Tumgik
hawary13 · 4 years
Text
إنما هي متتاليات التنازلات الصغرى التي يقدمها المرء مرة بعد أخرى ظنا بعدم مصيرية نتائجها...
إنما هي المساحات الرمادية التي ترك لنفسه حرية الحركة حولها حينا وبداخلها أحيان حتى إعتادتها نفسه وتماهت المساحات وفقد القدرة على إيجاد الحد الفاصل.
إنما هي الخيبات المتتالية التي لم تأخذ حقها من المكاشفة والمراجعة حتى فقدت وقعها على النفس ولم تعد تحدث في النفس أثر يدعو للتنبه.
لا يفقد المرء نفسه في معركة واحدة كبيرة. إنما هي الهفوات المتتالية الصغرى...
4 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Photo
Tumblr media
رحلة كاترين 
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً..حقيقةً أنا طوال الرحلة وأنا مستشعر معاني كثيرة جداً تحتاج لوقت كبير للتفكر فيها للتعبير عنها. ولكن الرحلة كانت من بداية التحضير ليها وحتى اللحظة دي وأنا أشعر بقدر عظيم من التيسير والبركة والرحمة من الله..
رحلتي الماضية لكاترين من عامين كنت طوال الرحلة لا حضرني سوى تسبيح الله. استشعاراً بضعفي وضآلتي أمام كل ما قالبت في الرحلة من مخلوقات الله. مخلوقات عظيمة واحدة منها كانت تكفيني أتفكر فيها الرحلة كلها.
الرحلة دي سبحان الله على ما رزقنا فيه من بركة وتيسير بفضل الله وحده ونعم لا حصر لها. بداية من إن مكنش في حجز في أي مكان في كاترين. كل الأماكن ممتلئة. ولكن إرادة الله أن يسوق إليّ صديق كان عايش في كاترين فترة وإكراماً له فضّولنا غرف بعددنا وأزيد كمان غرفة..
حسن تدبير الله في رفقة الرحلة اللي كل حد فيهم كان وجودة مؤثر أضاف لها الكثير من أصغر لأكبر حد.بالرغم إن دي مش أول سفرية ليا لكاترين ولكنها قطعاً أجمل سفرية وأكثرها بركة في كل سفرياتني. تعلمت من الرحلة دي إن نصف متعة تجربة السفر في رفاق الرحلة نفسها.
تدبرت فيما رسخ في قلبي وعقلي من الرحلة وما اكتسبته في الرحلة فكان أعظمه هو تعمق معرفتي بالرجال واستكشافي لجوانب من شخصياتهم ظني كان ن الصعب جداً يظهر في صخب وسرعة المدينة. كل اللي في الرحلة أعرفهم من مدد مختلفة بين السنة والثمان سنوات. ولكن اليومين دول بنوا في علاقتي بهم كسنين في المدينة.
كنت قد قرأت أن كل مدينة تضفي على أهلها سمتاً يتصل بروحها وحقيقتها. فلما عشت سنوات في الإسكندرية فرأيت أن أهلها أكثر وداً ونداوة في التعامل من القاهرة. وأن إيقاع القاهرة السريع فرض على أهلها نوعاً من العملية ونفاذ الصبر والبرجماتية. بحثت في كاترين عما قد يرسخ في نفسي فوجدت الصبر والتجلد الذي وكما ذكر أخي جامع أن أخر يوم في الرحلة في الطريق لجبل عباس بدأ الكل يندمج مع المكان ويكتسب من وسع الصحراء وسعاً موازياً في صدره ومن صلابة الجبال جلداً وتحملاً وكأننا صرناً جزءاً من الجبل الذي نسير عليه. سبحان من قدر فهدى:))
رأيت في رحلتنا للسيكرت جاردن يقيناً بأن الله موجود. من يعيش في الصحراء ويعلم أن يقيناً أن الله سيسوق له رزقه. فيسوقنا له لمسافة 700 كيلو نقطع المدينة والطرق ونعبر الكمائن ونسير لساعات في صحراء قاحلة لنرزقه رزقه الذي كتبه الله له!
رأيت يقيناً أن معية الله حاضرة لمن استحضرها يقيناً. موجود يستمع ويجيب. كنت أعلم أن السفر من المواضع التي يستجاب فيها الدعاء فدعوت كثيراً فوالله كل ما دعوت به من أدعية وقتيه تحقق وسأخصكم بموقفين على سبيل المثال:لما فكرنا في عيد ميلاد سارة وفكرة المارشميللو ذهبت للشيخ موسى صاحب الكامب فطلبت منه لإشعال حطب لشوي فرد بصلافة وبلا تفكير “ لا مش هينفع النهاردة” بتجهم شديد ودور وشه ومشي. أول الأمر شعرت أن الأمر لن ينقضي. وبعدها بدقائق كان وقت الصلاة فاستبشرت خيراً بلقاء الله صاحب الأمر فطلبت منه التيسير. بعد الغداء ذهت وحضرت طبق المارشميللو وذهبت للمطبخ وطبيت شمع فرآني الشيخ موسى فبش وقال لي “عيد ميلاد؟ كل سنة وانتم طيبين. حالاً نولعلك الحطب. يا إيهاب..  ولع الحطب” :))الموقف الثاني دعوة أخرى لي شهرين أدعوا بها فبُشرت أمس فور رجوعي من السفر بقبولها :)) ووالله ما كان الأمر هين ولكن الله على كل شيء قدير.
وجدت في سفري امتلاكي لكثير من الرفاهيات التي تملكتني مع الوقت فأصبحت تابعاً لها ملبياً لسطوتها علي. فبعد قضائي للثلاث ليالي بدون الكثير من الأدوات التي أستخدمها في يومي من هاتف وإنترنت متصل على مدار الساعة وتكييف وكراسي مريحة وغيره و ربما بأقل من عُشر مجهود يوم من أيام الرحلة أدركت كم أنا مُنعم وأحتاج أن أخشوشن في حياتي وأعيد النظر فيما أنا فيه من رفاهيات تزيد من قنوطي وكسلي وتثبتني إلى الأرض.
لمست في صديقي حمزة من مجلسنا ليلة ال السيكرت جاردن  قلباً ندياً ونفس شفافة لم أرها سوى ذلك اليوم. سبحان الله على ما في قلبه من جمال ونقاء ومعاني أخجلتني من نفسي لما فيّ من ضعف بصيرة عن إدراكها فيه من قبل. فوجدته يتحدث عن الصلاة والخشوع وشديد حزنه على قلة خشوعه بعض الأحيان وخوفه من غضب الله عليه. فذكرني بحال صلاتي وقلة محاسبتي لنفسي وتدبري في حال عبادتي. غير كثير ما حكي معه فيه وكان كله دليل على أنه من أندى وأنقى من قابلت في حياتي. حفظ الله قلبه.
