Tumgik
loayradwan · 2 months
Text
أخبرني معالج ذات مرة أني أملك عقلا جامحا، موتور عملاق، يقود جهازا عاطفيا هشّا، كسيارة فيورا! لم أقتنع حينها، ولكن علق في بالي المجاز.
الكتابة تتنافى مع انعدام وضوح الفكرة، وأعترف أني حاليا مشوش تماما، ولكن للمفارقة فإن التشويش كائن حي، حتى لو تضاربت ملامحه، كائن يريد أخيرا أن يعبر عن نفسه، وبالتالي، ولحسن الحظ، عني.
الكتابة تحلو بالمجازات، ولا أحمل في جعبتي أي مجاز، فقط أنا عقل يركض بجنون في اتجاه المغامرة، وعاطفة تحن بالكامل لتمام النقيض، للبيت.
الآن، أجلس أنا وعقلي نتشاور الأمر، لقد سافرت، تركت البيت، انصعت لسبّابة موتور عقلي التي لطالما اتهمتني بالتخاذل والجبن، ها قد فعلناها، والآن أشعر تماما بوطأة السفر، ووطأة الرحيل من المركز، الى هوامش المهاجرين في وطن غريب، ووطأة رجّة الفيورا العنيفة.
صوتان لا أتحملهم، دقات ساعة، وصوت خطوات أقدامي، وللغرابة في وطني لا أكاد أسمعهم، فضوضاء الوطن طاغية. تلك الأصوات الآن هي الأكثر ضجيجا، منبه للاستيقاظ صباحا بجوار السرير، وصوت أقدامي في إتجاه العمل، في شارع أخضر وصامت.
أحمد جاري العزيز، منذ عدة سنوات، ترك كل شئ، إتجه للشمال أيضا، وواجهني وجها لوجه، قال سأنساكم جميعا، أنت والبقية، سامحني، وبالفعل، قضى على كل طرق الاتصال، أرقام هاتف وبريده الإلكتروني وسوشيال ميديا. أحببته، وكرهت ما فعل، ولكن الآن ما يدور في بالي سؤال واحد تجاهه، لا كراهة ولا حب، ولكن، كيف فعلها؟ أين هو الآن؟ هل يعاني من صوت خطوات أقدامه في شوراع خضراء؟ أم أن هذه مشكلتي أنا فقط؟
الآن، وبعد خليط من الاكتئاب والقلق والغضب، أدركت كطفل أتعبه صراخه وطرق الأرض بقدميه، أنني في مواجهة مع أصوات أقدامي ودقات الساعة. إحدانا يجب أن يسامح الآخر.
7 notes · View notes
loayradwan · 2 months
Text
كنت أشاهد فيلم (ضد الحكومة)، في خلفية مشهد من الفيلم يصدح صوت علي الحجار (وحغني الليلة ليكي) تنتابني موجة دفء مباغتة وقشعريرة حنونة، لطالما كانت الأغاني والروائح من أزمنة بريئة مرت، لها جبروت ثقب أسود، يسحب المشاعر..
اتذكر صديق سلوفيني تعرفت عليه في أحد المناسبات، وهو يمزح معي بعد سماعي وأنا أرسل رسالة صوتية بالعربية، قائلا أنك عندما تتحدث بلغتك فكأنك تقول (شاخ هاخ باخ .. ) ذلك انطباعه السمعي للغتي...
استرجع بالأغنية ذكرى مشوشة، شمس الوطن تنساب من النافذة، تتكسر على أهداب الستائر فتتبعثر في أشعة متناثرة مرتبة، وأنا طفلا، وأمي في الجوار من حجرة لحجرة لتوضيب البيت، بيت اعتاد تشغيل هذه الأغنية...
أتأمل في ذكرياتي، في علي الحجار، وأحمد زكي، في ألوان التسعينات المبهرجة، وأفلام عاطف الطيب، كل هذا يا صديقي في العالم الواسع هو مجرد (شاخ هاخ باخ...)
العالم واسع جدا، واسع لدرجة الاستفزاز، إتساعه يمنح بسخاء فرص المغامرة، والتهديد أحيانا أكثر..
"وحغني حغني الليله ليكي.. علشان ضحكة عنيكي اااه عنيكي عنيكي"
كل ملاحمك، كل عواصف مشاعرك وذكرياتك، هي ذرة رمل في الكون الشاسع، كل ألمك وزهوة انتصاراتك هي أشياء للأسف لا تكاد ترى..
التواضع درس نأخذه من العالم الفسيح، ولكنه شديد الصعوبة، في أنفس فُطرت أن تكون في المركز كي تتزن. والمراكز بالملايين.
احتضن مركزي الصغير، وذكرياتي، وعلي الحجار (والهاخ شاخ باخ) ليس لتفرّد فيهم، ولكن لادراكي الحزين أني أحتاج الى أعمار إضافية لكي أجد مركز آخر... إذن فعناقنا حتمي.
8 notes · View notes
loayradwan · 6 months
Text
أذهب الى الچيم في مدينتي هذه الأيام، چيم يقع في منطقة هادئة في المدينة الألمانية التي أقطن بها حديثا. لا صوت إلا صوت الماكينات، الكل يتمرن بجدية لافتة للنظر، أحدق في من حولي ولا ينظروا لي، استنتج أنني حتى لو طلبت المساعدة في الأوزان كما في عُرف الچيم في مصر فسيُعتبر هذا غريبا، فأصمت أنا أيضا بدوري!
*******
يحتاج الصوت الى وسَط حتى ينتقل، كلما زادت كثافة الوسط انتقل الصوت أسرع وأقوى..
*******
أحيانا، حينما أعجز عن التعبير عن شعور ما، ينتقل عقلي تلقائيا لقواعد فيزيائية مرت عليّ، ربما لأني هضمت الفيزياء خلال غزلها في قصص وتخيلات، على طريقتي الخاصة، فهضمتها وأحببتها. لم أحب المسائل قط، فقط القواعد الصارمة.
سافرت الى الشمال، بحثا عن وطن ومدينة، لأمد جذور جديدة فيها. وحتى الآن لم أجد إلا أصوات الماكينات.
في بلادنا، تزداد كثافة الوسط، يحيط بك الناس حتى الاختناق، تزداد الكثافة فتزداد الأصوات والضوضاء قوة، فتتشتت الأفكار، مظلمة كانت أو مضيئة.
حتى لو تمرّنت جيدا، ستجد من يصحح لك حتى وإن لم تطلب، مساعدة مصحوبة بالمزاح والملاطفة أحيانا كثيرة. لكن في الشمال البارد الحُر، لن يراك أحد أصلا.
