Tumgik
Text
مجمع 202... لستَ وحدك
إنه من أكثر المواضيع المحيّرة، فعلى ما هي عليه من سهولة في التناول لوضوح القضية، فإن هذا الوضوح المبهر هو أكثر ما يعقّدها، ولأن توضيح الواضح أصعب بمراحل من شرح الغامض.
فحين شكا بعض أهالي المجمّع 202 (المحرّق) من الفوضى، مصوّرين ما انتهت إليه منطقتهم من مدارس ومجمّعات تجارية، ومحلات بيع وشراء من كل الأنواع اختطفت واجهات البيوت، وباتت المنطقة تسبح في سوق تجارية؛ عادت بين الذكريات إلى أوائل ثمانينات القرن العشرين، حينما كانت هذه المنطقة (حرفياً) واحدة من المناطق التي يمكن أخذ الضيوف ناحيتها بعيداً عن العشوائيات والبيوت المتهالكة، وذلك لأناقتها، وحُسن انتظام بيوتها، وهدوئها.
أيها المجمع لستَ وحدك في هذا البلد، فهناك فوضى استشرت جعلت الدكاكين المؤجرة للأجانب تغزو المجمعات السكنية على طول البحرين وعرضها، فجرى احتلال الأرصفة، وضاقت الشوارع بالسيارات المصطفة يمنة ويسرة، وهاك الفوضى إن أرادت الرجوع إلى الخلف، أو عندما يقف أحدهم على طرف الشارع.. أي في منتصفه بالنسبة لمعظم شوارع البحرين الضيقة ليطلب بكل برود شاي كرك ساخن، و"طز" في من يعانون خلفه للمرور من جانبه.
أيها المجمّع لستَ إلا واحدة من العورات التي تكشّفت من غير حياء لترينا عميق الخلل الذي غطّى بقدرة أهل القدرة، أعين المهندسين المدنيين والمخططين عن خلق شوارع للمستقبل، وأبقتها شوارع ضيقة ذات اتجاهين تلاصقها البيوت ملاصقة حتى لا يمكن تطوير الشارع أبداً، عندها لن نتعب أنفسنا بالسؤال عن المستفيدين من بيع الأراضي في ذلك الحين وتآكل الخدمات العامة.
أيها المجمّع لستَ بِدعاَ عن غيرك من المجمعات السكنية، والتي يجب تغيير تصنيفها إلى مجمعات "سكارية" أي سكنية تجارية، حيث تنتشر الفوضى التي تحطّ من قدر البلاد والعباد معاً، فتنتشر الفوضى، وتقل جودة الحياة، والتمتع بالنظام، تنخفض في هذه المناطق المتمددة سِمات الرقي، ودِعة الحياة، إلى أخلاق الأسواق، وجَلَبة الباعة، وبالكاد يتبين الناس بيبان البيوت من واجهات المتاجر والحوانيت، فأي نفسيات لسكان هذه البيوت وأبواق سيارة تحاصرهم حتى الهزيع الأخير من الليل لشخص مستعدٌّ لشحن الجوّ كله بالصراخ من أجل قنينة مياه بمئة فلس.
أيها المجمع، لستَ وحدك من بين الكثير والكثير من المسائل التي بدأت بانحراف بسيط في البدء، بجزء من الملليمتر من الانحراف خارج الخطّ القويم، ومع الوقت صار خط الانحراف أبعد من البُعد عن جادّة الصواب حتى بات الصواب من الأمور المستغربة لدى الناس، وصار الحديث عن سكينة النفس بعضاً من أصداء قديمة لن تعود.
أيّها المجمع، أنت، وغيرك من المجمعات السكنية التي لم يعد فيك لـ "السكن" و"السكينة" أي مكان ومعنى حيث يتساوى الناس والجمادات، ولا أحد يسأل كيف يتحولون إلى أوانٍ مستطرقة تتقبل الأوضاع السيئة، وتسوء معها، وتأخذ شكلها، وتستكين لها، وتتعود عغليها,.. وربما تدافع عنها أيضاً؛ أنتم شهود على أن سهولة ترك الأمر للفوضى والجشع المتدرّج على طول عتبات السُّلَّم، وأنتم شهود على صعوبة نظافة اليد والضمير، وأنتم ضحايا حرارة الاستقامة ولسعتها التي ندُر من يتمسّك بها.
