"يحنو الغياب إلى اختراع الآخر من جديد، إلى ولادته من رحم غيابه لوجود ليس في الوجود وإنما في الأذهان، إلى صناعة محادثات طويلة لم يكن الآخر في الحقيقة ليتفوه بكلمة منها، ذلك أن الذي يتحدث الآن ليس الآخر حقيقةً، وإنما الآخر الملتصق بذواتنا ووجداننا، ابن الغياب الذي انقسم فصار جزئين أحدهما منه وجزء آخر منا نحن،
يقوم الغياب على ركنه الأعظم وهو المساءلة التي لا تتوقَّف، فنحن نريد من الآخر ومن اختفائه إجابات على كل ما لم نسأله في حضوره، بل على أسئلتنا لذواتنا نحن أيضًا، وعلى السؤال الافتراضي الدائم "لو كنت أنت... ماذا كنت لتقول؟"، لذلك نستمر في السؤال،
ولا يساعد الوقت في عملية العثور عن الآخر بقدر ما يؤول إلى الحقيقة الوحيدة الصَّارخة؛ أنه نفد وقت اكتشافه في حضوره، ولا سبيل سوى المحاولة التي لا تصل إليه، وإنما تصل إلينا معه.
يسير قطارُ السرد ليقطع الصورة القديمة كاملة ويفندها على مهل، ويخترع الغياب بدوره صورة جديدة بألوان الصورة القديمة ولكن بتكوينٍ جديد، في الغياب نسائل الآخر وعندما تأتي الإجابة لا نعرف إن كانت الإجابة التي نريد سماعها منه؟ إن كانت عطشنا الظامئ إلى حبه؟ أم أنها لسانه الغائب حقيقةً، كل تلك الأشباح في الغياب لا تخص الغائبين، بل تخصُّنا نحن وتخصُّ رغبتنا في ولادتهم من جديد، ورفضنا الدائم والطفولي لتلاشي الصورة."
الانتصار المدوي الذي يستلزم رداً سريعاً لاذعاً ومفحماً لم يكن حظي في المعارك. قسمتي من النصر كانت دوما الانتظار الطويل جوار النهر، إلى أن تمر جثة غريمي ثم التالي ثم التالي.
الأسوأ هو الشعور الثقيل بالأسى لا الشماتة بينما أرقب الجثث الطافية، الشعور بالتفاهة وفوات الأجل وضآلة الأقدار كلها.
في نهاية النهار تدور برأسي فكرة رومانسية وأنا أراقب السماء تخطو ببطء وتدرج نحو الليل. فجأة انتبه، تتسع حدقة عيني، الأشياء جميعها تسير معا بإيقاع مضب��ط. اوركسترا عبقرية. هوسي الشديد باختلاس النظر للصورة من بعيد. بعيد جدا، حيث كل التفاصيل صغيرة وذات معنى.