رأيت في أخي عبد الرحمن الصفاء. حكينا كثيراً و اكتشفت كم نحن متشابهان في الكثير ونجمل الكثير من الأشياء المشتركة ولم نجد الوقت من قبل لاستكشاف ذلك. حقاً ذهبت لكاترين وأنا أعتبر عبدالرحمن صديقي فعدت ونحن أخوة.
وجدت من شحاتة أخي الأكبر مني قدراً عظيماً من حسن الخلق وطيب العشرة والتواضع والإحسان. فكان يتحمل غلاستي طوال الرحلة في المواعيد وسرعة الحركة في الطرق بسعة نفس. أدام الله عليه نعمه
أخي جامع طوال صديقي من 7 سنوات وأكثر كل يوم في صداقتنا أزداد بمعرفته غبطة لنفسي. طوال الرحلة وأنا أستشيره في كل تفصيله وما خاب ظني في حكمته قط.
أخي نزار أقل من أتعبني في الرحلة (وفي حياتي) فهو طيب المعشر وأكثر ما يتردد في أذني بصوته من يوم ما عرفته (حاضر يا كوتش) :D  ربنا يبارك في قلبه وبحفظه من كل سوء. هو بس صحاني مخضوض ثلاث مرات في أخر ليلة في الكامب “ الجميل هيدووووس علينااااااااا” وأنا نايم وأصحى اهديه وأنام قبل ما يثصحيني تاني “ ألحق أكوتش الجمل ااااااه ” :’D وحمزة سكر كان ومازال أطيب قلب على الأطلاق في كل الأطفال الذين تعاملت مهم في حياتي ازلت في كل يوم نتعامل أكتشفت أبعاد جديدة لنقاءه وحسن معشره :))
وأخي مازن كما أخبرته وجدت فيه من الحكمة ونداوة الحديث وسماحة النفس ما لم أدركه من قبل خلال معرفتي به في إحياء. فوددت لو كان أخي والله
ومن رافقنا من الإناث كنتم بركة الرحلة وبهجتها حقيقةً و أزدتموها بكرة بهاءً بوجودكم :)) حقيقة كنت خايف جداً من المجهود البدني عليكم بس ماشاء الله الله بارك يعني عليكم بارك الله في أعماركم.
عذراً على الإطالة.. يمكنني أن أكمل كتابة لساعات دون أن أتوقف ولكن أريد أن أسردها كلها لأعود لها من حين إلى أخر حين تتآكل تلك الذكريات فأعود لأتذكرها فتضيء في نفسي ما قد تطفئه الأيام.بالتأكيد سأكمل الكتابة في وقت أخر وسأوافيكم بها??
5 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
Tumblr media
فاكر جداً أول يوم ليا في إحياء وأنا رايح مخضوض وعندي قناعة تامة إني فاشل في التعامل مع الأطفال وإنهم مش بيحبوني. فاكر كويس جداً ليلتها صليت قيام ودعيت سألت الله إنه ييسرلي التعامل معاهم ويفتح لي ولو قلب طفل واحد أعرف أتعامل معاه. يومها الصبح في الأتوبيس عبدالله قعد جنبي. من أول ما وصل المقر وكان واضح إنه معفرت جداً وواضح انه مش جاي يتربى ده جاي ناوي علي "عوأ".. من أول ما ركبنا الأتوبيس وبدأت أنكشه كده ولقيته متفاعل معايا وبدأنا نحكش شوية. وسبحان الله يعني. خلال الموسم ده كنت أنا وعبد الله أصدقاء جداً. ومش رغم إنه ماكنش بيسمع كلام حد خالص وماشي بيعمل مصايب في المكان طول الوقت ومش بيقدر إلا إنه كان بيسمع كلامي - أحياناً - و بيحترمني - لحد ما- وكان فعلاً علي قدر حبي له وتعلقي به كان في المقابل هو حاسس ده وبيبادلني نفس الإحساس وغنالي أغنية من تأليفه وألحانه "هوارييييي أنت الأفضل يا هوااارييي" 😄. سعيد بعلاقتي بعبدالله جداً وكانت أسعد لحظة الموسم اللي فات لما عبدالله جه أول يوم بعد إنقطاع موسمين كاملين. ساعتها رمي الشنطة ونط أتشعلق فيا:) حقيقي لحظة مش بنساها وبعتبرها من أسعد لحظات الموسم بالنسبالي..
#إحياء
2 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
وحينها فقط رأيت...
كنت وقد عدت للصفر يومها للتو من رحلة-وكما جرت العادة-لم تكن بالطويلة على الإطلاق وبرغم زياراتي المتكررة للقاع إلا أني لم أعتده يوماً ولم تألفه روحي ومع كل سقطة كنت أشعر أن تلك المرة غير. بدأ إدراكي يتشكل مرة تلو المرة وقد يقنت أن تلك المرة قد هوى معي القاع من شدة سقوطي فانخفض مستوى الصفر دركات لم أكن أعلم حتى بوجودها فما بالك بهبوطي لها.
 رأسي يؤلمني إثر الارتطام وقد تلاشت ذاكرتي تماماً. كل ما أذكره اني كنت هنا من قبل مرات ومرات ومع كل سقطة كان الظلام يزداد حلكة. فنافذة البدروم الذى هبطت به يوماً ظلت تبتعد وتبتعد إلى الاعلى حتى أبتلعها أخر سقوط لي وأبدلنها غياهب. وقد ساد في نفسي حينها من الظلمات ما رسخ بي قناعة بأن ما من ضوء قد يبددها يوماً أبداً ولا لضوء أن يخترق تلك العتمة الكَفْرُ. قد يهرب خيط ضوء لإحدى أركانها قبل ان تحتويه سريعاً وتبدده وتكفنه بالسواد.