1 note · View note
Text
فيتامينات لا غنى عنها
الخميس – 24 أغسطس 2017
ذرائع
  هناك مواد إعلامية كثيرة ومفيدة تمرّ عليك، أو تمرَّ عليها، وتحدث نفسك بالاحتفاظ بها للرجوع إليها، وتكتشف أن أمراً صغيراً أبعدك عن حفظها للحفظة فتسرّبت، أو أنك حفظتها فعلا ولا تدري أين، ولكن في كل الأحوال لا تقلق، فالكثير من هذه المواد لا تلبث أن تأخذ دورتها وتعود للانتشار من جديد وكأنها ابنة الآن. من هذه المواد ما قاله جيمس ريسموند، المتخصص في علوم التربية والعائلة، أن أهم الفيتامينات التي يجب أن تعطى للأطفال هو فيتامين "لا"، وذلك حتى لا يكبروا وهم يشعرون بعدم الامتنان، وعدم تقدير الأمور، والأنانية، والشعور الطاغي بأن من حقهم الحصول على ما يريدون، وأن من واجب الغير (الأبوان أولاً، ثم المجتمع بأسره) أن يعمل دائماً على تلبية رغباتهم، حتى يصطدم الأطفال بالواقع، وتحدث الانتكاسات والارتدادات والخيبات العميقة والتقوقع على الذات وربما الكآبة وما تجرّه من ويلات نفسية تتفاقم.
أشعر في أحيان كثيرة أن المجتمع هو أيضاً كائن، لا بد من القول "لا" له، وبحساب، حتى لا يقال له "لا" إلى أن يجفّ ويغدو متشوِّفاً لمن يروي جفافه العاطفي والنفسي والمادي أيضاً. ولكن أيضاً، لا يمكن تلبية كل ما يريده ويتمناه ويطلبه، لأن المسألة لن تقف عند حد، وكما الوالدين المفرطين في دلال أبنائهما، فإن المؤسسة القائمة على المجتمع ستكون تحت الاختبار نفسه، والتحدي نفسه: إلى متى ستستمر في توفير الحمائية الدلال المفرط؟!
كذلك المؤسسات الرسمية، على كافة مستوياتها وتخصصاتها، والتي تفترض من الناس أن يستمروا في قول "نعم" إلى ما لا ن��اية، ومن دون تفكير، ومن هؤلاء الناس من يظهر ليقولب الـ "نعم"، ويشرعنها، ويمنحها كل الطاقة والمسوّغات لتكون هي الأساس في علاقة المواطن بوطنه، في حين أن الأمر شبيه جداً، وإلى حد كبير، بالوالديِّة.
قولا "لا" هنا ليس كراهية أو عداوة، ولا حقد أو حسدٌ كما يحلو للبعض أن يستريحوا لهذا التفسير، وللنتيجة الضحلة التي يصلون إليها لتفسير قول البعض "لا" أمام طوفان "النّعَمات"، ولا هي "خالف... تُعرف" كما يظن البعض، لأنها أمر طبيعي، وعلينا تقبّله. بل سيكون من المريب حقاً أن يوافق الجميع على كل شيء، ومن دون استثناء، والداعي للريبة أكثر وأكثر أن ينفرز من هذه الجموع من يضفي المبررات على هذه الموافقة العامة، بل ويلمز من قناة في وطنية من لا يسير على النهج نفسه.
قول "لا" في مكانها، ووقتها، أمر صحّي، وصارت الكثير من النصائح الاجتماعية والنفسية، تدعو إليه، وتحبّذه، فالمجاملات تأتي على حساب طاقة الفرد، وقدرته، ووقته، وأعصابه، وأولوياته، ولكن هذا لا يقارن بلو قالها في شأن عام ليجعل النهر يتريّث قليلاً، والجماهير تتفكر بعض الشيء، لتصدق ثنائية "الأوطان/الأبدان"، فالاثنان يحتاجان جرعات من الـ "لا" حتى تنمو صحيحة معافاة.  
