غفت فوق حاسوبها. لم تستطع أن تقاوم اانوم الذي ضاجع عينيها اخيرا بعدما أنهكها السهر أمام شاشته. استيقظت لتجد آثار مفاتيح لوحته غائرة على خدها. حسبت أن الحاسوب اللهوب اللعوب قد ترك بأزراره رسالة على صفحة خدها -أثارت غيرتي من ذلك الحاسوب ذو الحظ العظيم بقرب لصيق منها حرمت أنا منه. حينما تخيلتها- طبع على وجنتها قبلات مستغلا غفوتها تلك وأتبعها برسالة نصية من كلمة واحدة حروفها متفرقة:
أ
ح
ب
ك.
وأنت تخوض معاركك الطاحنة بلا رفيق يغطي ظهرك، ولا حبيبة تشد أزرك، وتمنع تفاصيل الحرب عن أمك كي لا تكسر قلبها ولا تحكي لأخيك لأنه مشغول عنك. وفي كل مرة تسقط فيها تقف لوحدك وتواصل التقدم وقد أدمتك الجراح الجديدة بعد أن خطوت فوق جراحك القديمة ..وفي غفوة الشرود الضئيلة تسأل نفسك أبطولة هذه أم مأساة.
صباح التعب و الاختناق و الكلمات غير المهضومة ، صباح آثار ثمالة التفكير و الأرق التعسفي و الأفكار الشرسة التي غافلتها في غفوة و داهمتني بعنف في اللحظات الأولى للاستفاقة ، أحمل بداخلي هذا الشيء الهزيل الذي كان يوما روحي ، أتوارى في ظل صمتي و لا يتبع أثري أحد ، آكلني بعد كل جوع و استفرغني لأعيد الكرة لأنني لا أجد غير نفسي غذاء حتى عفتني ، أنا في بؤس الهواجس غريقة الأفكار و الكلمات و حبيسة جسدي الذي ما عاد يقوى على الحراك ، الصرخة في داخلي عويل من الجحيم ، شحوب وجهي الذي اشاروا إليه حين قالوا اهتمي بحالك فقد ذبلت هو تراب قبري الذي أقف عليه أكاد أرميني فيه و أفتك لولا أنني تمسكت بالحياة لأجل أن يحيا جسدي و دفنت روحي كل يوم ..
متعبة من كل ما لا أقوله و يحفر في عمقي كل ليل و كل صباح ، متعبة من كل ما لا أكونه و كل ما أفقده و لا أقوى على استرداده ، و الوقوف على هذه الناصية و النحيب يخجلني ، يخجلني الاقرار أني بعد كل هذا الجهد خارت قواي و لم أرفعني ..
لم يطفئني بشر و لكن شمعتي لم تكن منيعة أمام من أراد طمس نورها بقصد أو بغير قصد ، النور يحتاج أن تجد النار ما تأكله و قد أكلت ناري كل ما أحمله من صبر و ذات !
لم يحطمني بشر و لكنني وضعت حطامي بيد البشر ، الأمل اللعين فيهم هو الذي أنهى تدميري بأيديهم لأنه مامن يد تصنع البشر غير يد الله ..
أسأل نفسي هذا الصباح لماذا لم أضع حطامي عند ربي وحده ، لماذا بعد تكبد كل هذه الخسائر روحي المحتضرة تتوق للموت إلى جوار روح بشرية و عناقها بهذا القدر من الاحتياج و الرغبة ؟! يئست حتى يبست حتى البذور الجافة مني ما عدت اريد الاحتفاظ بها ، هذا الصباح يجعلني أرثى عن حالي كما لم افعل من قبل و أنا أراني مريضة بهذا الشكل لأنني خذلت نفسي لما لا يمكن عده ، يا ربي لطفك و رحماك بما تبقى مني ..