لطالما أدركت أن الحرية تتطلب ضوضاء أخفض، ولكن لم أدرك الضريبة.
أتمرن هذه الأيام على ذلك الفراغ الفضائي ذو الصوت الخفيض، أحاول التأقلم، كرائد فضاء مُبتدأ في أول مهمة حرة له، في الا جاذبية، والا وسَط، في الفضاء الحُر، ذو الصمت المُقبض.
6 notes · View notes
loayradwan · 1 year
Text
يعرف مشمش مواعيد رجوعي من المقهى، سواء أنا أو أخي، بمجرد سماعه لوقع خطواتي، او صوت مفاتيحي وهي تخرج من جيبي، يهرول "مشمش" لي. يسير بجوار قدماي، ويتمسح فيهما، أداعب رأسه وأفركها.
مشمش قط شارع، مشمشي اللون، متناسق البنية، كثيف الشعر، تنبئ هيئته البهية بأنه إبن ناس سابق.
أحيانا أفكر، أني أريد أن تدوم مشاويري للمقهى، وخطوات رجوعي من هناك، وأن يدوم استقبال مشمش لي على مدخل العمارة. أحيانا أفكر، أني أريد أن أكون مثل (ناكاتا) في رواية كافكا على الشاطئ، وأن اتحدث بلغة القطط، فنتبادل الحديث أنا ومشمش، أعتذر منه لعدم استطاعتي أن آخذه معي للبيت نظرا لتزمت أمي مع الحيوانات، وأشكو له من حيرتي مع حبيبة، ويشتكي لي قسوة البرد، فأحسده على تعدد زوجاته وحرية ممارسة الجنس معهن تحت السيارات، وأطلب منه ألا يصرح بأفكاري تلك للعلن، فيطلب مني لانشون في المقابل.
أحيانا، أريد أن تدوم الأشياء والمشاوير.
وأحيانا أخرى، أرى في الاستدامة معنى البؤس ومحدودية الحيلة.
يرتبط المقهى بالدوام، المقهى هو الاستدامة، ترى فيه نفس الوجوه، في نفس المواعيد، بنفس الألعاب والقفشات، كل يوم.
كان صديق لي دوما تلازمه تلك الجملة حين أخبره اننا يمكن أن نمارس نشاطا اخر غير الجلوس في المقهى "طب متيجي نكلم فلان"، "طب متيجي نروح المكان العلاني" دوما كان يرمقني بنظرة كسولة قائلا " بطل فرك" ثم يسحب نفسا عميقا من الشيشة، مثنيا ككل مرة على حجر الخوخ وكأنها اول مرة.
يعتقد الرواقيون أن السعادة تكمن في خفض سقف توقعاتك، ويرى الأبيقوريين أن السعادة في اللذة، أما أنا فأعتقد أن جزءا كبيرا من السعادة، يعتمد على درجة إخضرار العشب في الضفة الأخرى. يقول المثل؛ العشب يبدو أكثر إخضرارا على الضفة الأخرى. أي أن ما يكون بعيد عن منالنا، وما فاتنا، في نظرنا أجمل مما في أيدينا، وكلما زاد الخضار في عيون المرء زاد (فركه).
أقول هذا مذكرا نفسي، بأني أحب المقهى واستدامته وصحبته ومشمش، بيد أني، وللأسف، لم اتوقف يوما عن الفرك، باحثا عن كنز، في نهاية قوس قزح سرمدي.
#مشمش
13 notes · View notes
loayradwan · 1 year
Text
لا أعرف تحديدا عما يبحث هؤلاء الصغار بين الصخور. أجلس الآن بجوارهم على البلوكات في سبورتنج.
للمفارقة تصنع البلوكات الصناعية مغارات ومخابئ تبدوا طبيعية، محفزة على البحث عن كنز قديم قدم الزمن.
في الإعدادية، كان لدينا مدرس حالم، ذو شعر رمادي كثيف يبعث على نوستالجيا ما، حكى لنا في حصة فارغة لمادة غاب مدرسها، حكاية يسبقها ضبطه لنظارته وقلب للديسك ليبقى في مواجهتنا وهندمة سريعة لشعره القديم، وبنبرة هادئة كانت تحفز مراكز السخرية في الأغلبية في سننا المتمرد، حكى أنه وبينما يمشي بين الصخور في منطقة قلعة قايتباي، وكان في مثل عمرنا، شاردا حزينا بسبب درجاته في امتحانات الشهر، يتسكع لتأجيل مواجهة مع الوالدين، وإذ به يلمح لمعان بين الصخور، ساعده جسمه الضئيل آنذاك في مناورة ضيق المساحة حتى وصل، عدل نظارته من جديد كفاصل يزيد شهوة السامعين ثم أكمل، قبض على اللمعان وسحبه بشدة، فما كان إلا مقبض سيف قد اهترأ، وقد بقى منه مقبض مرصع بحجر كريم أخضر كبير. لم يكن يدري صاحبنا ماذا سيفعل بالسيف، فعرضه على بائع روبابيكيا قريب من المنزل فأخذه بثمن بخس، والآن يفكر معنا المدرس، يسترجع الذكرى ويتسائل معنا بصوت عال، هل كان كنزا حقا؟ ولو كان كنزا، لم تأتي الكنوز ونحن غير مستعدين لفهمها! ألا يدعوا ذلك للحسرة!
أتذكر الحكاية وأنا أتأمل الأطفال، حتى ولو كانت كذبة مدرس يشعر بالضجر.
الأطفال يحملون إيمانا قويا بوجود كنز ما، حتى ولو بين ��لوكات صناعية، حتى لو بين قلاع من الوسائد يشكلونها في غرف نومهم. أما الكبار، فأكثرهم لا ينظرون بين الشقوق، منشغلين في السير لأهداف ملّوها وملّتهم، أو من هم مثلي، من يسيرون بعين الى الأمام وعين في الأسفل، يحملون بين ضلوعهم إيمان هزيل بكنز ما، كنز يعيد لنا طفولتنا وعالمنا السحري المسلوب، إيمان يكاد يهوى كفتيل مرهق، ويحملون في نفس الوقت، خوفا مضنيا من السقوط، وخوفا من إهمال كنز نمر فوقه من دون فهم.
19 notes · View notes
loayradwan · 1 year
Text
غالبا ما أستخدم العقل كرجل إطفاء، مشاعري تشبه حرائق الغابات تؤتي على الأخضر من مستصغر الشرر..
