إن ادعى ذلك. لهذا، فاللؤم مضاد الكرم، وليس البخل، الذي مضاده السخاء. لا يكون الكريم إلا صادقًا(وهكذا يكون صديقًا)، اللئيم كاذب حين يعد الغريب ببيت لن يكون له، حتى لو ظهر أن ذلك توسعًا في الكرم. فالكلمة عقد، إن قيل إن هذا المنزل منزل الغريب، على أهل المنزل أن يكونوا أهلا للغريب. ولا يستطيع الكريم قول ذلك، إلا في اللحظة التي تنتفي فيها انتفاء تامًا غربة الغريب، فلا يكون قول ذلك، إلا إعلانًا لما سبق حدوثه فعلًا. فقسوة الكريم رحمة، ورحمة اللئيم قسوة.
يعرف الأهل، وهم يراقبون خطوات أطفالهم الأولى، أن تلك بداية الرحيل. إن الطفل إذا بدأ السير، لن يتوقف، حتى يغيب المنزل الأول عن نظره، وربما عن ذاكرته. بهذا المعنى، فالأهل، هم أول الغرباء الكرماء، وككل الكرام، يذكرون ضيوفهم أن هذا ليس منزلهم هم. تكتمل مهمة الأهل، بغربة أطفالهم، وباكتمالها يتحولون إلى غرباء داخل منزلهم، فالمنزل كان المنزل الأول للأطفال، وليس منزلهم هم الأول، بل لكل منهم منزله الأول المختلف عن الآخر، وإنما بالأطفال فقط، أصبح هذا المنزل منزلًا أول. هكذا يكون الأطفال أكرم الغرباء، يضيفون الأهل في منزلهم، ثم يكملون الترحال، بحثًا عن منزل جديد، يضيفهم فيه غيرهم. لكنهم أيضًا ألأمهم، إذ يعدون الأهل بما لا يمكنهم منحه ،المنزل الأبدي، لكنه لؤم مردود على أصحابه، فالأهل ينبهون أطفالهم ألا ينسوا أبدًا أن هذا المنزل منزلهم، شرطهم في ذلك، ألا يصدق الأطفال أنه منزلهم فعلًا. فإن صدقوا، وجب على الأهل تعليمهم السير من جديد.
المنزل الأول، كالحب الأول، هو ابن لمصادفة لا يصدقها الأطفال والمحبون. يرفض المحب، اعتبار حبه الأول، ابنًا لقلة الخيارات، لمصادفات التلاقي الجماعية، وليس نتيجة لمماثلة روحية وقدر مكتوب قبل العالم. يتلقى المحب من حبه الأول، كرمًا لا يرد، كرم أن يحب. كرم كان بوسع أي غريب آخر أن يعلمه إياه(لكن الضيف الأصيل يمتن لمضيفه المحدد وليس لمفهوم الضيافة). مثلما كان المنزل الأول، ابنًا لمحدودية خيارات الآباء الاقتصادية وتسرعهم في الاختيار، وكل اختيار لمنزل، اختيار متسرع بالضرورة، إذ كيف يمكن الحكم على جودة منزل مفرغًا من الذكريات؟
لكن أليس كل حب حب أول، إذ لا يتعلم الإنسان أبدًا كيف يحب، إنه بالأحرى يتلقى، كل مرة، كرمًا لم يحلم به. كرم غريب، حتى أنه يظن، كل مرة، أنه الآن قد عاد وعليه أن يفك أمتعته، فالحب غير ممكن إلا بنسيان تام لمحب سابق، أو باعتبار محبته القديمة، تذكرًا أخطأ مرماه، بالضبط، كما يخطئ المرأ في تعرف صديقه، أو يتيه عن بيته القديم. أو كما يجيب المرء إجابة خاطئة وعندما يعرف الحقيقة، يصرخ بيقين صادق "والله كنت عارف".
وإذا كان المحب مكرومًا، يكون المحبوب مكروبًا. المحِب مكروم، إذ هو يمتلك حبه، وهو من يؤاسيه، لكن المحَب، مكروب، في ضيافة لم يطلبها، كأنه مقيد في منزل ليس له، وإن اعتبره أهل البيت منهم، غربة مضاعفة، إن المحِب هو كاتب قصيدته، والمحَب خالقها وضيفها، لكنها ضيافة لئيمة، لا تتورع عن تذكيره مرة تلو الأخرى، أن هذا البيت بيته، لكنه بيت لا يستطيع مغادرته مهما حاول، فالمحب، ليس أهلًا ليعلم محبوبه السير، وقصيدته حداء لقافلة عليها ألا تتحرك من مكانها. يضجر المحبوب من الحب ضجر من لم يتم الاحتفاء بهديته، أو احتفي بها كثيرًا حتى تم نسيان المُهدي، أو أخذها غير مقصودها بسيف الحياء. فلا المحِب يملك روحه، ولا المحَب يملك صورته، كأن كل منهما مضطر للبحث عن منزل لم يغادره أصلًا.
