Text
رحلة إلى الداخل: من العتمة إلى الذات العارية
لا يمكنك أن تدخل إلى عالمك الداخلي، إلى دهاليز اللاوعي، إلا بعد أن تمرّ بتجربة موجعة، تجربة استثنائية تخلع عنك كل أقنعتك وتضعك وجهاً لوجه أمام ذاتك.
هناك، في عمق الألم، تبدأ الرؤية. نكتشف أشياء لم نكن نعر��ها عن أنفسنا، وننبهر أحياناً بما كنا نخفيه أو نجهله. نلتقي بجراح قديمة، وبتراكمات كنا نظن أننا تجاوزناها، لكنها كانت فقط نائمة، تنتظر لحظة الاستفاقة.
في كل شعور نعيشه، نكتشف النقيضين: نحب ونكره، نسامح ونرغب في الانتقام، نفي ونخون، نحتوي ونتجاهل، نرى فينا النور والظل معاً، وندرك أن الإنسان ليس أبيض أو أسود، بل طيف معقّد من التناقضات.
وهنا يبدأ التشافي؟ لكنه ليس طريقاً معبّداً بالسكينة، بل هو أشبه بالانسلاخ.
طبقاتك القديمة تتقشر، لا برفق، بل بألم المخاض العسير.
علاقات، أفكار، هويات، أعراف، قناعات، حسابات... كلها تتساقط.
وحتى التراكمات التي أقنعت نفسك أنك تخطّيتها، تنهض من تحت الركام، وتطالبك بشدة بالاعتراف والاحتواء.
ليست لتؤذيك، بل لتذكّرك أنك لن تُشفى بالتجاهل، بل بالفهم.
تقاوم، تصرخ، تبكي، تنعزل، تتشبث، لكن لا شيء يعود كما كان. وكأنك تُجبر على أن تخلع عنك ما لم تعد قادراً على حمله.
هنا، في هذا العراء الداخلي، تطرح الأسئلة الحقيقية:
أي النسختين أكون؟
هل أقبل بكل ما أنا عليه؟
هل أحتضن نوري وظلي؟
هل أتحرر، أم ��بقى أسيراً لما كنت؟
فإما أن تبقى مقيداً، وإما أن تنسلخ… وتولد من جديد.
عارياً، نقياً، صادقاً… وحراً.
وفي لحظة ما، بعد كل البكاء، بعد كل الصراعات الداخلية،
تبدأ في الإحساس بشيء يتغيّر فيك... دون ضجيج.
إنه التحول.
لا يأتي فجأة، ولا يُعلن عن نفسه.
إنه يبدأ في طريقة تنفسك... في ردود أفعالك التي أصبحت أهدأ.
في اختياراتك التي لم تعد مدفوعة بالخوف أو الحاجة لإرضاء الآخرين.
في ذلك السكون الداخلي الذي لم يكن موجوداً من قبل،
سكوناً ليس فراغاً… بل سلاماً.
في اعترافك بعيوبك، وتقبلك لها، تبدأ رحلة السلام مع ذاتك.
لم تعد تُخفي ضعفك خلف أقنعة القوة أو الكبرياء، ولا تخاف أن تظهر تلك الجوانب التي لطالما نعتّها بالخطأ أو العيب. لأن جزءاً كبيراً منها هو واقع لم تختره بل فرض عليك منذ الولادة.
هذا التقبّل هو مفتاح الانسجام الداخلي، حيث تتوقف عن مقاتلة نفسك، وتبدأ في احتضان كل جزء منك، النقي والمظلم، القوي والضعيف، الحب والشك.
تشعر أنك لم تعد كما كنت.
لا لأنك أصبحت "أفضل"، بل لأنك أصبحت "أنت".
أنت بدون الأقنعة، بدون الروايات القديمة التي ظننت أنها حقيقتك، بدون الوزن الثقيل لكل ما قيل لك إنك يجب أن تكون عليه.
تتغير علاقتك بكل شيء:
بالألم، بالحياة، بالناس، بالله.
لم تعد تبحث عن الكمال، بل عن الصدق.
لم تعد تهرب من الظلال، بل تجلس معها وتفهمها.
وهذا هو التحوّل الحقيقي:
أن تُشفى، لا بأن تنسى من كنت، بل بأن تحتضنه... وتسمح له أن يتلاشى برضا.
حينها فقط، تدرك أن الانسلاخ نحو النور لم يكن نهاية، بل بداية ولادة جديدة... من الداخل.
