Tumgik
grayze · 5 months
Text
بين شهريار وأحمد عاكف ونجيب محفوظ، وربما أنت... وبين أسوأ شخص في العالم، غالبا قصة
Tumblr media
دائمًا ما أحب أن أطرح على الأصدقاء سؤالًا خياليًا، حيث نتخيل حياتهم كفيلم أو رواية. فأسألهم، بصفتهم بطل القصة، كيف سيتلقى الناس هذا العمل؟ أستعرض هذا السؤال مع أولئك الذين أجدهم مصدر إلهام في حياتي. يصمت أحدهم قليلا ومن ثم يبادر بأنه سيكون فيلما مملا للغاية وسيخرج المتفرجون من ساحة العرض سريعا. وآخر يرد بسرعة، كأنه قد رتب للإجابة من قبل، أنه على أغلب الظن سيتركه دون مشاهده ولن يوجه اللوم لمن لم يستطع استكماله. عادة ما تتباين الإجابات، ولكن الرد الشائع هو أن الناس ستشعر بالملل بسرعة. أستمر في التفكير في هذه الإجابات، متفهمًا لها، وأشعر بالدهشة لأن حياتهم تلهمني بشكل درامي في العديد من الجوانب، وهو ما دفعني لطرح هذا السؤال في أول الأمر.
الليالي
في إحدى طبعات "ألف ليلة وليلة"، نجد شهرزاد وهي تُسند قصة الليلة الأولى بعد الألف إلى "صاحِب" بشكل عام. يصغي شهريار كعادته إلى ما تقصه عليه شهرزاد، وفي لحظة وسط الحكاية يقاطعها قائلاً: "الحكاية التي حكاها الصاحِب لك تشبه إلى حد كبير قصة ملك أعرفه". وهنا ينشأ جو من الحيرة والترقب في القصة. فشهرزاد لم تكشف عن هوية الصاحِب الذي تشير إليه القصة. وشهريار، في عقله فكرة لكنه مازال لا يستطيع التمكن منها، وغير قادر على تحديد هوية الصاحِب بدقة. يحاول جمح أفكاره بعناية، ويراقب باندهاش ما تتحدث عنه شهرزاد على الرغم من أن الأمور غير واضحة تماماً بالنسبة له. يدرك شهريار تقريباً من تتحدث شهرزاد عنه وإن كان بصفة غير واضحة ومشوشة المعالم، ورغم أنه غير متأكد تماماً من ذلك، إلا أنه يدرك أن هناك علاقة بين الشخص الذي تدور حوله الحكاية وبين ملك. وفي لحظة وسط التشتت الشديد، يرى شهرزاد وهي تواصل قصتها، لكن لا يستطيع سماع صوتها، ويرى فقط حركة شفتيها دون سماع كلماتها. ثم فجأة، في منتصف الحديث، ينطق قائلاً: "والله إن هذه لحكايتي".
نجيب محفوظ
في مجالس نجيب محفوظ، نقل عنه الغيطاني حديثه عن الثلاثية الخالدة والعوامل المكونة لها من تراكم للتفاصيل من هنا وهناك. اشتهر محفوظ باستلهامه شخصيات رواياته من أشخاص حقيقيين يلقاهم في شوارع القاهرة، أو في عمله، ويضيف إليها بعدا خياليا لأنه يؤمن أن الواقعي، رؤية الفرد لنفسه، ينسى. لا يهتم محفوظ بالأصل كثيرا؛ لهذا استبعد كتابة نفسه من روايته لانحصاره في ذاته. استوحى تسعين في المئة من شخصيات روايته من المحيطين من أسرته والمجتمع، لكنه توقف عند نفسه. ولما سُئل عن شخصية أحمد عاكف وعلاقتها به شخصيا، أجاب بنفي وجود أي صلة بينهما. أحمد عاكف شخصية حقيقية، كان موظفا في الجامعة وبالتحديد في الإدارة. كان أحمد عاكف الحقيقي الذي عرفه نجيب محفوظ مجرد موظف صغير وقرأ الرواية بعد صدورها. لم يعرف نفسه مطلقا، قال محفوظ. لم يعلم أنه خُلِّد بلمسة خيالية بسيطة للأبد، ولم يعلم أيضا أن نجيب محفوظ بنفسه استوحى بطل من أبطال أحد أهم رواياته على الإطلاق منه شخصيا. 