.0��\+Q�
0 notes
Text
كيف نفهم قوّتنا؟
الاثنين – 28 أغسطس 2017   ذرائع   ما أن نلتفت حولنا هذه الأيام حتى نجد من يتحدث عن "القوة الناعمة" كفهوم، وأن لدينا في منطقة الخليج العربي، وبالأخص في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل في الوطن العربي بأسره، إمكانيات "القوة الناعمة" وأن علينا استعمالها، وجعلها تعمل لصالحنا، وأن حان الوقت لاستثمار قوتنا الناعمة كما ينبغي، والكثير من التنظيرات الأخرى التي تتحدث هذا المصطلح وما ينطوي عليه من مترتبات، وما يمكن أن يحققه من فرص للمنطقة، وما يمكنه أن يمرر من أفكار للدول الأخرى لتصطف معنا في جميع القضايا والتوجهات. الأميركي جوزيف ناي، صاحب مصطلح "القوة الناعمة" الذي جاء به لأول مرة في العام 1990، في ظل التحولات العالمية الكبرى التي حدثت في الربع الأخير من القرن العشرين، يقول عن "القوة الناعمة"، بعد 14 عاماً من بزوغ المصطلح، وعند تجديد كتابه الذي يحمل الاسم نفسه في 2004، إنها "تشبه الطقس، يُعتمد عليه، ويتحدث عنه الجميع، ولكن لا يفهمه إلا القليل"، فـ "جماعتنا" صاروا يطلقون على كل شيء يصادفونه عندنا أنه من مقوّمات القوة الناعمة، بدءاً من سُفرة السعف، و"المهفّة"، وجرار الفخار، والإبل، وأغاني الأفراح، والرقصات الشعبية، وانتهاءً بجرّ الربابة والشعر النبطي، وألعاب الأطفال والرطوبة. وإذا جاء ذكر النفط، أو إمكانيات الطاقة المتجددة في المنطقة، أو الموانئ التي تنتشر على امتداد بحار العرب، قيل أنها "القوة الناعمة"، مع أن صاحب المصطلح نفسه يشير إلى أن الحديث عن "القوة" وحدها في علاقات دولية، هي تقريباً نفسها التي تسيّر العلاقات الزوجية، فهي "لا تتركز بالضرورة في يد الشريك الأكبر، ولكن الكيمياء الجاذبة الغامضة". لذا، علينا البحث عن أسرار الجذب، بل علينا التساؤل مع أنفسنا بتجرّد وصدق: هل نحن جذّابون عالمياً؟ هل سيرتنا – عامّة – تسمح لنا باختراق قلوب الغير؟ هل أبقى الإعلام الغربي المتصهين لنا ما يمكننا الرهان عليه، بل السؤال المعاكس: هل عملنا ولو إعلامياً بشكل ذكي لنصنفر صورتنا، ونقدّم أنفسنا على أننا شركاء في بناء العالم، وليس استهلاكه فقط؟ وإذا كان الإعلام انعكاس لصورة الواقع، ولو أراد أن يجمّل فلن يتجاوز الواقع، يأتي السؤال الأهم: هل أسَّسَ العرب بنيانهم على العدل، وأثَّثوا بيوتهم بالحق... أم صارت الثروات نهباً لمن يقبض على مفاصل السلطة، وسادت التمييز وانتشر الفساد، فحينئذ لا تغني طبول الإعلام، ولا أبواق المدّاحين! "القوة الناعمة" التي طبقها القطبان أثناء الحرب الباردة التي استمرت زهاء خمسين عاماً، كانت فيها إنفاقات هائلة على الدول الأضعف والأكثر هشاشة حتى تستمال إلى هذا المعسكر أو ذاك وتُحتوى، واليوم فكلٌّ من الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، تنفق الواحدة منها ما لا يقل عن مليار دولار سنوياً على الشعوب الأخرى لجذبها ببرامج تنمية وإعمار ودراسات وإعانات وبناء وتشييد وإغاثات وغيرها، فهذه القوة تعتمد على "متلقّين مستعدين"، فكيف حالناً؟ وإلى أي الشعوب اتّجهنا؟ وكم من الموارد خصصنا؟ وما الرسائل التي وجّهنا؟ وعلى مدار كم من السنوات صبرنا وظللنا؟ على المحللين والمنظّرين وأشباههم أن يكفّوا عن تضليل الرأي العام وصنّاع القرار بشأن امتلاك العرب هذه القوة، لأن الفارق دقيق بين القوة كونها "ناعمة" أو "نائمة"!  
��\s9�
0 notes