تماما كما تتحرر الفراشة من الشرنقة، لا تستعجل الضوء،
بل تنضج في العتمة، تنكسر، تصمت، وتنتظر.
وحين يحين الوقت، تنفلق القشرة بصمت، وتخرج، خفيفة، ملونة، تحلّق لا لأنها هربت من الظلمة، بل لأنها اكتملت فيها.
وهكذا يولد الإنسان الحقيقي في صمت، من العتمة إلى النور.
3 notes
·
View notes
Text
في صَمْتِ المكاتب، حيثُ تتراصُّ الكُتُبُ كجُدرانَ حِكمةٍ لا تنضب، تُطلِقُ العُقُولُ أشرِعَتَها في بِحارِ السُّطورِ. هُناكَ، بَينَ أوراقٍ تَشِي بِأسرارِ العُظماءِ، وتَهمِسُ بِأحلامِ الغائبينَ، يَبدأُ الوَجْدُ.. وَجْدُ القارئِ الذي يَعْبُرُ الزَّمَنَ بِقلبٍ وَقَّادٍ، وعَينٍ لا تَملُّ مِنَ التَّأمُّلِ.
القراءةُ ليست حروفاً يشار اليها بِالأصابِعِ فَحَسْبُ، بل هِيَ أجنِحَةٌ تَحْمِلُكَ إلى عَوالمَ لم تَظُنَّ أنَّكَ سَتَطَأُها قَطُّ. هِيَ الخُبْزُ الذي يَشبَعُ بهِ العَقْلُ، والنَّبْضُ الذي يُحيِي الرُّوحَ. كُلُّ كِتابٍ تَفْتَحُهُ هُوَ بَابٌ يُقَالُ لكَ: "ادْخُلْ، فَهَذا المَكانُ لَكَ!"
أتَعْلَمُ لِمَاذَا يَشتَاقُ القَارئُ إلى الكِتَابِ؟
لأنَّهُ يَجِدُ فِيهِ نَفْسَهُ مَرْوِيَّةً بِمَاءِ الحُرُوفِ، وَظِلَّهُ مُتَشَبِّثاً بِبسَاطِ القِصَصِ. هُوَ يُحَاوِرُ أفلاطُونَ فِي الصَّبَاحِ، ويَسْحَرُهُ نجِيبُ مَحفُوظٌ عِندَ المَسَاءِ، ويَرْحَلُ مَعَ ابنِ خَلْدُونَ فِي اللَّيلِ. القِرَاءَةُ هِيَ أنْ تَعِيشَ ألْفَ حَيَاةٍ قَبْلَ أنْ تَغَادِرَ الدُّنْيَا!
فَاقْرَأْ كَأنَّ الكَلِمَاتِ نُجُومٌ تُنِيرُ طَرِيقَكَ، وَكُلَّمَا أمعَنْتَ فِي القِرَاءَةِ، ازْدَدْتَ ث��رْوَةً.. لا بِالمَالِ، بَلْ بِالبصيرة الَّتِي تَجْعَلُكَ تَرَى العَالَمَ بِعُيُونٍ أوسَعَ. القِرَاءَةُ هِيَ وَطَنُ المُهَجَّرِينَ عَنِ الجَمَالِ، وَمَلْجَأُ العُزَلَاءِ فِي زَمَنِ الضَّجِيجِ.
لِذَلِكَ.. اقْتبِسْ مِنْ كِتَابٍ جَمْرَةً تُضِيءُ بِهَا عَقْلَكَ، وَاغْرِسْ فِي نَفْسِكَ شَجَرَةَ المَعْرِفَةِ، فَمَا مِنْ قَارئٍ وَقَفَ بَيْنَ دَفَّتَيْ كِتَابٍ إلَّا وَخَرَجَ مِنْهُ إمْسَاكاً بِذَيْلِ نُورٍ!
اقرأ.. فالحياةُ قصيرةٌ، والعوالمُ بينَ الكتبِ لا تُعَدُّ
اقرأ وعش الف حياة..فحياة واحدة لا تكفي.
