Tumgik
الرسالة الثانية.
عزيزي الله..
أكتبُ إليكَ، وأبتهلُ بالكلمات. ذلكَ أنّ الكلماتِ هي صلاتي، صلاةُ روحي المُتعبة. إنّه مساءُ الجمعة. لطالما أرّقني وخزُ ضميري الذي يعيبُ عليّ عدم محبتي ليومِ الجمعة. هو يومٌ شديدُ الصخب، كثيرُ الزحام، ثقيلٌ عليّ. تتجلى لي، أثناءَ انتظارِ مرورهِ، نسبيةُ الوقت. يقولون: كيفَ وهو عيدُ المُسلمين! فأصمتُ وأشعرُ أن انتمائي للمسلمين منقوصٌ بشكلٍ ما!
يُخبرني الطبيبُ أن لديّ مُشكلةً مع القبول. مَبدؤها قبولي المشروط لمشاعري. إذ إنني أقاضيها وأجلدها وأبحثُ لها دومًا عن سببٍ مُقنع. يقولُ إن أداة الاستفهام "لمَ؟" لا يجوزُ أن تسبق أبدًا فعلَ الشعور. ويُكرر عليّ: "مشاعرك مفهومة ومقبولة ومتناسبة في شدتها مع الموقف". وسعيًا إلى التعافي؛ يطلبُ مني أن أستمع إلى " إسراء"! ولا أدري _صدقًا_ إلى أيّ "إسراء" أستمع؟!
كنتُ أظنني مُستمعةً جيدة لي، وفوجئت بكوني إقصائية وربما مستبدة أيضًا إذ أستمعُ إلى بعضي وأُهمِّشُ البعض الآخر. أحبُّ أن أستمعَ إلى النسخة التي أعددتها لتكون الواجهة، تلك التي أُصدِّرها للعالم حتى لا يظنَّ أن بمقدورهِ ابتلاعي. وأخصص جزءًا لا بأس بهِ من وقتي للاستماعِ إلى "فيروز" الوديعة التي علّمها الأدب، وهذّبتها الموسيقى. تلكَ أنايَ المُفضلة. وهُناكَ الثالثةُ التي أجورُ عليها. طفلةُ الحلوى ومدينة الملاهي. تلكَ التي أسكتها بالمُغريات كي تكف عن التذمر، وأتجاهلُ تمامًا شكواها.
نظرةٌ سريعة على انكماشها في وضعية الجنين ونشيجها المكتوم، تُخبرُ كم كنتُ قاسيةً معها، كم اتهمتها بالمبالغةِ وتضخيم الأمور، وكم كنت ساذجة حين صدقت أن محاولاتي لإلهائها تنجحُ بالفعل. كلا! هي الآن قابعةٌ في زاويةِ قلبي. تبكي، وتنظرُ إليّ بعيونٍ مُعاتبة، مُعذِّبة!
ربما جال بفكري أنني سأندمُ على أشياءَ كثيرة فعلتها في حياتي. لكنني لم أتصور يومًا أنّ الندم سيأكلني فقط لأنني لم أبكِ! لم أغضب كما ينبغي، وقت كان جِلدي يحترقُ لشدة حرارة غضبي المكتوم. ولم أقل "يكفي" حين عجزتُ عن تحمِّل المزيد. ببساطةٍ واصلتُ السير كأن صفعاتِ الألم فوق وجنتيّ محضُ وهم. وما كان وهمي إلا مواصلة المسير! ظننتُ أنني حين أمشي وأمشي كثيرًا، سأبتعدُ، وأتجاوز. وذُهلت بأنني كنتُ أخطو في دوائر لامنتهية حول قارورةٍ مُقدّسةٍ من الدُّموع. دُموعي! لكأنما كان إكباري لها تنسكًا في معبدِ الوهم. لعلي لو كسرتُها لعرفتُ أنها ما استبقتني طوال هذا الوقت إلا لأحررها. وإذ بي أنا أصنعُ منها صنمي الخاص، وأطوفُ بها!