يكافح عقلي نوعيات معروفة من المشاعر لا قِبل لي بها، أولها الحنين والحسرة.
أشاهد في التلفزيون برنامجا يلقي الضوء على اختفاء غابات صينية، ولأني أحب الطبيعة والحيوان أتحسر، والحسرة تشبه قرصة لعينة حتى لو صغرت، حتى ولو كانت حزنا على حيوان بعيد ف الصين، قرصة صغيرة مؤلمة كقرص الأمهات للأولاد أثناء المذاكرة.
أمر في مدينتي على آثار غمرها التطوير الهمجي فأتحسر، قرصة لمساحة أكبر في قلبي، يتبعها حنين لمدينة أحببتها بشدة وأحبتني وهدهدتني على شوارعها ووعدتني بغد أكثر حميمة. وهنا يأتي عقلي، رجل المطافئ ويذكِّرني، عشت ٣٦ عام، ويتبقى لي في المتوسط ٣٥ أخرى، وبعدها سأفنى ولن أتذكر أي شئ، لا المدينة، ولا حيوانات الصين.
يعزف أبي كل يوم أمام التلفزيون في تجمعنا العائلي على ربابة النوستالجيا، منذ صغري وأنا أسمع أنغامه الحزينة، لم يكن يدرك أن تمريناته الروتينية تلك كانت تضربني بصدق، حتى وإن كنت لا أفهمها بالكامل، الحنين لعبد الناصر، وحليم، و"بيت ستك قبل ما يبقى تحته زريبة المحلات دي" والشوارع النظيفة. لم يكن هناك سبيلا سوى تحمل تلك اللوعة، حتى جاء عقلي مبكرا بفكرة أن كل زمان فيه حلوه ومره، أفادتني القراءة في معرفة تلك البديهية، وكل زمان يحفل ب بلاه فلا داعي للألم، والحياة ميلاد وفناء، وما اختفى سيولد ما يليه. تهدئني تلك الفكرة، تضفي علي قسوة تجاه قرص الحنين تجاه الناس والأشياء.
ولكن الآن وأنا في شرفة بيتي محدقا في الشارع، أتذكر تماما أن في ذلك الشارع كان أطفال كثر يلعبون، كانت منطقتي جديدة، تحفل بالأسر جديدة السكن، وحديثة الأطفال. ولذا نشأت وسط شوارع تذخر بالأطفال واللعب والضحكات والصراخ. شاخت منطقتي، كبر الأطفال والأجيال التي تلتهم، والشارع الصامت يقف أمامي متحديا، مشيرا لي بأن لا، فهناك أشياء تموت، للأبد.
11 notes · View notes
loayradwan · 1 year
Text
علمت صغيرا من الروايات والأفلام أن هناك شئ يرتبط بالأديان أحيانا وبالفن حينا يُدعى الخلاص..
هناك بعض الأشياء لا يُدرَك كنهها في الصغر، ومع العمر ورحيل المسليات وهبوب صمت السنين لا تُدرَك أيضا، ولكن بالإمكان تحسس معناها شيئا فشيئا في ظلام الوجود. لا سبيل لقبضة على عنق المعنى، ولكن بالكاد يَبزُغ تخيل ما يتم ثَقْلَه ببطء، منها معنى الخلاص.
أدعي ومع مرور السنين أني أتحسس معنى للخلاص والتوق فيه، تحسس كفيف يئن تحت ثقل وجودي لا يدركه كلية.
وكالمعاني الدينية التي لا تدرك إلّا بتأثيرها أو ما يرتبط بها من أفعال، يتجلى لي التوق في الخلاص حينما يستبد بيا الملل، حينما أفقد الرغبة في فعل أي شئ، وحينما أحدق في طائر على حافة الشرفة متخيلا بطيف حالم، وبحسرة، أني سأطير مطاردا له حين يجفل، وحينما أبحث بلا جدوى عن جملة في رواية عريضة، جملة تقطر عذوبة لأرتوي بعدها أبدا، ويتجلى أيضا في سأم انتظار لشئ لا أعرف ماهيته.
يتجلى لي ذلك التوق في إلصاق معانٍ لأشياء ليست ذات معنى، فهناك أناس ينتظرون باصاتهم في الصباح، أراهم يوميا أثناء انتظاري لباص العمل، سيدة سمراء ممتلئة الجسد يبدو عليها التوتر على الدوام، وصبية نحيلة أراها منذ سنين وقد زاد طولها بشكل لافت هذا العام، ورجلان أربعينيان ينتظرون في سيارة رمادية زميل لهم في نفس العمر، وأفتقد فتاة عشرينية ذات جمال باهر كانت تنتظر أيضا على الناصية ولكنها اختفت هذا العام. على الأغلب لا ينتبه كل هؤلاء للرابطة بيننا، ولكني انتبه، وأتخيل بطيف خيال طفولي أننا سنلتقي يوما ما، لقاء نجد فيه معنى لتلك المصادفة النادرة، وليست نادرة، علنا نجد في ذلك المعنى خلاصا ما.
في نهاية اليوم، وكل يوم، أغادر الباص بجوار بيتي، أقابل في طريقي للبيت جارا عجوزا، أكل الخَرَف عليه وشرب، أتهرب منه على الدوام تجنبا لنصائح ينهرني بها حينما يراني " بطل سجاير" " البس تقيل" عاذرا إياه لحالته الذهنية. ومنذ عدة أيام رأيته، وحينما شرعت في التهرب وجدته لا يأبه بي، يحملق في زهرة في حديقة عمارة مجاورة، وينتقل الى ما بعدها وما بعدها، مبعثر الشعر والهندام، وقفت بإزاءه مبتسما، متمنيا أن ينتبه لي، أن يمارس غلاسته المعتادة علي، ولكن بلا جدوى، وحينها اتجهت الى مدخل عمارتنا وأنا أئِن من ذلك الثقل الغامض، رانياً الى خلاصِ يتجلى في مشهد لأي طائر على وشك الإقلاع بلا وِجهة.
9 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
أذكر حتى الآن مشاويرنا مع أبي، وأغاني حليم الوطنية في الخلفية تصدح من كاسيت سيارتنا ال ١٢٨ اللّبني الصغيرة.