 ظللت قابع لا أتحرك ولا تبرح عيني النظر لأعلى باحثاً عن العون. عون ولو من نجم بعيد أعلم أنه قد مات من ملايين السنين ولكن ربما قد ترك لي خصيصاً بعضاً من ضوءه ليهون عليا ويدفعني للتصبر. ضوءاً ربما يكون أخر خيط أمل أتشبث به قبل أن أعتد الظلمة وألفُها. لم تبرح عيني التطلع ولم يبرح أن يغزوها الدُجى. وحينها فقط أدركت أن ما من مخرج هناك بالأعلى. ما من مصدر هناك في الخارج يمتلك الآن أي قوة لتبديد ذلك وحده.. ��ا أعلم أين يذهبون جميعاً حينماً أحتاج لهم. أولائك الذين لا ينفكون أن يملئوا الدنيا صراخاً بأنهم يملكون من الحق ما يبدد الظلام ومن القوة ما تعين المتلهفين.
ألن يأتي أحدهم الآن ليفعل شيء؟ أتساءل وكلما تساءلت كبر بداخلي حدس أن لا أحد قادم من أجلي. ربما هم الآن أصلاً مثلي.. يقبع أحدهم في صفر أخر في بُعد أخر فقط.. يصرخ في جزع او يدعي الثبات بعزة لا تتناسب عما قد أقحم فيه نفسه من خزي... ربما حتى كان هناك آلفاً لها وقد قطنها فلم يعد يحتاج لسقطات بعد.. فقط استوطن الصفر واستوطنه..
 وفي تلك اللحظة بدأت أتساءل كيف فعلتها-وارتفعت-في كل مرة فعلتها قبل أن أسقط.. لم تعد ذاكرتي تسعفني من أين جئت بالتحديد قبل السقطة او بماذا بالضبط كنت أشعر ولكن أن أسقط تُعني أني كنت مرتفع عن ذلك الصفر الصلد البارد الملاصق لخدي... مرتفع ولو قليلاً جداً... ومن يدري فربما يكون هذا القليل كافي لأرى رفات نجمي المحترق المتكاسل عن الوميض لأواصل الصمود ولو لحظات قليلة قبل أن يستوطن اليأس ما تبقى من نفسي..
 فكرة الارتفاع أضاءت لجزء من الثانية في نفسي خطرة أعادت لي جزء من ذكرى وتبدو وكأنها قريبة ولكن خفوت وقع حضورها وترنح خطوات إقدامها علىّ يدل على أنها آتية من زمن سحيق.. خطرة صرخت في العتمة بشكل مفاجئ بأن " لم يأتي الضوء بعد أي سقطة من الخارج، فالضوء يشع من الداخل ليضيء الكون" وفي لحظة شعرت وكأنه قد انشق صدري عن خيط ضوء، ذلك الضوء الباهر في وسط العتمة فشعرت أني أعرفه جيداً- أعاد لي ذكرى ما قبل أخر سقوط وبدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر والذكريات تكتمل شيء فشيء حتى تجسدت الحقيقة أمامي مكتملة:
 لا أحد هناك في الخارج يقوى على شيء.
لا أحد منا يملك من أمره شيء لنفسه ولا لغيره..
فلعلك أنت نفسك باخع نفسك على حال أحدهم ولربما حاولت أنت نفسك بصدق حقيقي أن تُنير له حتى أعياك صدقك ولكن هذا ما في سعتنا...
حتى ندرك تلك الحقيقة نفسها.. أننا مساكين وأن القوى للارتفاع تُستمد من خالق كل قوة. وأن الضوء لا يأتي إلا من مصدره السرمدي فالق الأصباح كلها سبحانه..
حين أدركت ذلك فقط.. انقشع الظلام شيئاً فشيئاً.. مخلفاً بعض الندبات والتقرحات في نفسي الهزيلة وقد أعياها الثُبات حد الهلاك.. خرجت من هناك يومها مترنحاً وقد مازالت عيني غير معتادة على الضوء. نظرت إلى الأسفل من حيث خرجت ولم أصدق كيف قد هويت هناك من قبل بإرادتي قبل أن أوشح بنظري لأعلى ولكن لمكان أعلى من نجمي المحترق.. نظرت إلى من له الدوام فلا يفني وله الأمر فلا يعجز... لمن بيده الامر كله وإليه نُرجع الأمور...
ونظرت إلى ندباتي وتمنيت لو يبقى بعضها معي طويلاً ليذكرني دائماً كلما أشرفت على السقوط عمداً أن أثبت. فربما كان سقوط ليس من بعده قيام..
3 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
ماذا لو كتبت مذكراتي عن الكبار من حولي وأنا ابن 7سنين؟ (2/5)
1998
"تعلمت من كتبي كلمات جديدة كـ (حكمة - جمال - نبيل - صالح - نظام - خير - شريف - حق - صدق) لا أستطيع أن أخبرك بمعنى كل واحدة منها إلا في سياقها. حين أرى إحداها فيمكنني بمنتهى السهولة أن أُشير إليها وأُميزها عن غيرها. 
العالم خارج منزلي يحركه الكبار ويُسيرونه. لا يمكن أن يتوحد كل الكبار إلا على هدف نبيل. نبيل كمحاولة مساعدة قط في يوم مطير واصطحابه للمنزل. لذلك لا أشك أبداً أن العالم يسير في اتجاهه الصحيح ويحركهم الخير الذي بداخلهم. "خير" كالذي الرجل الفقير العجوز يشارك طعامه مع قط صغير على الرصيف.
يرتدون النظارات الطبية ورابطات العنق والبدل ويتحركون في كل مكان. يبدو عليهم الأهمية وخطورة ما هم في الطريق لفعله. تحيطهم هالة توحي بأنهم يعرفون جيداً ما يفعلون. طوال الوقت متعجلون بشدة ويتحركون سريعاً. بالتأكيد لأهمية ما ينتظرهم فبالطبع هناك ترس في ماكينة في مكان ما من العالم لا يمكن أن يتحرك بدونهم وقد يعني تأخر أحدهم عن تنفيذ دوره لحدوث خلل في العالم بأكمله.
ف"النظام" بالخارج بالطبع محكم ويتسم بدقة لا تقبل التهاون ورجال "صالحون" كالبالغون لا يمكن أبداً أن يتهاونوا في واجبهم. من هم الصالحون؟ الصالحون هم من يشبهون أبي وشيخ المسجد. فالعالم حولي يمتلك نظاماً دقيق. "النظام" هو الطريقة المثلى التي توصل لها الكبار وتشاركوها لكيفية فعل الأشياء بأفضل طريقة ممكنة.
يقدر البالغون الجمال وذلك جلي. الجمال؟ "الجمال" هو أمي بكل ما فيها. الجمال هو ما يبعثه زرع أبي الذي يحرص على تنسيقه طول الوقت وريه.