عزيزي الله..
لا بُدّ أنكَ تعلمُ يقينًا أنني في فقراتي السابقة ما كنتُ مُنشغلةً بي عنك، وإنما أحببتُ أن أحدِّثكَ بشيءٍ مما يملأُ هذا القلبَ الثقيل. عسى تُعجبكَ صيغةُ صلواتي! وعساكَ تعلمُ أنني في بحثي عنكَ أتعثرُ مرارًا، وكُليّ أملٌ أن يقرَّ بقلبي إيمانٌ بأن تعثري هذا ليس مكروهًا. وأنّكَ تُقدِّرُ سعيي. أنا، يا الله، ما استطعتُ أن أراكَ مثلهم.. إلاهًا مُنعزلًا عنّا في السماوات، يقذفنا بسهامِ قدره فتُصيبُ المُسيئين منّا عقابًا والمُحسنين ابتلاءً! ولم أصدّق أنك لن تحبّ إحدانا لأن حجابها ليس جيدًا بما يكفي، وأنك تترقبُ اللحظة التي تقبضها فيها وهي على معصية! ولم أفهم لمَ يُصرّون على القولِ بأنك تكرهُ الموسيقى إلى هذا الحد! حين سقطتُ في هوة اكتئابٍ عميقة.. وحدهُ النغمُ تراقص حولي وأشعَّ وضّاءً يُنيرُ عتمتي. يقولون: إن الله جميلٌ يحِبُّ الجمال. وأيُّ جمالٍ أعظمُ من هذا! ليس شأني كون أرواحهم معطوبة. لا يكرهُ التغريد إلا من بأُذنيهِ عِلّة.
عزيزي الله..
إنّه مساءُ الجمعة، وبي شيءٌ من الارتياح بعدما كتبتُ رسالتي هذه إليك. مُناي أن تصل. ورجائي أن تُظّلني محبتُك، وأن يشمل غُفرانكَ زلّاتي، وأن يحُفّني نورُكَ في دربِ بحثي الطويل.
#فوضى_الفيروز. 💙
#رسائلي_إلى_السماوات. 🌸
#الرسالة_الثانية. ♥
0 notes
الرسالة الأولى.
عزيزي الله.. !
يقولون إن الطريقة المُثلى لمُخاطبتك هي الصلاةُ والدُّعاء. عذرًا على تطاولي بالكتابةِ إليك. لكن، هذهِ هي الطريقةُ الوحيدة التي أكونُ بها في غاية الصدق. كُلِّي صورٌ وهذهِ وحدها الحقيقة.
عزيزي الله..
كتبتُ هذا الخطاب سابقًا ومحوتهُ بضغطةٍ خاطئة على شاشة هاتفي. لم يبقَ منهُ إلا الفقرة السابقة. تلك التي شجّعتني على مُعاودة كتابته من جديد. على أنني لستُ مُتأكدة من كون فكرة إعادة الكتابةِ تلك فكرةً صائبة. لو كان كل شيءٍ يحدثُ بسببِ ولسبب حسب "سعود السنعوسي" فقد يكون اختفاء خطابٍ كهذا نذيرَ شؤم. لكنني، على أيّة حال، سأعاودُ الكتابة، وإنْ بشكلٍ مُختلفٍ قليلًا.
عزيزي الله..
أذكرُ بوضوحٍ أنني كنتُ أرجوكَ في ختامِ خطابي السابق أن يسكُنَ ألمي ولو قليلًا. وما حدث هو أنني بكيتُ كثيرًا فورَ تبخرِ كلماتي من أمامي. ذلكَ أنني أعتبرُ الكلماتِ بضعًا منّي، إضافةً إلى كونِها _كما تعلمُ_ السبيل الوحيد لقول: "أنا حيّة". والمُهم أنني وجدُتني للمرة الألفِ تقريبًا عاجزةً عن استيعابِ رسالةِ السماء. أكنتُ قد جاوزتُ حدود الأدبِ فأردت رحمةً منك أن تقيني شر فعلتي؟ أم أنك لا تُحبُّ أن يكتُب إليكَ الناسُ بدلًا عن أن يُصلوا ويدعوك؟ أم أن في هذا اختبار صبرٍ صغير، يأتي مطويًا ومُضمرًا بين اختباراتٍ كثيرة لا أزعم أنني نجحتُ في أيّ منها!