كان هناك تفاعلا حديثا يضطرم بيننا وبين أبي. كان هو ناصريا على الدوام، وكنا صغارا لا نفقه عن الموضوع شيئا ولا نهتم، ولكن في الاعدادية، بدأنا نسأل، فانهال علينا فيضانات من ذكرى المغدور، الذي قتلناه، عبد الناصر، والذي تكالب العالم عليه، ناصر يا حرية ناصر يا وطنية، وهرع أبي على منفذ صوت القاهرة وجلب العديد من الشرائط لأغانٍ كان يحن اليها من الأساس، وشغفنا النامي دفعه لجلبها...
ال ١٢٨ تسير على مهل وتؤدة، وصوت الكاست ليس على يرام، ولكن لا يهم، فحين يصيح حليم في غنوة فوازير: " جدي نشاها بإيده بناها لكن راح ف ترابها مجاش" نعرف على الفور أنه يتحدث عن القناة، ويستطرد "لكن ابويا مورثهاش" وتسكت الأجيال حتى دور جيل ناصر، وجيل أبي بالضرورة، برغم فارق السن والجيل بينهم أصلا، لكني اعتبرتهم واحد، فيستتبع في الغنوة "انا جه دوري مع الحرية دم الثورة جري ف ايديه" فأتخيل بحسرة رجلا صعيدي يشبه جدي ممسكا معولا ويُضرَب، وبعد الحسرة يأتي العوض في إبن ثائر.
بطفولة أقول لا يهم، فقد أخذنا القناة في النهاية، وانتصرنا في النهاية بعد نكسة، تاب فيها الزعيم وأصلح وأزال آثار العدوان.. فتستحيل ال ١٢٨، الى عالم صغير، نتوحد فيه مع أبانا وعبد الناصر، يغني حليم، ويعلق أبي في الخلفية، ذاكرا مؤلفين الكلمات وقصص الستينات فرحا بدور جديد لطالما انتظره. نتوحد في غنوة جنائزية ترثي الحسين، الحسين الخاص بنا، وترثي الخير والشجاعة، التي ستعود يوما ما في ناصر جديد، بشرط أن نبقى على العهد، وأخاف من أي تخيل آخر، نقد ربما، سيهز صورة عبد الناصر، وصورة أبي بالتبعية... خوفا لم يستمر.
تذكرت تلك الأيام حينما كنت في الحمام الذي يطلق المواهب، وغنيت بحماس رغم اكتئاب ينهش في لحمي هذه الأيام مقطع أحبه من أغنية بستان الاشتراكية، حيث يصدح حليم بمباهاة وزهو بنا في حضرة أبانا " أمة أبطال، علماء، وعمال، ومعاااانا جماااال بنغني غنوة فرايحية" تألمت أولا لتخيل أن يعرف حليم ما اصاب اغنيته من نشاز مهين في "جمااال" من حنجرتي، ولكني ابتسمت بعدها في المرآة، ابتسامة حنين، لحكايات أبي، حنين جارف للإيمان المطلق في حكاياته، وللإيمان الوردي في وجود خير مطلق، ولصوت عبد الناصر، ولل ١٢٨ اللّبني التي تسير بمهل وتؤدة، متجاهلة الشارع السريع، ذو الحقائق الخشنة.
8 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
منذ قليل رأيت الميس التي درستلي منذ عشرين عاما ونيف، كانت تستظل من صهد اليوم تحت تندة شرفة، تمسك المحمول بيد وبسبابة اليد الأخرى تطبع على شاشته، نفس تعامل الكبار الحذر مع المحمول، أعرفه جيدا، بيد أنها لم تمد نظارتها لحافة أنفها مثلما يفعل أبي.
أسعفتني المسافة الفاصلة بيننا في تفحصها جيدا أثناء تقدمي، هندامها وقوامها لم يختلفا كثيرا، وقد يكون جَري الدهر عليها أصاب مشيتها التي لم أرها، تركيزها في المحمول من جانب ونظارتي الشمسية كبيرة من جانب آخر أتاحا ليا التفكر في تحيتها أو تجاهلها بتؤدة وراحة. في حالة التحية سأذكرها بنفسي، يقينا لن تتذكرني، سأقول لها أنا فلان يا ميس، كنت من الشطار في مجموعتك، وأنا أفضل كثيرا الآن في الأنجليزية، بل أنني تحادثت ومازحت بها الأجانب، وضحكوا! ذلك الرطن الذي درسناه وإن لم يكن الأفضل نطقا ولكنه حق، إت ووركس!
ورغم تقليبي لفكرة التحية يمنة ويسارا، آثرت التجاهل، فمررت بمحازاتها لأرى تجاعيد الزمن على الوجنة المقابلة. من جهة شعرت بمزية شبابي بالمقارنة، وفي نفس الوقت وجوما، فكلانا نتصادف في نفس المنطقة التي شهدت خطواتنا الحثيثة، منذ عشرين عاما وأكثر.
منذ عشرين عام، كان جل ما أعرف، أن حياتي ستحمل من الإثارة ما يستحيل معه مصادفة مدرس في نفس المكان، يكتب على محموله بحذر كهولي!
ربما بالطبيعة البشرية، أو بسجية مكتسبة، نشعر بانتماء لعالم آخر، عالم أكثر اثارة وتشويق سنلتحق به عاجلا أم آجلا عندما نكبر، ربما مرد كل الجِنان في كل العقائد منذ القدم كانت بفعل تلك الطبيعة النفسية العجيبة، أو ربما بفعل ما قرأته في سني الصغير من قصص المغامرات والسفر، لا أدري. ولكني أدرك ما تتركه تلك الفكرة فيّ من وجوم، خاصة في مواقف مثل تلك، مواقف تشير لي بسبابتها قائلة بوضوح أن كتاب حياتك المثير الموعود قد أوشك على الانتهاء، بلا أثر يستحق أوراقه، كتاب عادي. فأعود مذكرا نفسي في هجمة مرتدة، أن أسعد لحظاتي، كانت بصحبة رفاقي القدامى، أثناء طوافنا في شوارع الصبا، أو مقاهي عرفناها منذ بدأنا الجلوس كبالغين فرحين بالاعتراف، متلذذين بلَوْك أحداثا مضحكة قديمة وإيفيهات مملة، ربما زاد من لذتها عاديتها وتكرار تناولها، كبرواز صورة قديمة نعتز بنفض التراب عنها، مهما اصفرت أو سخفت فيها ملابسنا وهيئاتنا بحكم الزمن، وحالما رنونا اليها يغمرنا أمان غامض، ووعد مطمئن من العالم بعدم الأذية.