أسوأ شخص في العالم
في فيلم الدراما النرويجي "أسوأ شخص في العالم" من إخراج يواكيم ترير، تجول البطلة چولي في الحياة وترتكب أخطاء عديدة. تحاول العثور على جوانب مختلفة من حياتها من خلال عقبات الحب والعمل وتحقيق الذات. يحاول الفيلم تقديمها كشخصية غير حازمة ومندفعة ولا تعرف حقًا ما يمكن توقعه من نفسها. أعجبت بهذا الفيلم لأسباب عديدة لكني سأذكر واحدا لصلته بما قدمت. خلال مشهد في منتصف الفيلم، تتحدث جولي وتقول: "أشعر كأنني متفرج في حياتي ولا دخل لي فيها، كأنني ألعب دورا ثانويا بها". أعدت التفكير في ذلك المشهد بعد انتهائي من مشاهدة الفيلم بفترة. اعتبرت چولي نفسها تؤدي دورا ثانويا رغم أنها بطل الفيلم الذي يتمحور حول حياتها هي، البطل المكتوب من وجهة نظر أخرى خارج عقل جولي الخيالية. استرعى انتباهي أنني استمتعت بجميع جوانب الفيلم من أول لحظة حتى النهاية رغم إحساسها أنها شخصية ثانوية. هي التي تريد من شخص آخر أن يقص عليها حكايتها. 
في مفارقة وجدتها جميلة ومغايرة لوجهة نظر چولي عن نفسها، قرأت مراجعة للفيلم يقول كاتبها أنه في لحظة ما توقف عن المشاهدة متعجبا، بشيء من الأرق، أن الفيلم ليس عن چولي، إنما عنه. چولي أصبحت الكيان الرئيسي.
عودة إلى الأبطال
يبدو أن شهريار، وأحمد عاكف، وچولي، والشخص صاحب المراجعة المثيرة للفيلم، كلهم نسوا أنفسهم وماضيهم وكل الأمر، وأصبحوا في حاجة إلى شخص يذكرهم ويخبرهم عن أنفسهم حتى ولو كانت محاولات التذكير غير مباشرة. هكذا قام عبد الفتاح كيليطو بتحليل حكاية الليلة الواحدة بعد الألف، متعجبًا من موقف شهريار. والتحليل هنا يمتد ليشمل باقي الأبطال، كما لو أن كل ما حدث لم يحدث، أو حدث لأشخاص آخرين. ومع ذلك، في الليالي، كانت شهرزاد كانت تروي قصته بدقة، مخاطبة إياه بضمير الغائب دون أن تشير إلى اسمه. يحيلنا هذا إلى المساحة الواسعة بين رؤية الإنسان لنفسه ورؤية الآخرين له. ما أوسعها، وفي نفس الوقت، ما أجملها. تفتح تلك المساحة للبشر فرصة لتجديد الرؤية دائما.
حتى نجيب محفوظ، كما قدمت لم يكتب نفسه في ثلاثيته، الفرصة الأقرب لأن يكتب نفسه فيها حتى ولو بشكل خيالي لتضافره مع شخصيات قد استوحاها من أسرته. توقفت هنا كثيرا محاولا الإجابة على سؤال لماذا لم يكتب محفوظ نفسه؟
بالتأكيد كتب محفوظ سيرته، لكنه كتبها في شكل أدبي بطريقة غير مباشرة أيضا. كتب "أحلام فترة النقاهة"، و"أصداء السيرة الذاتية". حاوط سيرته الشخصية بترميز شديد، سواء في الأحلام، أو بإسناد سيرته إلى أصداء وشذرات على لسان الشيخ عبدربه، الشخصية الخيالية، التي ستخلده كما فعل مع أحمد عاكف. هنا، لجأ محفوظ إلى اللاوعي، لا لرؤيته بشكل واعي عن نفسه؛ لأنه يعلم جيدا مدى اتساع المسافة بين ما يدركه عن نفسه، وبين صورته الخارجية. لجأ إلى حيلة الأحلام والتأملات الفلسفية لتضيق تلك المساحة على قدر إمكانه. كتب تلك الشذرات من سيرته بشكل ذكي يفتح بابا لتأويلها ويسمح بوجود آفاق جديدة يُنظر من خلالها لشخصه.