عزيزي الله..
قالت لي إحداهُن يومًا: "انتِ ربنا بيحبك عشان بيسخرلك ناس تدعيلك من غير ما تعرفي" وأخرى: "انتِ جميلة وكل حاجة هتحصل في حياتك هتكون جميلة شبهك"، وثالثةٌ تمنّت لو كان لكلِّ الناسِ قلبٌ كقلبي! والحقُّ أنني لطالما شعرتُ أنني وقلبي لسنا جيدَين بما يكفي ليُحبّنا الله. أقولُ هي دعواتُ أمي فقط. وعميقًا في داخلي أتمنى لو أعلمُ إن كُنتَ تُحبني حقًا أم أنني لا أستحقُّ هذا الحُب. قد تكون هذه مشكلاتٍ نفسية مع الاستحقاقِ الذاتي وما إلى ذلك. وإن كانت حقًا، فإنني أتمنى أن أعرف مدى إمكانية أن يشعر المرء أنهُ مُستحقٌ لحُبِّ الله!
عزيزي الله..
ذاتَ مرةٍ شعرتُ أنك تسمعني حد أنني رغبتُ في احتضانِ العالم لشدّ ما شعرتُ بالدفءِ في قلبي. يومها كنتُ أجرُّ إحدى خيباتي وأمشي في طريقٍ حزين. فاجئني أذانُ العشاءِ فوليتُ وجهي جهة السماء وتأملتها لبضعِ ثوان.. واسعةٌ، وبعيدةٌ، وقريبة! أحبُّ التطلعَ إلى السماءِ حين أدعو.. يروقني الاعتقادُ بأنني أنادي أمنياتي الشاردة. على كونهم قد قالوا بتحريمِ هذا حسبما أذكر. والمهم أنني وقتئذٍ تطلعتُ إلى الفضاءِ الليلكي، الذي كان _لحُسنِ حظي_ مُشرَع الأبواب، فوصلَ صوتي. وأتتني إشارةُ في غايةِ القُرب تقولُ أنني على صوابٍ. وأنني لستُ سيئةً كما قيل ليها حينها.
عزيزي الله..
في الفقرتين السابقتين تناقضُ هائل بين مدحي وذمّي. وهو ما أحببتُ أن أخبركَ به لأُنوِّه على أن الناس الذين رأوني رأي العين بإمكانهم أن يُحوِّلوني من ملكٍ حطَّ على الأرضِ في صُدفةٍ كونية إلى شيطانٍ رجيم هبطَ إلى حياتِهم ليُحيلها جحيمًا مُقيمًا. فكيف إذا لهؤلاء البشرِ أن يتحدثوا عن الله. عن الحقيقةِ التي يُصدقونها غيبًا ويتركون لأخيلتهم حُريّة تحريفِ صورتها كيفما اتفق!
عزيزي الله..
أراني قد أطلتُ خطابي، هذا الذي لا طائل من ورائهِ تقريبًا خلا تفريغِ بعض ما برأسي من ضوضاء. وعلى الهامشِ أحبُّ أن أقول: أكونُ مُمتنةً لو تتداركُني رحمتك قبل أن أجنّ تمامًا. وأقولُ صدقًا أنني مُتعبةٌ وأرجو لو تنظرُ إليّ بعين رأفتك، فلا يبدو أنّي سأصمدُ أمامَ المزيد!
#فوضى_الفيروز. 💙
#رسائلي_إلى_السماوات. 🌸
#الرسالة_الأولى. 🖤
1 note · View note