6 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
أذكر أن قلبي، من فرط الضحك، وصل للإنهاك وأنا أستمع وبقية الاصدقاء في حجرة مزدحمة ببيت شباب بورسعيد الى صديقنا محمود الذي كان بعبقرية يرتجل للتو قصة عن سندريلا من خياله، حيث أن السندريلا حضرت الحفل، وبعد سلسلة من المغامرات الجنسية الفجة والساذجة سذاجة تليق بثانوية في آن واحد، غادرت بعجلة، مسق��ة منها (الأولوزاية السحرية) فبحث الأمير عن ذلك المقاس من الفوط الصحية في جميع بنات البلد.
كانت الدعابات في تلك الفترة لا أمتلك زمامها، فدعاباتي في الأغلب هي تركيز على التناقضات المنطقية، أما الثانوية فكانت فترة الفجاجة وقلة الادب والدعابة الكاريكاتيرية الفارس التي تفتقر لأي مظهر من الذكاء، ولكنها كانت تحتاج رجالا كوميديين يستحقوا الكتابة عنهم.
لم تكن تلك الفترة تخلوا من منغصات بالعكس تماما، فعندما يدخل الفصل صديقي أحمد قبل الحصة الأولى، رافعا قميصه الأزرق المدرسي الكالح، فنرى صفا من سيديهات البورن الملونة بين وسطه وحزامه كحزام ناسف، معلنا ان الجزء الجديد من فيلم بورن شهير قد نزل، هازّا وسطه مطبلا على السيديهات التي تغطي كرش لا بأس به، فتتعالى صيحات الفرح والضحك وتنهال عليه طلبات الشراء في ظل بطء الانترنت أيامها، وصيحات أحمد بأن "كله حياخد" . كان ذلك المشهد بمثابة افتتاحية لليوم أضحك عليها حتى الآن، ولكن ما إن تلبث الحصص في التوالي، مذكرة إيانا بأننا في سنين مصيرية، وأننا نكتب مستقبلنا الآن، والى كل ذلك الكلام الذي أصابني بعسر من الهضم والإسهال، محدثا خللا في نوبات قلقي الى الآن.. كانت محفزات القلق أحيانا تأتي على هيئة مدرسين كاريكوتيريين أيضا، فمدرس الايطالية كان يحثنا على الأهتمام بتلك اللغه الأندريتيد، فا "مولتو" مثلا كلمة ايطالية و "بيتزا" أيضا، كان جوعانا على الأرجح، ننتهي من درسه فيذكرنا مدرس الفيزياء بفم رطب على الدوام، ولعاب كلاشينكوفي كنا نتحاشاه "انك حافض يا ريس حتتحل، مش حافض مش حتحل" نعم بالضاد.. حافض هكذا..
تمنيت كثيرا بندم، لو كنت أطلقت العنان لنفسي لتلك البهرجة الكوميدية، لو كنت تركت نفسي للتيار، واستمتعت بفترة لن تتكرر، بدلا من قلقي الدائم أيامها، فيرد الجزء الحازم بباطني أنه لولا القلق ما كنت تفوقت! والى الآن يتبادل الصوتان جدالهما المحير في أي مرحلة من عمري، الى الآن... أيهما الصحيح! لا أدري.
أمر بمدرستي حتى الآن، أسترق النظر للمبني من الخارج راصدا مكان فصلي، أقول ��ي نفسي "كنا هنا" تلك الدعابات والضحكات والشجارات أصبحت نسيا منسيا، تعيش في ذاكرتي فقط، ولا أعرف لم يترك فيا ذلك أثرا حزينا، بيد أن تلك الحساسية طبعت فيّ أيضا تقدير اللحظات، لأضحك وأرقص وأغني في لحظات الفرح في عرفان وتقدير، لإدراكي بأني سأمر يوما على أماكن تحوي أشباحا لمن أحببت مؤانستهم، فيرتسمون على وجهي بهيئة ابتسامة تأبى نسيانهم.
6 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
كان العالم وكأنه باص عملاق قد توقف فجأة في منتصف طريق قفط-قنا غير المطروق، هكذا وصفت لصديقي في المقهى احساسي ناحية عام الوباء ٢٠٢٠..
توقف الباص العملاق، وتفاعل الناس بتباينات حادة، منهم من التزم بمقعده هلعا من قطاع الطرق والموت ملتزما بالحذافير لتعليمات السائق، ومنهم من نزل ليتبول ويدخن ويتسامر مرحبا بتلك الهدنة، ومنهم من نزل ليساعد في إصلاح الباص، ومنهم من طفق يتردد في جنبات الباص بارتباك شديد مسترقا السمع لأي خبر يشي بانتهاء ذلك الظرف الغير مفهوم، وأنا كنت منهم.
يقول المخرج وودي آلان في فيديو قصير حينما سأل عن دافعه للفن، أن الدافع بسيط، ألا وهو إلهائه فقط عن وعيه، فهو يعي أنه فان، وأنه سيضمر مع الأيام، فاقدا من حوله عاجلا أم آجلا، كذرة تراب تافهة، بمشاعره وخبراته والخ الخ. ليس ذلك بجديد على العموم، ولكن اللافت كان بساطة الدافع، وقوته في آن واحد، الإلهاء.
كان توقف الباص بالنسبة لي، هو فقدان أي عنصر من عناصر الإلهاء تلك. كان الصمت الثقيل المرادف لصمت محركه، هو مواجهة خشنة مع ذلك الوعي، مواجهة تشبه لحظات الصمت المطبق أثناء جلوسك على الكابينيه البارد صباحا قبل العمل، متفكرا في سنين مرت وأنت تعمل نفس الأشياء، وسنين ستمر لتكررها بعد أن تخرج من الحمام مضطرا، ولا بأس من صوت طرقات تساقط نقاط من صنبور سائب بجوارك، لتعطيك إحساس سأم الثوان والزمن واللا معنى.
يوصينا الرسول الكريم، بأن نغرس فسيلة في الأرض حتى ولو كانت الساعة تقوم. لم أفهم من الحديث منذ أن سمعته وعدا بمكافأة أخروية، ولكني فهمت أنه دعوة للتمرد على مسار نهر الزمن وقوانين العالم، ذلك ما فهمته، وذكائي على العموم مشكوك فيه، ولكني أحببت ذلك الفهم. ولكني أعترف هنا، أني لم أستطع غرس أي فسيلة في ذلك العام، لم أقرأ سطرا أو أخط حرفا، وبرغم من ادراكي، اني سأواجه الموت بصدر عار إن أتى، معنونا نفسي بأني من هؤلاء الذين سيتمردون بقوة على تعليمات السائق، وأي سائق، إلا أنني في نفس الوقت لم أغرس فسيلة، أي فسيلة، في وقت المحك، فأين التمرد المُتدعى!