حوار
​​في إحدى المرات التي سئلت فيها صديقًا هذا السؤال، قال بعدما ابتعدنا بالحديث قليلاً عن النقطة المحورية: "دائماً أحسد أبطال الروايات، أشعر بالغيرة من أن الكاتب استطاع توصيفهم بتلك الدقة وأعطاهم لحما ودما. أود أن أرى نفسي مكتوبا من وجهة نظر شخص آخر يعرف حياتي جيدا ويلحظ ما بها من أنماط تجعلها مشوقة". وقتها تجادلنا، وأذكر أنني قلت له أنني أتخيل الأشخاص الخيالية حبيسة الورق، وربما يحسدوننا على الحياة. ومن الممكن أنهم كانوا أشخاص في حياة الكاتب بالفعل، كما الحال مع نجيب محفوظ مثلا، ولكنهم مروا بتعديلات أدبية حتى يصبحوا ما هم عليه في رواياته.  في محاولة للتفكير، استوحيت مما ذكره هيثم الورداني في كتابه "كيف تختفي" عن تفسيره للصوت الداخلي. يصف هيثم الصوت الداخلي الذي نشعر به أثناء القراءة مثلا، أقرب الأصوات إلى الفرد وكيف يعبر عن نفسه، كونه تركيبًا من أصوات متعددة، هذا الصوت يظهر في قراءتنا، نلاحظه يروي تجارب ليست لنا، بل للكاتب. ومن ضمن خصائص عديدة للصوت الداخلي، يقول إنه ليس إلا صوت الخارج يتردد بالداخل بعد أن اكتسب نبرتنا الخاصة. فبأخذ هذا الطرح في الاعتبار ومده بعض الشيء على استقامته، يمكن أن نقول إننا نستخدم ذلك الصوت أيضا في رؤية أنفسنا، وهذه الرؤيا تنبع من تأثير الخارج متمثلا فيما نتناوله من قراءة وما نمر به من تعاملات اجتماعية على صوتنا الداخلي. فتلك الرؤية قد تكون نتاج تباديل وتوافيق لرؤية الغير عنا. ومن هنا يمكن القول بأن الصورة الشخصية مستقاة من المحيط وقد نعتبرها مكتوبة من مجموع أشخاص متوسطهم شخص واحد تشكل في صوتنا الداخلي عن نفسنا. لكني فيما بعد رجحت فكرة صديقي بأننا، نحن البشر، نحتاج لشخص أن يرانا من الخارج، ويعتبر سقطاتنا مجرد مشهد واحد من الفيلم الكامل. وفي أحيان أخري، يبلور تلك الأخطاء لتكون هي محور الفيلم الجيد.
ربما كان ذلك السؤال الذي أطرحه على أصدقائي بشأن حياتهم، وكأنها أفلام سينمائية أو عمل أدبي في قصة أو رواية، وسيلة ما لي للتعبير عما أراه فيهم من إلهام من منظور شخصي. فقد أصبحت تلك المناقشات طريقة لي للتواصل معهم بشكل أكثر صدقاً وموثوقية، لأعبِّر لهم عن رؤيتي لحياتهم، ولأنقل لهم قصة تلهمني على المستوى الشخصي. لعلهم يصلوا لما وصل إليه شهريار من لحظة إدراك لحكايته، التي لولاها لما انتهت الليالي وظلت شهرزاد تعيد حكاياتها من جديد إلى اللانهاية. لعلهم يصلون بشكل من الأشكال للحظة "والله إن هذه لحكايتي" التي جعلت شهريار متشوقا ألف ليلة.. وليلة في سماع قصته التي ظن يوما أن الضجر يملؤها.
0 notes
grayze · 1 year
Text
عن الرطوبة والأسطورة والانهيار الذاتي
Tumblr media
في هدوء غرفتي الرتيب، عند الثانية صباحًا في إحدى الأيام من بوادر أغسطس، شردت كثيرا في العديد من الأفكار في وقت واحد. تنقلت بينهم في سرعة مشتتة ولم أستطع الخروج بشيء ملموس مما أفكر فيه بين يدي، أفكار متزاحمة تشغل كل زاوية في عقلي. أخذت كوبًا من القهوة وسحبت كتابًا، عازمًا على القراءة في الخارج، أملاً في استنشاق هواء مختلف عن هواء الغرفة التي بقيت ماكثا فيها طوال اليومين الماضيين. بشأن التشتت، نصحني بعض الأصدقاء بالتركيز على أبسط الأشياء لتمويه عقلي، ومن هنا، بدأت أتأمل كل ما يحيط بي: صوت غليان الماء، الأغنية الملائكية لبينك فلويد في الخلفية، حائطي الممتلئ بأوراق الملاحظات المهمة حتى لا تطير من بين الأفكار. فعلت ذلك دون وعي مني أنني عاجز عن التركيز على شيء منهم بعينه، وعندها أدركت أن محاولة الهروب من التشتت كانت تشتتًا بحد ذاته، فقد وجدت نفسي مشوشًا حتى في تأملي لتلك الأشياء.