لي لعبتين إحداهما تمتلك كتلة عضلية أضخم وله مجموعة كاملة من أسلحة الساموراي. بينما الآخر ضعيف الجسد قد فقد سلاح الليزر الخاص به من بضع أيام في معركة على الشُرفة. فأثار ذلك سؤال. ماذا قد يمنع القوي أن يستخدم قوته ضد الضعيف! كيف يمكن أن أحل تلك المعضلة؟ فبالتأكيد الكبار قد وضعوا لها حل. بالطبع هناك من سيظهر في الوقت المناسب مدافعاً عن الطرف الأضعف. بالتأكيد لن يفكر أحد من الكبار في أن يستخدم قوته بلا سبب ضد من هو أضعف. فهم يمتلكون الحكمة والشرف الذي يمنعهم من ذلك. ذلك لا يحدث إلا في الكارتون فيظهر من العدم وفي الوقت المناسب في كل مرة بطلاً خارقاً فيقلب الكفة لطرف الضعيف وينتصر له. وبالتأكيد كل الكبار قد رأوا ما يكفيهم من ذلك في طفولتهم فلا يمتلك أحدهم اليوم الشجاعة الكافية أن يغامر بدفع نفسه في معركة صفرية مع بطل خارق.
كثيراً ما أفكر عن كيفية تسيير البالغون للأشياء في العالم بتلك الدقة. سيارات حديدة تصدر هدير وتتحرك في كل مكان فتنقل الناس والأشياء. ماكينات ضخمة يتحكم بها أحد الكبار بضغطة زر. صناعة تلك الصنوف من الحلوى والألعاب. ذلك التلفاز الذي ينقل الصور من مكان للأخر. يثيرني بشدة محاولة محاكاة الواقع بألعابي كأن أبني بقطع الميكانو مجسم على شكل ماكينة لا أعرف ما وظيفتها ولكن بالطبع ستكون شبيهة لماكينة ما في العالم خارج منزلنا لها عمل حقيقي أو أن أُدير نقاش محتدم بين دميتين من ألعابي من ذوي العضلات وأسلحة الساموراي الحادة حول مصير العالم ضد خطر محدق ما لا أعرف ماهيته ولكنه مصير سيء بالقدر الكافي الذي يجعلهم لا يتحدثون عنه أبداً إلا بالإشارة دون الخوض في تفاصيله. فبالتأكيد هناك من يسهر من الكبار في ركن ما من العالم ليناقش مصير الكوكب لأن "الحكمة" تقتضي ذلك.
حكمة الكبار بالطبع قد أورثتهم قدراً كبيراً من الاتزان. فهم يتخذون القرارات السليمة في كل مرة، القرار الأكثر أخلاقيةَ من بين الخيارات. دائماً ما يميلون لكفة الحق بطبيعة الحال. لا أعلم كيف لا تشتبه عليهم الأمور. كيف لا يترددون ترددي في اختيار الحبكة الأكثير تماسكاً بين كل المسارات المتاحة في المغامرات التي تخوضها ألعابي.
ولكن طوال الوقت لا يكف ذلك السؤال في التردد على رأسي. لما لا يستطيع الكبار رغم كل تلك المهارات التي يمتلكوها ولا نملكها نحن أن يرون من العالم ما أرى؟ هل أنا من يمتلك قوة خارقة ما أم أن الكبار جميعهم امتلكوها يوماً وفقدوها مع الكبر. 
  لما لا يلتفت كل الكبار المارون لصراخ القطط الجائعة في الأيام المطيرة فيصحبونها معهم للبيت. أليس جميعهم يمتلكون نفس قوة السمع وحيزاً صغيراً في بيتهم؟
لم لا يتشارك الجميع طعامهم مع العصافير على الشرفات والقطط اليتيمة في الطرقات؟
  يوماً ما سأصير كبيراً فأكتسب كل ما أكتسبه الكبار من حكمة وصلاح وصدق وحب للخير وقدرة على تذوق الجمال ولكني لن أتجاهل أبداً صراخ قط في يوم مطير."
تُتبع
2 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
أقوى رجل في العالم
ماذا لو كتبت مذكراتي عن أبي بطلي الخارق وأنا ابن خمس سنين؟
"ذلك أبي.. أقوى رجل في العالم.
يعرف كل شيء ولا يُعجزه سؤال من أسئلتي المحيرة عن الإجابة.
لو لم يكن لي أصدقاء في مثل سني لظننت أني الطفل الوحيد في العالم لأن إن كان هناك أطفال سواي فلم أبي بالتحديد هو الرجل الأقوى في العالم من بين كل الآباء؟
  دائماً ما يحسن التصرف. يعرف الطريق إلى كل مكان نريد الذهاب إليه. يستطيع حمل الأشياء الثقيلة. يستطيع شراء كل ما أحتاج. فهو من يعلم مصدر المال فيذهب كل يوم ليحضره لنا. لا أعلم أين بالتحديد مكانه ولكن من الواضح إنه بعيد جداً لأن أبي يذهب كل يوم مبكراً ولا يأتي إلى في أخر النهار. خطر لي يومُ فكرة مذهلة! أن يذهب أبي ي الصباح وأذهب معه فنحضر أكبر كم ممكن من الأموال فلا يحتاج مرة أخرى لأن يتركنا كل يوم كل تلك المدة. فنجد وقتاً أطول لأسأله فيما أحتاج معرفته. فأنا مازلت لدي الكثير من الأسئلة التي يعلم إجابتها ولكن لا يملك من وقت ليجيبني عليها.
لا أحسن التصرف كثيراً. ففي بعض الأحيان أُثير استياءه فيعلوا صوته. لا أعلم لم يفعل ذلك وقد أخرته أنني يمكنني ان أسمعه جيداً دون ان يفعل ذلك ولكن بالتأكيد يفعل ذلك لسبب لا أعلمه. قررت أكثر من مرة أسئلة عن سبب ذلك ولكن كان يغلبني عادة البكاء حيت يفعل ذلك. فينسيني البكاء أن أسأله عن سبب صياحه أو حتى سبب إثارة صياحه لبكائي.
طلبت منه يوماً أن يشاركني في تأمل السحاب. حاولت أن أُريه السحابة التي تتشكل على شكل أرنب فلم يستطع رؤيتها. فشككت في أنها واضحة كفاية وطلبت منه أن يبحث معي عن شكل أخر فلم يستطع حتى أن يري معي تلك المتشكلة على شكل قلب. أنهي سيجارته وترك الشرفة وأنا مازلت لا أعلم لم لا يراهم كما أراهم!