على العموم، سأضيف هذا التناقض معزيا نفسي، على رف تناقضات قد اتسع، مدركا أنه مع العمر وعلى عكس ما ظننت، أضيف لنفسي فهما، ليس لها، ولكن لعنواين تناقضات شتى في ذاتي، رأيتها رأى العين، وسأراها، ضاربا كف على كف في دهشة مستمرة.
5 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
كل أقرانه كانوا يشكون في نهاية الرحلات العائلية سأم البيت والمذاكرة والمدارس، أما هو فقد شكى أمه مرارا أمرا لا يعرف كنهه، لأنه سيودع من رافقهم، من ارتبط بهم بحدوتة طريفة، أو ضحكة حميمية، أو ملاطفة من إحدى أمهات الأطفال في الرحلة. كان كل ذلك كافي تماما لإشباع الغلام الصغير بمشاعر تضطرم بتكاثف مظلم كلما غادر رفاق الرحلة الواحد تلو الآخر من الباص، وهو يقترب للمنزل، ملتفتا لأمه المشغولة في القراءة أو أبوه النائم. كان ما يؤلمه هو عدم القدرة على التعبير لأمه عما يعتمل في صدره من قلق مؤلم، أو ألم قلق، تعبير عن شئ عرفه بعد سنوات طويلة.
حسنا، وجدت تلك نقطة مبدأية لحياكة بطل قصة، ولأني عاجز حتى اللحظة عن تأليف حبكة، فوجدت التحايل مهربا، كتلميذ يعجز عن المذاكرة فيعمل على ترتيب المكتب تحضيرا لعزم مذاكرة لن تأت في الأغلب، فسأحيك الأبطال على الأقل.
بطلنا، وإن كان قد ظن في السابق أنه قد كبر وتجاوز تلك الرهافة الطفولية، إلا أنه يستعيد تلك الرعدة الباردة في أوصاله كلما تصفح من مروا عليه وغادروا في ملفات الصور في محموله، يحتفظ بالصور لأنها تاريخه، ولكن مرور كل صورة هو كحد الموسى، عبور شخص في حياته هو مغادرة أم أو طفل كان معه في الرحلة ونزوله من الباص. فيثور السؤال كالحمض في المرئ، أن أمي، ما الجدوى من كل ذلك، ما المعنى؟بطلنا صغيرا، كان يجمع النمل، في طقس تعذيبي، في علبة بلاستيكية، يفتح العلبة كل حين لكي يرى خيطا من النمل على جدار العلبة الأملس، نمل يسند إحدهم على من بأسفل، ويتخيل، أنهم في ذلك المأزق، يتفاهمون، ويتعاضدون، ويعدون أنفسهم بصداقة أبدية، يتشاركون الغضب على من وضعهم في ذلك المازق.. تلك اللعبة والخيال المصاحب كان يضفي على الوجود معنى، بالرغم من جهله بكنهه..
كقراء، يمكننا تخيل بطل غاضب، وتلك حقيقة، يبحث عن المعنى وسط ركام وجودي جاف، يرى في الألم المشترك بلسما مسكنا، إن وجد، لأن أغلب الناس لا يدركونه. ويمكننا تخيل زهدا في المتع والطموح للمجد، وذلك ما ظنه، ولكن على العكس تماما. حين إدراكك التام بقصر عمر مأدبة، وحتى إن خلت من معنى لإنك ستجوع ثانية، ولكن ستنطلق كخنزير نهم في دروبها، ربما أكثر من الغير، وسيحتد احساس المسئولية لديك كطرف سكين حاد ، دافعا إياك للتجربة، قبل احتراقك كشهاب هالك، وسط بلادة الحواس المحيطة التي تشك في الهلاك، أو لا تعرف كنهه تحديدا، تجارب تنتهي، مفسحة المجال لتجارب أخرى، تاركة مرارة غاضبة بانعدام المعنى، وهكذا دواليك.
ربما من هنا، يمكن أن نضع هذا البطل في حبكة قصة، ربما أنجح يوما ما.
4 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
بعد الانتهاء من عشرميت متر سباحة، في أول يوم تمرين بعد سنين عديدة من التوقف، أتشبث بحافة حمام السباحة، ألهث ككلب محتضر هواءا ودما ودموعا من فرط التعب. ترتسم في خيالي، يافطة كملصقات أمن صناعي في مفاعل نووي، مفادها أن قدراتي بدنيا لم تعد كما كانت، وأن النَفَس قصُر وإجهاد العضلات يسبب حرقة لاذعة... ولكن ومع ذلك، وفي تلك اللحظة تحديدا، كنت سعيدا من أعماق قلبي. مع كر الأيام تعز تلك اللحظات وتندر، تود لو تضمها، وتخفيها عن العيون كطفل وليد، تملي عيونك في ملامحه، بلا سبب واضح، والندرة تكفي عموما للتفرس في الأشياء..
تذهب العقول في هذه الأثناء لسؤال مفاده لم أضعنا وقتنا الفائت؟ لم لم نغتنم فرصا مفرحة بسيطة ومتاحة؟ تلك المناسبات في العموم تشغّل العقل بأقصى طاقة كلسعة سوط نحو كل الأشياء التي أحببناها ولكنا زهدنا، وتستحيل السعادة حسرة في التو، فخ الندم السرمدي..
في الواقع، أنا أعلم جيدا أن هناك أكاديميات للسباحة، وأنه يسعني ماديا أن التحق بإحداها، ولم أشرع في ذلك مطلقا، حتى مررت مصادفة بحمام سباحة في زيارة لناد وحينها سال لعابي!
ما أود قوله، أن العالم يكشف بفظاظة تلك الحقيقة، أن الأسهل هو وجود ما يسعدك، والأصعب هو تفعيل الرغبة. تحقيق الشئ تحت سيطرتك ولو بعد حين، وأما رغبتك فيه فلا سبيل لك عليها مطلقا. يصر العالم أن يعاملك بخفة مهينة وعقلك يأبى عبثا إلا أن يسيطر. أعلم أنها فكرة كليشيهية بعض الشئ، ولكن ما استدركني هو هشاشة وغرابة وعشوائية ما يشعل فينا الرغبة، ومدى بؤسنا نحن الموجودين في تلك المسرحية، من رغبة قد تشتعل في وقت خاطئ. بيد أنه وما إن تكتمل الشروط كمعادلة كيميائية، تنطلق يوفوريا، أحتضنها الآن، كاحتضاني لطفل بالغ الهشاشة، على حافة حمام سباحة. والآن وقد هدئت في صدري حدة اللهاث، منصتا باهتمام بالغ لتعليمات المدرب لزيادة سرعتي في الماء، كي أسبح كسمكة سريعة، لا لوجهة محددة ولا هدف، ولا لإنقاذ نفسي أو غيري من الغرق، ولكن جل ما في الموضوع، أن بداخلي، وبعشوائية تثير الغيظ، رغبة ثمينة، تتراقص كشمعة على حافة شرفة، قد انطلقت..
