في كُل مرة كنا نختلف فيها كان الحبُ حاضرًا، فتتحول شجاراتنا إلى ضحكات، إلى أحضان ربما، لكن في آخر خلافٍ دار بيننا لم يكن الحبُ حاضرًا لينقذنا، غاب الحبُ فاِنتصر المنطق
، تبادلنا العتاب بطريقة مُؤذية ثم تبادلنا الصمت فلم نعد كما كُنا وربما لن نعود ...
سَأل الكاتب الكبير أنيس مَنصور الموسيقار رياض السنباطى في أحد الحوارات بَينَهما: ما هو اللحن الذى ناطَحك وأتعَبك حتى تغلبت عليه في النهاية؟
فرد السنباطى قائلاً : ربما كان لحناً واحداً هو “الأطلال” خفت من هذه القصيده جداً، وقلت لأم كلثوم فى أثناء تلحين هذه القصيدة: يا أم كلثوم أنا خايف، حينها كُنا سوياً في العجمي، وتَحديداً في قصر الضيافة، وكانت ترد قائلة: “يا جدع إنت لك حاجات غريبة خايف من إيه؟ عيب!“، ولكنها كانت تَشعر باللحن وعُمقِه، وعلى يقين من نجاحه، أما أنا فلم يكن عندى هذا الإحساس، وأجرينا البروفات الضرورية للحن في “شركة مصروفون” وتحدد موعد تنفيذ الغناء، والفرقة كلها حفظت اللحن بالصورة التى ترضينى وترضيها، ولكنها همست فى أذنى وقالت لي: يا رياض قلت لها: نعم ؟ قالت : لا داعي لأن أغني هذه القصيدة في الحفلة، وكانت الصحف قد نشرت أن أم كلثوم سوف تغني “الأطلال"، ولما سألتها عن السبب قالت : أنا أيضاً خائفة، فالأطلال قصيدة عملاقة، ليس لأنها من تلحينك ولكن لأن كلماتها وقفة طويلة أمام الحياة كلها، الماضي والحاضر والشباب والكهولة والروح والجسد والحب والموت والقيد والحرية.
ولم تغن أم كلثوم هذه القصيدة، وبعدها بشهر تقريبا أجرينا البروفات وبكت بعنف ولم تفصح عن سر بكائها، فقلت لها: لا داعى لأن تغنى هذه القصيدة أيضاَ فى الحفل القاد�� وسألتني: إذاً متى أغنيها ؟ فقلت : عندما تستريحين لها تماماً، وسألتنى متى؟ قلت لها في وقتٍ لاحق ثم غنتها بعد ذلك وشاء القدر أن تنجح، ولم أنم تلك الليلة ولا نامت أم كلثوم ففى الثامنة صباحاً اتصلت بى أم كلثوم وقالت لى مبروك قلت لها الله يبارك فيك، واستكملت كلامها قائلة : "انا حاسة إن جبلاً قد انزاح من فوق رأسي"، وأضافت: هذه الأغنيه هي الوحيدة التي أخافتني.”
وعن سر بكاء أم كلثوم فى هذه الأغنية، قال السنباطي: لاحظت عندما كُنا نُجري البروفات أن أم كلثوم تبكي، ولاحظ الجمهور أن دموعها خانتها أكثر من مرة أثناء غناء الأغنية لأول مرة، وسألتها عن سر بكائها فقالت: إنها تذكرت الرجل الوحيد الذى أحبته، غير أن هذا الرجل الذى قالت إنه مات لم يكن وَحده سبب بكائها، فهناك سبب آخر لم تتحدث عنه أقوى من كل الأسباب وهو أم كلثوم نفسها، فقد كانت فى ذلك الوقت عام 1966 تجاوزت الستين من عمرها، وتغيرت حولها الدنيا، واختفى الأصدقاء، ورحل زكريا أحمد وبيرم التونسي والقصبجي وغيرهم، وأخذت الشيخوخة تهاجم الباقين، وبهذا كانت وهى تغني الأطلال تقف على أطلال عصر جميل ينهار تحت قدميها، صحيح أنها ظلت تقاوم، ولكنها أصبحت وحدها فى صَومعَة الفن الذى ضحت من أجله بالرجل والولد، وها هي في النهاية تَنظر حولها فلا ترى إلا الأطلال، ولهذا بكت فى البروفة وخانتها دموعها حين واجهت الجمهور.