لا أعلم بالتحديد عن الدخان الذي ينفث سوى أنه بالتأكيد له سبب وجيه قد أعلمه يوماً ما عندما أكبر. فأنا مازلت ضعيفاً جداً فيؤلمني إذا شممته وأتذكر حينما حاولت مشاركة أبي تجربته فاختلست سيجارة من علبته واستعرت ولاعته وهو نائم وحاولت محاكاة أبي فلم أستطع حتى إشعالها! نفخت كثيرا وأنا أوجه الولاعة على فوهتها فما اشتعلت أبداً. ولكن أبي يستطيع إشعالها وابتلاع دخانها بسهوله وإخراجه مرة آخري. وبالتأكيد تلك من علامات قوة أبي الكثيرة.
  أبي لا يقرأ. فلم أره يوماً يمسك كتاباً. حالت مراراً أن أجعله يقرأ معي من مجلد لميكي ولكن لم تروق له الفكرة. ولذلك رغم استمتاعي ترسخ لدي أني عليّ أن أهجرها يوماً ما فالكبار لا يقرأون وقد يكون من أسباب ضعفي القراءة.
  يتحدث الكبار عما يُدعى الأخلاق وسمعت شيخ الجمعة على منبره الخشبي العالي يتحدث عنها مرة. لا أعلم ماهيتها ولكن بالتأكيد الأخلاق هي ما يُحاكي أفعال أبي. فالشيخ قال إنها شيء حسن. فبالتأكيد أبي يمتلك ذلك الأمر. فكان يكفي أن أرى يفعل لأعرف أنه ما جب أن أفعل. فلا أجمل من محاكاته.
أذكر يوماً رددت على هاتف المنزل فسأل أحدهم عن أبي فذهبت لأخبره بالمتصل فأخبرني أن أخبره أنه نائم. توقف مخي عن العمل لوهلة وظنت ان أبي أخطاً فوجمت ثم قلت له ولكنك لست نائم فتردد لوهلة ثم قال لي حسناً سأرد عليه وذهب والتقط الهاتف. عرفت يومها أن أبي يمكنه أن يختلط عليه الأمر ويخلط بين أن يكون نائماً وأن يكون في الشرفة.
  أذكر ذلك اليوم جيداً. كنت وأبي نمشي في الشارع وسألته لما هو بالتحديد أقوي رجل في العالم. فنظر إلى وأبتسم ابتسامة لم أفهم معناها في حينها وقال فيما معناه أنه ليس أقوى رجل في العالم لأنه بالفعل يعرف بضع رجال -على الأقل- أقوى منه. صدمتني المعلومة بشدة وفكرت وقتها إن كان منهم من يستطع تمييز الأرنب في السحابة أو إدراك ما يحمله مجلد ميكي من متعة. تساءلت إن كان منهم من يستطع ان يجاريني في لعب الكرة وأن يعلم مكاناً أقرب لجلب الأموال فيستطع أن يقضي معي وقتاً أطول فيجيب عن أسئلتي..
لم أجرؤ أن أسأله ولكن بالتأكيد هزت تلك الكلمات عالمي بأكمله ولم يعد العالم من بعدها كما كنت أراه أبدا."
    تُتبع..
2 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Photo
Tumblr media
مقتبس من سيرة الدكتور جلال أمين
ماذا علمتني الحياة؟
86 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
ماتفوتنيش أنا وحدي
الواحد بيقرا رواية أو بيشوف فيلم، بيستعجب دايما من تصرفات الناس لما يتحطوا قدام خيارات بتبدو سهلةومع ذلك بيفشلوا فيها، ليه حد بيضطر للانتقام بدل ما يسيب دا ورا ضهره، ليه واحد يغوص في بركة علاقة فاشلة بدل ما بيبص لواحدة أجمل معجبة ليه، رغم إنه مستوعب هزلية الأمر، ليه خيارات النجاة الفردية أو الهرب بتكون دايما أصعب مما تبدو عليه الحسابات العقلانية اللي بتقول إن الواحد وللأبد مش أوسع من ذاته مهما حاول يعمل دا؟
كتير بيبدو الحب أو الانتماء أو الهوية عبارة عن مجازات متجسدة والناس محشورة فيها، مش بتكلم عن مآساة الناس اللي مصدقة حكايتها رغم ارتباكها، لكن عن اللي مش مصدقين دا، لكن دا مابيفيدهمش في تجاوز الحاجات دي بأي درجة، بالمعنى دا فالواحد دايما أسوع من ذاته بتورطه في حكاية هو مش قادر على إعادة صياغتها مرة تانية، ولا قدرته على نقد منطق الحكاية أو تطورها ممكن يفيده في حاجة
كل المتدينين مثلا بسهولة بيقدروا يشوفوا ثغرات الأديان التانية، ويندهشوا ازاي فيه ناس كتير انخدعوا بالسهولة دي، وكل الناس قادرين يستهئزوا بقصص الحب اللي ماتورطوش فيها، ازاي حد مش واخد باله إن الطرف الآخر، شديد العادية والتكرار، ومافيش رابط سحري بيربطهم، مجرد مصادفات قادتهم لبعض، و��و فجأة اتكون عنده مجاز عن الحب دا ومش قادر يتعداه، كإنه مسجون في سجن من المصطلحات، مش سجن، متاهة 
متاهة معقدة من الأفكار والسيناريوهات وتداعي الصور، اللي لما يحاول يهرب منه يلاقي نفسه قدام حيطة سد، فيرجع ويحاول تاني، في الوقت اللي خارج المتاهة قادر يبص من فوق ويشوف مدخلها ومخرجها، ويتساءل له الناس بتتوه رغم الطريق واضح
خصوصية أي متاهة معقدة، إن طرقها المسدودة طويلة، تداعي أفكار طول الطريق دا واقتراب الخروج منه قبل اكتشاف خطأ الطريق، وكل ما كانت طرق المتاهة الخاطئة أطول كل ما الاستسلام لمنطق المتاهة بيغوي اللي فيها
لكونديرا جملة شهيرة إن الحب بيبدأ بالاستعارات، إن الطرف الآخر هو نهاية الطرق، أو مشعل النور أو فاكهةا لحياة أو قارب النجاة، أو أي استعارة كليشيهية تانية، لكنه أعقد من كدا، هو متاهة من الاستعارات وكل ما هربت من واحد منها في طريق، سد عليك الطريق مجاز تاني، هو اه الطرف التاني مش قارب النجاة لكنه توأم الروح، توأم الروح لما ياكلك