4 notes
·
View notes
Text
أحيانًا الزمن بيحطك في موقف صعب، تلاقي حد كنت شايفه قريب منك فجأة قرر يسيبك ويمشي، من غير حتى ما يقولك سبب واضح. بس الحقيقة إن في المواقف اللي زي دي بيكون في سبب محتاج بصيرة عشان يتعرف وهو إنك كنت متوهّم القرب، متوهّم الحب، وبنيت على الوهم ده حكاية مكانتش موجودة غير في خيالك. اللي بيمشي فجأة، انت مش فارق معاه. لا بيحبك ولا بيكرهك… هو أصلًا مش شايفك. فمن فضلك، متحاولش تقرّب، متتعبش نفسك، بالعكس ساعدُه يكمّل بُعد، عشان ما تفضلش عايش في وهم، لإنك مهما حاولت فإنت مش متشاف ولا فارق.
6 notes
·
View notes
Text
" تتشابه مشاعرنا، لكنها لا تُعاش بنفس الطريقة، ثمّة مَن يتجاوز الألم، وآخر يغرق فيه."
1 note
·
View note
Text
هل نعيش حياتنا من باب تأدية الواجب ؟
الغالبية العظمى منّا ستجيب بـ نعم .
فـ مُعظمنا يسير فى الحياة كأنه فى سباق لا يعلم نهايته .
فقط لأنه "يجب" أن يسير .
نستيقظ ، نعمل ، نأكل ، ننام ، نُعيد الكرّة .
دون أن نسأل أنفسنا : هل نحن سعداء حقًا ؟
تأدية الواجب أصبحت غطاءً أنيقًا لتجاهل أرواحنا المُتعبة .
نعيش و كأننا ف�� عرض مسرحي طويل .
نؤدى أدوارنا بإتقان لكن بلا شغف و لا حماس .
كم مرة ضحكت من قلبك ؟
كم مرة شعرت أن يومك يستحق أن يُروى ؟
السلبية لا تبدأ بضجيج ..
بل بصمت خفيف ، يتسلل إلى تفاصيلك دون أن تلاحظ .
حتى تصبح حياتك مُجرد جدول ، لا مكان فيه للمفاجآت أو الأحلام
الحياة ليست فقط مسؤوليات ..
بل لحظات صغيرة تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها .
كل مرة تؤجل فيها سعادتك .
تضع لبنة فى جدار بارد يفصلك عن ذاتك .
إبحث عن نفسك بين كل تلك التفاصيل المنسيّة .
إزرع شغفك فى كل يوم ، مهما بدا بسيطًا .
فأنت لا تعيش لتُ��ضى الحياة ، بل لتجعلها ترضى بك !!

11 notes
·
View notes
Text
“يا صاحبي.. لا شيء أثمن ولا أندى من أن تمضي في الحياة وأنت نقيّ السريرة، سليم الفؤاد، باذلاً للمعروف ما أمكنك، لم تخدش قلبًا ولم تنثر شوكًا، فتمر على هذه الأرض وقد كنت خفيف العبور، عظيم الأثر.”
— رنـا المصدر: خلِّدها - مقولات عن الحياة
15 notes
·
View notes
Text
إلى السّاعين بين الناس عطاءً وإحسانا، النُبهاء في اقتناص الفُرص لترك الأثر، إلى من جُبلت أرواحهم على حبّ العطاء فنثروا بذور الخير في الأرض ووجهة قلوبهم نحو السماء فلم ينتظروا من الناس جزاءً ولا شُكورًا:طبتم وطاب عند الله نماء بذوركم..
12 notes
·
View notes
Text
كل شيء يأتي في الوقت الذي يراه الله مناسباً لنا وتجهله محدودية بصيرتنا 🌔 !.
24 notes
·
View notes
Text
يأتي المرء مُحمّلاً
بهزائِمه و مخاوفه
يرتمي فى حُضن احبائِه
فيتلاشي خوفٌ تلو الاخر
عناق واحد
ضيقٌ حدوده ذراعين
لكنه يتسع لقلبه واحزانه
5 notes
·
View notes
Text
إن كل من تقابله في حياتك ، حتي من تظنه عابراً ،
هو مرسل إليك لإجل غايه . قد يربكك وجوده ، أويشعل فيك ألماّ قديماً ، أو يعلمك درساً ، أو يٌريك شيئاً من حقيقتك كنت تتغافل عنه ، لا أحد يظهر في حياتك مصادفة."
79 notes
·
View notes
Text
الصمت أيضاً له صوت . .. لكنه بحاجة إلى روح تفهمه ,
16 notes
·
View notes
Text
لا تبحث عن أشخاص، فالأشخاص يأتون كهدايا في طريق بحثك عن نفسك.
26 notes
·
View notes