Photo




“لابد أن إلهك عند نقطة معينة كانت لديه احتمالات لا نهائية، وهذا كان ما اختار أن يفعل بها. أتخبرني أني أريد حب الله؟ بل لا أريده. ربما أريد الغفران، ولكن لا يوجد من أطلب منه الغفران. وما حدث قد حدث، ولا يمكن وضع الأمور في نصابها الصحيح، لا يوجد سوي الأمل في العدم”
هذا الفيلم مثال عظيم على أن النص العبقري يستطيع إثارة اهتمامك والتأثير عليك بعمق، أكثر من أي عنصر فني آخر أحيانًا، مع أقل تكلفة ممكنة وانعدام الإبهار البصري، فقط مباراة تمثيلية من العيار الثقيل وحوار أشبه بسيمفونية موسيقية، ودوران الأحداث في حيز مكاني -شقة مغلقة- وزماني -ليلة واحدة- شديدّي الضيق، والاعتماد بالكامل على الفكرة واسترسال الحوار، يبدأ الفيلم برجلين عجوزين يجلسان متواجهان، ونستشف من بداية الحديث أن أحدهما قد أنقذ الآخر توًا من محاولة انتحاره تحت عجلات المترو، وستجد نفسك قد استغرقت تمامًا مع محاولة الرجل الأول المسيحي المتدين بأن يُثني الرجل الثاني العدمي والمؤمن باللا جدوى عن قناعته بأن الانتحار هو الخلاص الوحيد.
“أنا لست بمتشكك، ولكني شخص متسائل. المتسائل يريد الوصول للحقيقة، بينما المتشكك يريد أن يتم إخباره أنه ليس من ثمة حقيقة.”
قال ألبير كامو ذات مرة أن السؤال الفلسفي الوحيد الجاد الذي يستلزم إجابة هو مسألة الانتحار من عدمه، هذا الفيلم يلتقط هذا السؤال بالذات من وجهتي نظر متناقضتين: المؤمن بالإنجيل كان مسجونًا فترة طويلة من عمره ويؤمن مخلصًا أنه قد وجد “خلاصه” النهائي في الإنجيل وأنه يشعر بوجود المسيح ويسمع صوته طوال الوقت، وعلى هذا الأساس بدافع الخير الذي تعلمه من المسيح يحاول إنقاذ العدمي من أن يؤذي نفسه، وهو يسأله سؤالاً وجيهًا: لو لم يكن هناك ألمًا ومعاناة في العالم فكيف سندرك أصلاً ماهية السعادة؟
“إلهك يُعِدْ الإنسان للمزيد من الحياة، للأحلام والأوهام والأكاذيب. امح الخوف من الموت في قلوب الناس وحينها لن يختاروا العيش يومًا واحدًا. من سيريد هذا الكابوس إلا من أجل الخوف من الكابوس القادم؟ إن هاجس الموت يحوم حول كل متعة. كل طريق ينتهي بالموت، كل صداقة، كل حب. العذاب والضياع والخيانة والألم والمعاناة والشيخوخة والذل، مرض بغيض دائم…”
أما العدمي فهو أستاذ جامعي سابق، ملحد ومثقف وتعيس، يرى الحياة بمنظور عبثي، وفاقد الإيمان بكل شيء، ويبحث عن الراحة الأبدية في أن يصير هو نفسه عدمًا، ويقول في خضم الحديث أنه كان يؤمن بأشياء كالفن والثقافة والإنسانية ولكن تلك الأشياء أثبتت بمرور الزمن هشاشتها وسهولة انقيادها، وأنه كان يعتقد أنها غير قابلة للتدمير ولكن اتضح له أنها تتهشم يوميًا بشكل عادي بدون أن ينتبه أحد، وهم آخر يتم التشبث والحفاظ به بشكل جمعي.
“- وهذا ما دفعك لأن تقذف بنفسك من حافة الرصيف؟ لم يكن الأمر شخصي؟ - بل كان شخصي، هذا ما يفعله التعليم، أنه يجعلك تأخذ العالم على محمل شخصي.”
يؤمن المسيحي بأن تواجده في مكان وزمان الانتحار لم يكن عبثـًا، بينما لا يؤمن العدمي سوى بالانتحار العبثي.
“إن الضوء يغمرك من كل جانب ولكنك لا ترى سوى الظل، وأنت من يتسبب فيه. أنت السبب. أنت الظل! هذا هو بيت القصيد.”
ساعة ونصف عبارة عن مباراة فلسفية، حوار ثري وممتع وكئيب عن كل شيء، عن جدوى الحياة ووجود الله وتعاسة الإنسان والسعادة والأديان والحب، تناقض فكري شديد يقع بك في منطقة ما في المنتصف تحاول بها ألا تكون منحازًا بشكل أعمى، تقاطع مسار حياة الرجلين في أوجها، المؤمن في أشد حالات استقراره النفسي والعدمي لا يطيق انتظار موته، وينتهي الفيلم بطريقة ذكية بما يكفي لأن توهم المشاهد العدمى بانتصار منطقه، وتوحي للمشاهد المؤمن بأن مهما كانت مغبة أو عاقبة ما حدث أو قيل، فكل شىء مازال صالحًا لأن يكون ضمن مخططـًا ربانيًا كبيرًا.
“لا يقلق السكير من أنه سيموت من فرط الشرب، وهو سيموت بالفعل، بل من نفاذ الويسكي قبل أن يرتوي ظمأه للكأس القادم.”
أو ربما هذا انعكاس لفلسفتي الخاصة، لو كان العدمي على حق وتشبث المسيحي بإيمانه وأقنع العدمي بالعدول عن انتحاره، لكان هذا تجلي للعبث الذي يحكم الدنيا، ولو كان المؤمن على حق لكان حتى فقدانه لإيمانه وانتحار العدمي يصلح لأن يكون مجرد جزء من الخطة الإلهية، وأنا لا يسعني سوى الوقوف في المنتصف بعدم يقين أتساءل كيف يمكن لأحدهم التيقن العقلاني من أي فكرة فلسفية بدون ذرة شك، وربما كان هذا ما ينقذ حياتي حتى الآن. لتحميل الفيلم بضغطة زر: The Sunset Limited
79 notes
·
View notes
Photo










ردة فعل جمهور #كوكب_الشرق أم كلثوم في أحد الحفلات ، للمصور الأمريكي #هوارد_سوشورك
3K notes
·
View notes