الحب يبدأ لما حد يدينا متاهة لحلها، كإنه بيختبر ذكاءنا، حل المتاهة مش بس بيعتمد على الذكاء، لكن برده على صفاء الذهن والذاكرة، تذكر كل طريق خاطئ ومحاولة فهم منطق المتاهة، وتذكر بدأت منين، وايه أطول طريق خاطئ، لإن الطرق الطويلة في المتاهات غالبا ما بتؤدي فيها لمخارجها لكن بتقف في آخر متر، والمطلوب هو الوصول لآخر متر لكن من الناحية التانية
خارج المتاهة دايما مخيف، عشان كدا الهروب الفردي عمل انتحاري رغم إنه يبان سهل، ليه السياسيين مبيتقاعدوش في آخر عمرهم، ويشتروا بيت جنب البحر ويلعبوا مع أحفادهم؟ لإنهم مسجونين في المتاهة، المتاهة هي خبرتهم، بدونها هيكونوا عزل قصاد عالم كبير ومخيف ومربك والنظر إليه بوضوح ممكن يضيع البصر
الحب متاهة أصعب من الدين أو الهوية، لإنه متاهة فردية، فيما الهوية متاهة شعوب بكاملنا، والحكمة بتقول إن مافيش أكتر من تلاتة تايهين، بمعنى إن لو فيه أكتر من تلاتة تايهين فوجودهم الجماعي بيخليهم جماعة تشق طريقها، مش فرد يبحث عن النجاة
العلاج النفسي اللي بيعتمد طريقة التحليل النفسي، غرضه الأساسي مش دحض المخاوف غير المبررة، لكن تبريرها، إنه يخلي الشخص يشوف منين ابتدت المتاهة دي، إنه مثلا بيخاف من الزحمة مش لإنه جبان لكن لإن ذكرى صعبة قديمة خلقت له متاهة ماعرفش يحلها ففضل محبوس فيها مش عارف يخرج
 نفس الطريقة ممكن تفسر الحب بإنه إزاحة لمشاعر لاتجاه غير سليم، واحدة مثلا تسلم تحب حد لمجرد إنه دكتور لإن أبوها كان دكتور، ودا بيحسسها إنها في نفس سياق قصتها الأصلية الآمنة
المجاز لغويا هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح بقرينة، الخروج من متاهة أي مجاز هو اكتشاف القرينة دي، سبب صرف اللفظ عن معناه، ليه حد عادي ناس كتير ليها صفاته قدر يتعدى معناه الحرفي ويلبس قناع مديله صورة بالعظمة دي، لكن دا شئ معروف، الناس كلها عارفة إنها بتميل لأشخاص غالبا ليهم نفس الصفات، حتى لو ماكتشفوش القرينة اللي بتحول الأشخاص دول لمجازات
الخروج من أي متاهة كمان بيعتمد على عدم الخوف من الضياع خارجها، لإن الضياع أو الوحدة بيبان دايما كمجاز تاني مش محلول، لكن هو دا بالظبط الحيطة اللي بتقطع طريق الخروج، مجاز جديد جوا المتاهة يمنعك من الخروج منها، وهو دا الجزء الأصعب
وعشان كدا لما حد يخرج من متاهة ما، بيفقد حتى قدرته على سرد طريق خروجه، بينسى ازاي الطريق كان معقد وملتوي وصعب، لإنه خرج منها أصلا لما اكتشف عدم وجود عوائق، بيبص وراه فميلاقيش غير طريق واضح ماهوش فاهم ازاي قعد كل الوقت دا فيه
860 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
Tumblr media
1 note · View note
hawary13 · 5 years
Text
"So live as if you were living already for the second time and as if you had acted the first time as wrongly as you are about to act now!"
Viktor E. Frankl, Man's Search for Meaning
Tumblr media
0 notes
hawary13 · 5 years
Text
Tumblr media
0 notes
hawary13 · 5 years
Text
غنوا لي كلما فشلت أن أكتب نشيدًا
اصرخوا في كلما ارتفع صوتي
هزوا كتفي كلما ذهبت بعيدًا في الاعتداد برأيي
قاتلوني إذا استبدت بي كراهيتي
وطمئنوني، إذا، فشلت في مقاومة مخاوفي
واذكروا، رغم كل عيوبي، لم أروع مطمئنًا
ولم أحب نفسي أكثر مما أحببت أصدقائي
وربما، لو كنت أكثر شجاعة واقتحامًا، لغيرت العالم للأفضل
لولا أني يداي ترتعش كلما اصطدمت بالعالم
مآساة الدنيا أن كل جمال هش، وكل شجاع أرعن، كل ذكي واع بمحدوديته
كل لطيف سئ الحظ، وكل كريم لم يمتلك يومًا سوى حسرته
فغنوا لي
551 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
إلى أمي التي لم تغب يوماً
ملاكي الحارس. التي كانت الدنيا أقسى عليها من أن تعيشها فاصطفاها الله لتسبقنا إلى الجنة.. رحمك الله يا أمي وجمعنا بك في ظل عرشه.
 رحلتي يا أمي باكراً. لا أعاتبك ولكني أحكي لك عن الدنيا من حيث رأيتها وأراها من بعدك. لا أذكر مقدمات تلك الليلة ولكن ذاكرتي تنبعث تلك الليلة من اللحظة التي فزعنا من نومنا على صرخات شديدة وصخب مفزع كنت وأختي نائمين في سريري الصغير المواجه لباب الغرفة. طفل هش في السادسة من عمره. ضوء الصالة يشق ظلام الغرفة إلى أعيننا الناعسة. اعتدلنا من نومتنا وسندنا أظهرنا على ظهر السرير والتصقنا ببعضنا. -تيتا رجاء - أخت جدتي تصرخ ولا أحد يتمكن من إيقافها.. غفر الله لها. شديدة التطرف في الحزن والنحيب وكذلك الفرح. ولكن صراخها الذي استيقظت عليه ذلك وكأنه قد اجتز نصف طمأنينتي التي لازمتني في طفولتي. كنا لم ندرك بعد ماذا يحدث ولكن سمعنا أحدهم يتحدث على هاتف المنزل بجانب باب الغرفة مبلغاً " إكرام توفت. البقاء لله.. “نظرت وأختي لبعضنا البعض لم تكن حصيلتي اللغوية بعد قد احتوت على تلك الكلمة " توفت" ولكن الهرج الذي صحب اللحظات قد لقنني معناها. تعلمت معنى الوفاة في ميدانها وفي حضورها الطاغي..