4 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
أنا ممتن لثورة يناير، ولها مني شكرا جزيلا.
نعبر عن معظم الامتنانات لا إراديا؛ نقول شكرا لأنك اطعمتني، استضفتني، وهكذا. ولكن هناك شكر، نادر، ندرك فيه عظمة المعروف، ولكننا لا ندري تحديدا، ما الذي كان يمكن أن يحدث لنا إن لم يُقدّم!
ذلك الشكر الذي أخطه الآن، هو من النوع الثان. ولا علاقة له إطلاقا بموقف سياسي، هو مجرد شكر شخصي تماما، جَميل قدمته ثورة عن دون قصد، ويخصني وحدي.
قبل الثورة، كان مسعاي أن أكون شطّورا، نعم بهذا اللفظ حرفيا، شطور في منظور أبي وأمي والمجتمع، أن أكون شاطرا ومهذبا، وأن أكون محل تقدير واحترام من الجيران والمحيطين، والمفارقة أن هذا النمط استمر حتى الآن، فقد أصبح صوت أبي وأمي الذي مفاده (كن صالحا) صوتا داخليا قويا كمذياع مدرسة في أرض خلاء الساعه السابعة صباحا، ولا سبيل لنزع فتيله. وما فعلته الثورة، لا بالشئ الجلل جوهريا، ولكنه جلل في ذات الوقت، فقد جعلت الثورة هذا الصوت أكثر عمقا وصدقا، وانتماءا لذاتي أنا حصرا.
بعد الثورة، أصبح النفاق بالنسبة لي أكثر مرارة من أن أخذل العالم. حطمت الثورة (مرجعية) ما تربيت عليه، حطمت الثورة أصناما سياسية للبعض، ولي أنا وللبعض الآخر، وخصوصا الشطار، حطمت أصناما أكثر شمولية، كانت الأصنام هي مفهوم (الصلاح) نفسه، ومن يحكمون على درجات الصلاح خارج الملعب. أصبحت أنا، أنا فقط، الخصم والحكم، لا لقوة نمت بداخلي في حد ذاتها، ولكن لضعف وهشاشة، رأيتها بأم عيني، في عالم ادّعى الصلابة والبأس طوال فترات نشأتي، فرأيته ينهار حائرا، فزعا، يتسائل في اندهاش والشوارع تهدر بالأسفل (ما الذي حصل؟)
أعطتني الثورة، كارت أخضر، لسكب الغضب المكتوم بداخلي من سنين ناحية ما تربيت عليه ولا استطيع ترجمته، لا في مظاهرات ولا فعاليات، ولكن سكبه بداخلي. نغضب أحيانا من لزوجة شخص ما، من بروده أو من ثقل ظله، نكتم الغضب، حتى يعطينا الشخص سببا، فنصب الغضب عليه، حتى ولو لم نمسّه، شاكرين إياه على إتاحة الفرصة لدواخلنا كي تنطلق وتشتعل فيها المراجل، وهذا ما فعلته الثورة، أعطتني المبرر، كي أغضب من سوء نظام تعليمي في المدارس، وأن أتحرر من دعاوي تطالبني بالشكر والعرفان لا النقد، دعاوي طالبتني مرارا أن لا أواجه الدنيا بصدر مفتوح للتحد ومعول في اليد، ولكن بقلب خرافي خائف يسعى لعالم آخر بمائة تسبيحة ودعوة. جعلتني الثورة وأنا أستمع بالخطأ لمحطة إذاعية، لأحدهم يسأل، خائفا، شيخا في الإذاعة، لأنه بكى لموت زوجته بصوت عال، فما رأي الفقه، فتنحنح الشيخ وتأنزح كي يستعرض رأي أمة لا اله الا الله في بكاء رجل مكلوم فقد عزيزته في عالم يقسوا علينا بدون ذنب ولا لعنة، فمنحتني الثورة، هدوءا داخليا تاما، ورضا واتزانا حسدتني عليه، وأنا أقول في سري (اذهب للجحيم يا شيخ أنت وإذاعتك) بدون ذرة تشوش.. فنحن الأهم، نحن الأهم.
6 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
أثناء قيادته للسيارة، وبدون سابق إنذار ولا مناسبة، مرّت بخاطره بقوة!
وبرغم طول الغياب، شعر أنه قمر يدور في مدارها الآن، فشرد عن تركيزه على الطريق، وعن خطته عند الوصول لوجهته وعن وعن...
يعلم كيف استعاد يعقوب بصره برائحة قميص يوسف، وأيضا منذ يومين شمّ عطر زميله في العمل فتذكر مَدرسته الابتدائية في الحال، فهناك مدرّس ما كان يضعه، فأحسّ بالرهبة. يدرك قوة ما تبعثه الرائحة من ماض.
يُعمِل عقله بقوة كي يستعيد قُبلة أخذها منها خلسة، قمره يدور في مدارها، من غير شذاها فيغتاظ ويتألم، وإن اقترب سيحترق حتما فلاسبيل إلا الدوران من بعيد، على أمل أن يمر شذاها صدفة فتُبعث اللحظة بعنفواها..
فكر ثانية. الأجرام السماوية لا تشعر بالألم. ففكر أن ذِكراها في الغياب، طيفها، الذي يمر، فيطغى، وللتشبيه بشكل أفضل، هو كقرصة بطن عليلة، تقلّص في المعدة يعرف المرء أنه مؤقت، ولكنه طاغ على ما حوله من أفكار، مؤلم، وكاف تماما كي يتجلى على هيئة شفاه مزمومة و حاجبين مضمومين على وجه رجل يقود سيارته في أمان الله فجأة، وكأن الذكرى تمر على حرف شفرة حلاقة فتحتاج الى ثبات وتركيز، أو كأن الذكرى قافلة تمر على جوعى يتمعنون فيها متوسلين أي شئ يقع منها بالخطأ، كطريقة تربيتها المميزة على كتفه، أو صوت ضحكتها بشكل أدق، والقافلة بخيلة..
