قبل قليل اتصلت بوالديّ حين سمعت أن القصف طال منطقتهم
مثلما نفعل كلما سمعنا صوت القصف بمكان اتصلنا بأحد من المعارف أو أفراد العائلة حيث تفرقنا كلٌ بمكان كما اضطر معظمنا حين طولبنا بالنزوح جنوباً حيث الأمان المزعوم..
وبعد إغلاق الهاتف جلست والغصة تملأ الحنجرة، فالكعادة كانت نهاية كلامنا "ديروا بالكم ع حالكم!"
وجدتني أتساءل.. كيف!! وكأن الجملة أصبحت هراء
فهل هناك مجال لأخذ حيطة و حذر! هل بالفعل يستطيع أحد منا يدير باله ع حاله!
كيف ونحن الذين نجونا صباح الأمس بقدرة رب العالمين ورحمته! حين غافلنا قصف البيت المجاور فانهالت علينا الشظايا و الركام!
نحن الذين لا خِيار لنا سوى الدعاء والانتظار..أمّا أن يدير أحدنا باله على نفسه أو على من يُحب لو كان ممكناً لفعلنا جميعاً.. والله خير حافظ
حين يرد أحدنا "بخير الحمدلله"..هذا يعني أننا ما زلنا أحياء
لكن لا تصدقوا ففي حقيقة الأمر لسنا بخير
ف حربنا هذه المرة مختلفة، مُرهقة و صعبة
حتى أننا ربما ما عدنا نعلم بِم نشعر
من كثرة الوجع من كثرة الخذلان و الكثير الكثير من القهر
يوجعنا هذا الفقد، تتكسر أضلعنا متزامنة مع أصوات المباني تُقصف بقسوة، تتهاوى دموعنا حزنًا يملؤه عشرات الأسئلة على مشاهد أطفال و رُضّع كل يوم تذهب إلى الأسماء.
تتحطم أرواحنا من تلك المفردات " أشلاء و جثث و أحدهم تحت الركام"وكيف صارت عادية!
كيف الحال! صار سؤالاً مرهقا فكلمة بخير غير منصفة غير كافية غير وافية.
كيف الحال! ونحن ما عدنا نحظى بالفرصة لنعبر عن حزننا لفقيد ولا أن نبكي ونواسي أنفسنا..فلا وقت كل شيء متواصل ومستمر .
كيف الحال! مواطنينا وأطفالنا صاروا يكتبون أسمائهم على أياديهم حتى إن تحول أحد منا لأشلاء..سهلت معرفة هويته
أبدو كأني و خلف مِقود السيارة، أبحث في المرايا، أغيِّر من زاويتها.. أتفقدني و أفتّش عن وجوه الغائبين في المقاعد علّني
ألمحهم و ألمح قلبي الغائب معهم.
أنتهز فرصة الوقوف عند الإشارة ذات الضوء الأحمر.. لأطيل النظر إليها و فيها، ثم أستعيد وعيي على صوت أبواق السيارات حولي تنبهني للون الاخضر.. مشيراً بأن عليّ المسير بخطىً من أمل باللقاء عند خط وقوف آخر🤍