 خرجت من غرفتي بجسدي الهزيل المرتعش. أمر بينهم إلى باب غرفة أمي نظرت جدتي رجاء وقالت شيء لا أذكره بحسرة وشفقة شديدة. لم أفهم ولم أعبأ لها. الكل لخرج من غرفة أمي وتدخل جدتي لأبي وبيدها قطع من القماش.. نظرت على سرير أمي فوجدتها ساكنة. ساكنة بلا تأوه قد اعتدت سماعة لسنوات كلما مررت بباب غرفتها. وأبي بجانب السرير على الأرض يحتضن يدها ويبكي ويقول لها " متسيبينيش يا إكرام". كانت مرتي الاولى التي أراه فيها يبكي. أبي مصدر القوة الأول ورب كوني الصغير يبكي! وقتها فقط بدأ مفهوم الموت يتشكل بداخلي ويكتسب معانه. " الموت أقوى من أبي" الذي ظننت أنه أقوى شيء في الكون. " الموت يُبكي أبي" الذي كان يمسح دموعي بيده فمن الآن يمسحها عنه. أنا؟! وكيف ذلك بتلك اليد الصغيرة.
 رحلتي باكراً جداً يا أمي. رحلتي قد أن تستكشفيني وتدركي عالمي الصغير. رحلتي وقد فوتي مشاركتي لكثير من لحظاتي الاولى. فوتي مرتي الاولى التي عدت فيها من المدرسة متعرضاً لتنمر حفنة من الأغبياء أقل مني سناً. كان أبي في العمل ويأتي بعد نومي. فم أجد من أبكي وهو يحتضني وأقول له قراري الانهزامي الأول " أنا مش هروح المدرسة المدرسة تاني.".
 فوتي أول ختمة قرآن لي في رمضان في ذلك العام الذي تفوقت فيه على أبي وأختي وختمته قبلهم. لم أفهم كلمة يا أمي ولكني متيقن أنك لو كنتي هناك لوضعتي لأجلستني أمامك وقرأتيه معي وبينتي لي.
فوتي أول عصفور أصطاده بفخي في الشرفة! وفوتني وأنا أُقبله واعتصره بين يدي ظناً مني ان هكذا تُحضن العصافير لنشعرها بالدفء والحب، كمان كنت أفتقر في تلك الايام لمن يفعلها معي- قبل ان أخرج به للشرفة لأعطيه حريته من جديد وأنا أعده اي سألتقطه غداً مرة اخرى لاحتضنه من جديد وأعطيه بعض الدفء.
فوتي أول مرة اكتشفت أني أصبحت أقوى من إسراء وأني أصبحت يمكنني الانقضاض دون أن تظفر مني بشيء. لا تقلقي لم أكن عنيفاً ولكن أحاول أن أعوض فيها بعض ما ألقاه في المدرسة من المتنمرون. لو كنتي هنا لكلمتني بحزم عن معنى الرجولة وأن قوة الرجل في رفقه وحنوه على أخته وأمه.
فوتي مرتي الأولى التي ألحظ فيها وجود بنات في الكون بخلاف أختي! سبحان الله أن يظهروا فجأة بين ليلة وضحاها بعدما كنت متجاهل وجودهم تماماً أصبحت اوليهم فضولاً تحول لاهتمام قبل أن يمر بأطواره المعهودة متحولاً بين طفولتي ومراهقتي وشبابي. تركتني يا امي أستكشف كل ذلك بمفردي. تركتني أتعلم بالتجربة والخطأ وقد كنت في غنى عن ذلك.
فوتي مرتي الأولى التي أكتشف فيها أني جيد جداً في الرياضيات! لكنتي فرحتي بي لإني قد ورثتها عنك. حكت لي خالتي كيف كنتي تستمتعين بحل المسائل المعقدة في بالرياضيات لساعات دون كلل وكأنهم تقرأين روايتك المفضلة. وكذلك فعلت لساعات لوددت لو شاركتني منها القليل.
فوتي مرتي الاولى التي اكتشفت فيها عالم الكتب. وقرات أول كتاب للرجل المستحيل وسمعت عن مسدسات الليزر والسيارات الصاروخية. وعن رفعت إسماعيل ذلك العجوز الهرم الذي استحوذ على نصف فضول طفولتي بقضاياه الحابسة للأنفاس. لوددت يا أمي لو عرفتك على كاتبي المفضل بإهدائك إحدى رواياته. اسمه أحمد خالد توفيق وله عليا الكثير منا لفضل يا أمي. لعلنا نلقاه في الجنة..
 فوتي الكثير جداً يا أمي وقد احتجت إليك في كل يوم عشته. في كل مسألة احترت فيها. في كل قضية شغلت فكري. في كل خصومة طفولية افتعلتها أو معركة واهية خضتها مع نفسي أو مع أي شخص. كنت ثائراً طوال مراهقتي. غاضباً بشدة حانق على كل شيء. كثير الانفعال والتوتر. كنت أملك ألف إجابة واهية حينها رداً على تصرفاتي ولكن كلها لم تكن الإجابة يا أمي. كنتي انت الإجابة يا أمي. كان غيابك الاجابة. لم أكن احتاج حينها سوى لحضن يخمد ثورتي. كنت ضائع وأبحث عن أي طيف لك حولي.
 لم احلم بكي من يوم رحلتي سوى مرة واحدة. تذكرينها؟ تلك الليلة التي نمت فيها باكياً فرايتك في الحلم. رأيتك أمي بهية خضراء. في فستان أبيض ملائكي. احتضنتني. لم نقل كلمة. فقط احتضنتني الحضن الذي لطالما احتجت له الف مرة في كل يوم. لم تقولي كلمة واحدة ولكن أقسم يا أمي. أقسم أن الحلم كان وكأنه حقيقة. شعرت بضمتك في حلمي وشممت رائحتك. ملأني حض��ك نوراً وسكينة لم أعهدها في تلك الفترة من حياتي. سكينة لم تزورني بعدها كثيراً..
 لم أعد أذكر الكثر من ذكرياتنا المشتركة يا أمي ولكن بحقك لم أترك يوماً كوب "شاي بلبن" لم أشربه وإن فقد كامل حرارته وتحول طعمه. بحقك لم أقص يوما أظافري ولم أغسل يدي بالماء الساخن والصابون جيداً. بحقك لا أخرج من منزلي شتاءً دون ارتداء "فانلة" داخلية. 