« أعوذُ بكَ من عمرٍ لا ينتَهي إليك، ومن قَولٍ لا يدلُّ علَيك، ومن قلبٍ قاسٍ لا يخشَعُ ولا يقنعُ ولا يشبَع.
أعوذُ بكَ من وحشةِ الوحدة، وشرِّ ما فيها، أعوذُ بك مِن أن أُحرمَ الأُنسَ والونسَ والسَّكينة، وأن أُردَّ لأرذلِ العمرِ وحدي، وأن أعيشَ وحدي، وأن أمضي وحدي.
أعوذُ بكَ من الفتنةِ في الدِّين، وتزيينِ الحقِّ ليناسبَ الهوى، وتمييعِ الحُكمِ لإيجادِ المبرِّر. أعوذُ بكَ من أن أُذَكَّرَ فلا أرتدِع، ومن أن أُنصَحَ فلا أمتنِع، ومن أوعَظَ فلا أستمِع.
أعوذُ بكَ من فسادِ صحبةٍ لا تخافني فيك، نضَّارةً بالوجهِ غدَّارةً بعد الغِياب، أعوذُ بكَ من أن لا أرى الأمورَ بهديِك، وأن لا آمَن لقدَرِك، وأن أسألَك عمَّا لا تُسأَلُ فيه.
أعوذُ بكَ من أن يعرفَني النَّاسُ وتتجاهَلني سبحانك، أعوذُ بكَ من أن يُلاقوني وتطردَني، أعوذُ بكَ من أن يرفعوني ولا أكونَ عندكَ شيئا، ومن أن أدلَّهم عليكَ وأُلقى أنا في النَّار. أعوذُ بكَ من أن يغيِّروني لِما أرادوه، أعوذُ بكَ من أن يُؤتى الدِّينُ مِن قِبَلي، وأن أكونَ سبيلَ ضلالٍ وغِوايةٍ لا سبيلَ رشدٍ وهداية.
أعوذُ بكَ أن تجعلَ قلمي ضدِّي، فتكون كلماتي حُجَّةً عليَّ لا حجَّةً لي. أعوذُ بكَ من أن لا يكونَ لي ولدٌ صالحٌ يدعو لي، أو عملٌ غيرُ منقطعٍ أُثابُ عليه، أعوذُ بكَ من أن تذرني فردا، وأنتَ خيرُ الوارِثين.»
لطلبت له فنجان من القهوة ، وأحسنت استقباله وسألته ذكرني بك فالوجوه العابرة كثيرة وأنا لا أذكر حتي أني رأيتك ، وحين يبدأ بالدفاع عن نفسه قاطعته وقلت وأنا أغلق الحديث.
ما تشرفت بك ضيفا فلا تكرر زيارتك. وأما عن فنجان القهوة فأنا معتادة على إكرام ضيفي حتى وإن لم يكن مرحباً به.
العِلاقات فيها حاجة اِسمها "رواسب"، الرواسب دي بتتكوّن جوانا بعد كُل عِتاب ما جابش همّه، بعد كُل مُشكلة كبرت وما وصلناش فيها لحل، بعد كُل مرة نمنا زعلانين ومَحدّش صالحنا، بعد ما غيرنا عليهُم وما فهموش غيرتنا وقللو مِنها؛ الرواسب دي لما بتكتر جوّانا بتخلي الكلمة الحلوة رافضة تطلع، بنشتاق بس ما بنرضاش نقول، بنزعل بس ما بنحكيش لإن مَحدّش هيهتم، الرواسب بتتقل العِلاقة على قلبك وبدل ما الحُب يبقى هو الجُزء المُريح في حياتك بيبقى للأسف هو الجُزء المُتعِب اللي بيضغط عليك.
“اصطدمت بصديقي. لقد كلّفني عناء المشي بلا قلب ولا ذاكرة. لم يبق معي ماضي لألتفت له ولا حاضر أعيشه ولا غد أحلم به. ظننت بأن الأعداء وحدهم يسرقون الغد ولكن الذين نحبهم يفعلون أفظع من ذلك هم وحدهم يعرفون ماضيك وحاضرك ومستقبلك.”