تحدث المعجزة، أن يحب المحَب المحِب، ليكون لدينًا قصيدتان وضيفان، كل منهما ضيف ومضيف، كل في منزله الأول وبعيد عنه، معجزة لا يمكن توقعها إحصائيًا ولا تفسيرها اجتماعيًا، إذ ليس في الحب المتبادل ما ليس في الحب المنفرد، إن كليهما يصير ممتنَا لضيافة هو من يقدمها، ممتنًا لنجاته من القصيدة الذئب إلى القصيدة الكلب، مع أنها نفس القصيدة ونفس الذئب، فالذئب كلب تائه، والكلب ذئب وجد أهله. يشبه الأمر، أن تجد نفسك في بلدة غريبة تمامًا، وتطرق باب بيت عشوائي، فيخرج أهلك لاستقبالك، إنه كرم لا يستحقه أحد، أو لا يستحقه أحد أكثر من أي أحد آخر، كرم لا يسع المرأ سوى الامتنان له بتأكيده على أنه كرم محض، لم يكن بوسعه توقعه أو السعي له، كرم ينتمي للمضيف وحده، لكنه لا يوجد أبدًا إلا في رحاب الضيف.
78 notes
·
View notes
Text
في المساء، وبينما أرتب غرفتي كيلا تبدو كغرفة شخص مكتئب، أستخرج صناديقًا كاملة أظن أن ذاكرتي وذاكرة غرفتي كلتاهما نسيتا وجودها، وأفتش بينها عن بقايا قصص حب وصداقات مبتورة، أحلام غير مكتملة، وصورٍ للذات بعضها مخجل وبعضها أقل مدعاة للخجل. بعد ساعتين من إفراغ الصناديق بحجة التنظيف، تستحث بعض الذكريات مشاهد بعينها، وتستدعي تلك المشاهد عطورًا بعينها –أصدقائي بحق يعرفون ولعي بالعطور. أتعطر بها جميعًا، تفصل واحدتها عن الأخرى بضعة ثواني، ويصبح قميصي كانفا غير متجانسة من العطور والمشاهد. أتأمل الغرفة حولي، فتبدو أقل ترتيبًا مما كانت عليه حين بدأت، أحاول البحث عن مجازٍ هنا، لكني أفشل. أفكر فقط أنني سأحتاج لتغيير القميص بعد التنظيف، لا لأنه اتسخ، بل لأن رائحته فُقِدت بين روائع العطور، وأن هذا سيزعج أنفي. أجلس لعشرة دقائق، وأتمنى لو أن تغيير الذاكرة -أو حتى إعادة ضبطها- كان كتغيير قميصٍ، فقط لكي يستريح عقلي قليلًا.
3 notes
·
View notes
Text
أيام القفز على العتبات وتقطيع الأشجار الخضراء وحرق المراحل. أيام الركض في كل اتجاه لأنه لا بديل إلا هذا. أيام القبول بأنصاف الأشياء، نصف الحب ونصف الصداقة ونصف الحق، ونصف الفرح أيضا. أيام التكيف والتصالح والتفاوض والتعايش، لأن الدنيا لم تعد تتسع لمرمى سهامك. أيام تسديد فواتير الإكتئاب وتعويض الأيام الضائعة. أيام تشذيب الخسارة وتزيين الهزيمة وتجميل الندوب. أيام ترويض الغضب. أيام الإنهاك، أيامي.
105 notes
·
View notes
Text


Screenplay written by Celine Song
Past Lives (2023) dir. Celine Song
4K notes
·
View notes
Text

Until we meet again - Riona Buthello , 2024.
British , b.
Oil on cotton canvas , 12 x 16 in.
536 notes
·
View notes
Text
"Dante's poem, Langdon was now reminded, was not so much about the misery of hell as it was about the power of the human spirit to endure any challenge, no matter how daunting."
- Dan Brown, Inferno







324 notes
·
View notes