فانا أذكر جيدا كل يوم كنا نعود فيه من الحضانة ونجد إسراء قد خرجت صباحاً للحضانة دون أن تشرب الشاي بلبن فتحاولي معها " حرام نرميه يا إسراء إشربيه" فتقول " لا" فتنظري إلي ولا تتحدثي. فأرفعه دفعة واحدة. فتبتسمي فابتسم لك. هي تذكرين كم مرة تكرر ذلك الموقف؟ أتذكرين أني لم أخذل نظرتك يوماً؟ الآن فقط يمكنني أن أعترف أني لم أحب طعمه قط! كان أسوأ ما ينزل جوفي ولكن ابتسامتك لي لم تكن تُقاوم. ولأجلها لشربته كل يوم في عمري ولو كان مثلج.
 أذرك يوم نظرتي لي وقلتي " لما بنقص ضوافرنا بنغسل أدينا كويس بميه سخنه وبندخل الرغوة مكان الضوافر عشان ننضفها كويس". وبحقك لم أقصها يوماً إلا وفعلت كما قُلتي تماماً..
 رحمك الله يا أمي ورحم سيرتك العطرة. لم أقابل احداً عرفك في حياتك إلا وتحدث عنك وكأنك من أولياء الله. ليس لأنك أمي ولكن هكذا بلغوني عنك. بلغوني عن طيبة نفسيك وسماحتك. اقتسامك قليل ما معكي على شدة حاجتك له مع من حولك. حدثوني عن أقارب جدي وقد انقطع الرحم بينكم وبينهم لخلافات لا أعلم عنها شيء. كل ما أعلهم أن أحدهن قالت لي " أمك أيامها كلمتني وطيبت خاطري وانا مكنتش هدخل بيت جدك تاني وعشان خاطرها هي رحت". حدثوني عن علاقتك بالله وصلاتك بالليل.. أقسمت خالتي أن بعد وفاتك بيوم سمعت صوت نحيب من غرفتك في الوقت الذي اعتدي أن تصلي فيه قيام الليل وقالت "دي الملايكة كانت بتبكي عليها" كنت طفل ولم أبحث وراء القصة. لم أصدق ولم أكذب. ولكنها تليق بكِ أمي كما عهدتك وكما حُكي عنك. يليق ان يبكيك كل من عرفك.
 ربما هذه رسالتي الأولى لك أو عنك رسالتي التي لطالما قاومتها لسنوات عدة. ولكني قد ثقل بي الحمل ولا املك إلا أن أتخفف من بعضه حتى أستطع إكمال المسير. لعل الله يجمعنا قريباً برضاه يا امي. لعل الله يجمعنا قريباً يا حبيبتي الغائبة. يا من عشتي بداخلي أكثر من كل ممن عاشوا حولي.
أعدك سأكتب لك مراراً. وأملي في الله ان تصلك رسائلي.
 ابنك أحمد.
9 notes · View notes
hawary13 · 5 years
Text
فإنه ملاقيكم
   ماذا لو استيقظت في يوم عادي من تلك التي اعتدت أن تستهلكها غير مكترث. بنفس القدر-الهائل- من طول الأمل الزائف في البقاء فأُخبرت أنك الآن تعيش ربما الستة أشهر الأخيرة في عمرك حسب توقعات الطبيب والإحصاءات.. 
كم هو مباغت القدر! وكم نحن بلهاء في التعامل مع الدنيا وأقدارنا فيها..
نكبر يوماً بعد يوم. كل يرى نفسه كشخص استثنائي. ستكون بالتأكيد قصته مختلفة. يرى قصص من ماتوا وقد أخفقوا في اختبار الدنيا حين باغتتهم أقدراهم بانقضاء آجالهم ويتندر على حالهم ويتعجب. كيف فعلوا ذلك بأنفسهم! كيف عرفوا أنه امتحان وتركوا ورقتهم فارغه! بل وملأوا ورقتهم بإجابات خاطئة مدعين أنهم سيقومون بمسحها و تعديلها قبل نهاية الوقت. ثم يدير رأسه ويكمل استنزاف فرصه للنجاة ويكمل في إفساد ورقة امتحانه بإجابات لا تقل خطأ عن إجابات من تندر على حالهم من لحظات.. يفعل كما فعلوا فقط لأنه في داخله ظن أنه الاستثناء ولن يٌباغت كما بوغِتوا. ظن أن يعيش يوماً ما زائد وسيكون كافي لتوبة كاملة مما أسرف. لرجعة كاملة إلى الله كيفما أبتعد. ��إصلاح ما أفسد في الدنيا. ليصل ما قطع من أرحام. ليفتح مصحفاً هجره.
كل منا يظن أنه استثنائي فيما كتب له. استثنائي في حقه أن يعيش كيفما شاء ويتوب وقتما شاء ويأخذ حقه الكامل ووقته الكامل ليعود وقتما شاء.  ولكن أمام الموت؟ لا يريد أحد أن يعامل نفسه بنفس منطق الاستثناء. يظن الجميع أنه بين الجموع. فرد مختبئ وسط الحشود وينتمي للعوام الذين يشيخون. ممن يدفعون بخط متوسط الأعمار إلى الأعلى. الكل ينظر لأربعون أو خمسون سنة قادمة ليرى نفسه شيخ طائع. لا يريد ان ينظر أحد لعام قادم ويحدث نفسه أنه ربما يكون وقتها جيفة في قبر. لأنه ليس استثنائي في الموت ليموت مبكراً هكذا! لما هو بالتحديد يباغته الموت مبكراً؟ لما قد يترك المرض كل هؤلاء ويفتك به وحده دونهم؟ لما لا يكون هو الشخص التالي الذي يدخل سريره في ريعانه لينام وهو في كامل صحته ولا يستيقظ مرة أخرى.. 
ولنعود حيثما بدأنا. من قبض قلبه من فكرة أنه ربما يعيش الآن في الستة أشهر الأخيرة لأنها لن تكفي ما يريد أن يفعله فهو غافل طويل الأمل. 
"قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
3 notes · View notes
hawary13 · 6 years
Photo
Tumblr media Tumblr media
The collateral beauty - 2
0 notes
hawary13 · 6 years
Photo
Tumblr media
0 notes
hawary13 · 6 years
Photo
Tumblr media
0 notes