فكر ثانية، ووجد أن قرصة بطن تشبيه قاس، فهناك جزء منه، وبرغم الألم، يمتن لمرورها على أرضه، وأنه آنس نارها يوما، ولا أحد يمتن لمرور ألم في جوفه!
ومضى يبحث ويبحث، أثناء إشعال سيجارة، بهدوء،، تليها أخرى، أثناء القيادة، عن تشبيه آخر، كعادته في حب المجازات، عن المجاز الأمثل، والأكمل، كإسم الله الأعظم الذي تستجاب به الدعوات ولا يعلمه إلا الخواص، عن مجاز فريد، مكتمل، مجاز عن الألم والمتعة الممتزجين في استرجاع لحظة ثمينة مضت، مرّت، كومضة برق، نادرة، كسقوط قطرة ندى، تشكلت ف ظروف خاصة جدا، تسقط من ورقة شجر، متلاشية في النهر بالأسفل، في غير اعتبار لندرة أو تكلفة، مرت كركلة طفل لكرة في شارع، بطريقة لن تتكرر، أثناء مباراة، وفي وقت، لا يعرفهم أحد....
7 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
هناك خيبة أمل أصابتني عندما علمت كيفية عمل تطبيق التروكولر في أول ظهوره!
برغم اقتراب عملي من مجالات التكنولوجيا، وشغفي بمعرفة كيفية عمل الأشياء في العموم، إلّا أني أترك القليل من الأشياء بدون وعي لبعث بعض الغموض من حولي، فهناك تطبيق يعرف الأسامي بشكل غامض، وذلك يكفي لإضفاء بعض من الإثارة، ويصبح محور الأحاديث مع الأصدقاء عن أسامينا المسجلة في هذا التطبيق العجيب لا كيفية عمله..
أدرك أن باطني يعمل بالخرافة أصلا، سوفتوير خرافي أصيل أدفعه للمنطق دفعا كطفل صغير مرغما لمجاراة العالم. عند حدوث مكروه أميل للشعور بأن هناك عمدية ما تجعلني أتوجس خيفة من بقية اليوم لأن أحد ما فوق غير راض، متجهم، ويميل لعقابي، وعند حدوث شى مبهج أشعر بأن نجمي يتلألأ هذه الفترة، ولا أعلم بالدقة ما نجمي هذا، وأين، ولكن أعلم أني لو عشت في عصور سابقة كانت الخرافة ستزيد تأصلا وتجذرا، وأن عرّافة ما كانت ستخبرني بوضوح تام عن نجم معين فعلا، التصق به، واندمج، واتابعه لمعرفة ما سيدور في يومي. وأظن أن ذلك سيكون أكثر بعثا للطمأنينة، وأقل تناقضا، فالعالم الخرافي أيامها يسير كما يسير باطني ويعمل.
معلوماتي تثبت لي أن هذا العصر أفضل، أقل ألما وجوعا، لم أكن سأتحمل وسائل الطب القديم مثلا، أو فقدان أهلي في غارة قبيلة منافسة، ولكني لست راض رغم ذلك.
تلك الأيام أبحث عن معلومات غريبة، عن شراء الهولنديين لجزيرة منهاتن من الهنود الحمر مقابل أقمشة ب ٢٤ دولار، وعن فتح القسطنطينية أثناء الحصار، التي ساهم فيها نسيان أحد الحراس البيزنطيين لباب رئيسي للمدينة! عن الشيطان في الزرادشتية، الذي نام أثناء خلق الرب للكون وعندما استيقظ فزع من طهارة العالم وكماله، فأفسد البحر بالملح، وفرق النجوم، ولوث النار بالدخان، وصحّر السهول الخضر، فتجهز الرب لمعركة تدوم الى حين..
أخبار عجيبة أفتش عنها بجوع، فجدية العالم ومنطقه الجاف لا احتمله هذه الايام، بدون سبب واضح.
12 notes · View notes
loayradwan · 2 years
Text
كتب أحد الاصدقاء، مفسرا سبب عزوفه عن كتابة رواية أو قصة، قال أنه ربما لم يكتشف بما فيه الكفاية، ربما لم يعش بما فيه الكفاية، والحقيقة أن السؤال علق في بالي منذ رأيته...
أنا حتى الآن في مرحلة الصراخ، حتى الآن لا يوجد متسع لشخصية تُبتكر، أشعر أني طفل في مرحلة اكتشاف ما يؤلمه، يجيد التعبير حينا ويفشل أحيانا، لم أخرج من ذاتي حتى اللحظة، أفتش عن الحكمة وأنا مستشعرا شذاها، متيقنا على أنها على مرمى حجر ولا أمسكها. أنا أمسك ميكروفونا كبيرا موجها للعالم ، أقول فيه وأهري بعد كبت، والكبت لا يزول، المرجل لا يبرد، والغضب لا يهدأ.. ربما بعدها، بعد أن يستحيل كل هذا رمادا، حينها فقط، سأنفخ في شخصيات على الورق، تنطق وتعقل. أبطالي سيكونون في الأغلب مهرجين، ساخرين طوال الوقت، أو كما تستدعي الحبكة. بطلي الرئيسي سيعشق (علي) ويستثقل دربه، فيمشي على درب (معاوية) مشية عرجاء، سيكون قنبلة ضحك في الجلسات والسهرات، يقول ما يشاء ولا يكترث بالإطراء أو اللايكات، يدرك حقيقة ميوعة الحكمة وصلابة السخرية، ينتصر في النهاية كسلحفاة دؤوبة منيعة ضد القلق، يتظاهر بالجهل طوال الوقت وهو يعي، لا يسعى للكمال، ولكن لغرس فسيلة حتى ولو قامت الساعة غدا، ينافق نفسه ويفشل في إزالة غصة ذلك ليلا من حلقه فيلعن نفسه. بطلي سيدرك تماما أنه كينونة منفصلة عن كاتبه، لا يكترث تماما بأن يكون عند حسن ظن من كتبه، يتناقض كل حين وليس ذلك عيبا في من كتب، ولكن العيب في ظروف يُخيل أنها تحت السيطرة. بطلي سيأخذ مني نزوعي للإنفصام والعزلة، سيستحيل كائنا مستقلا، ساستشيره في عكي وأخطائي متكأً عليه في خلق حبكة قصته بمفرده، وسينفر مني دوما سابّا وشاتما بقلة ذوق، خاصة لو ذكرت عرضا ولو بين السطور أنه مني في شئ، اتمنى ذلك يوما.
11 notes · View notes