خرجت وبمجرد أن فتحت الباب المؤدي إلى الشارع، تكثف بخار الماء المعبأ في الجو على نظارتي الباردة نسبيا من أثر برودة غرفتي. وتكونت طبقة ضبابية زادت من صعوبة الرؤية. خلعت النظارة، وفكرت في الأشكال الفيزيائية التي يمكن للماء أن يأخذها وأيها يفضل. وفي سيناريو خيالي، قررت نيابة عنه أنه يحب حالته السائلة. فهي بين البين من اتساع الكون عليه في حالته الغازية، وبين انحصار العالم عليه بصرامة في حالته الصلبة. وفي حالته السائلة تلك، يقضي معظم أوقاته. هكذا طوعت كل قوانين الطبيعة حتى تماشي فكري. وقتها كنت أرغب في إعطاء الأمور أكبر من حجمها وإضفاء طابع درامي على أبسط الأشياء.
ومن هنا شعرت بأن بخار الماء وجد غايته على نظارتي فكأنه أخيرا لقى راحته في حالته المفضلة، خلعتها وتأملته قليلا حتى سرعان ما اكتسبت النظارة حرارة الجو من جديد وشاهدته يعود بخارا كما كان. تلك حالة شاعرية مكثفة افتعلت لها مسرحا ونظمت كل فصولها حتى أقنع نفسي أنني والماء نلتقي في شيء ما وجدانيا، لكني بصعوبة بالغة أتتبع الفكرة حتى اكتمالها.
قلت لنفسي أن الماء هنا شعر بلحظات طمأنينة عابرة انتزعها خلسة من طبيعة الوجود في ظروفه الحالية. وأنه يشاركني التردد وعدم الاستقرار رغما عنه. يحاول دائما الرجوع لحالته المفضلة بانتهاز أي تغير في نسيج الحياة، حتى لو للحظات، وسرعان ما تسلبه العوامل شعور النشوة. كل هذا الأمر من تغيير في شكل بنيته لم يتخط بضع دقائق. ذلك أيضا يواسيني؛ فسرعة تردد الأفكار في عقلي، وعدم استقراري على تيمة موحدة أعرف نفسي من خلالها تشبه ما مرت به حبات المياة.
وصلت هنا في الكتابة وعدت من جديد أقرأ ما كتبت، فوجدت ذلك تشتتا أيضا، لكن دعنا من ذلك الشيء، فما شعرت به هو فرط تأويل لظاهرة طبيعية حدثت، لا الماء يفضل حالة عن حالة، ولا هو يواسيني بشيء.
على كل، نجحت في تتبع الفكرة حتى ولو بشكل صعب، وهذا جيد. لكن ذلك، وجهني لما أردده في باطني. حينما تشتد السبل بالعقل الإنساني يلجأ للحلم، للدين، أو للأسطورة ويعزي إلى أحد منهم أو جميعهم آلامه فقد يساعدوه في تفسير ا��أشياء العصية عليه أو حتى يقدموا له المواساة. فدائما ما يلجأ الإنسان إلى تفسير ما لا يدركه بما في حصيلته من إدراك، وإن عصى الأمر عن إدراكه فأجده يلجأ لما هو أكبر منه من قوى أسطورية، أو آلهة عليا تتحكم في كل مجريات الأمور. تلك الأشياء عصمت جزء كبير من الوجود الإنساني من انهياره الذاتي.
واستكمالا لما بدأته من درامية، أجد قوتي الخفية في مواجهة نفسي والعالم هي إضفاء المعني على أكثر الأشياء تجريدا وجمودا. قد بدأت ذلك منذ قرابة الخمس سنوات، أُلبس أكياس متطايرة في الجو رداء التوهان والضياع في الكون وأجدني أتحدث نيابة عنها، وعن رحلتها بين نهار وليل، أتحدث نيابة عن كلب ينبح، وأبدأ في تأويل حركة طفل رضيع. وأدرك أنني أعيد صناعة الأسطورة التي تعصمني من انهياري الذاتي، وأتذكر تساؤل فراس السواح عما إذا كانت تلك الأساطير تشف عن دوافع نفسيه ونوازع خافية باطنة وعن رغبة كامنة في اللاوعي عن تدمير الذات.
0 notes
grayze · 2 years
Photo
Tumblr media Tumblr media Tumblr media Tumblr media
295K notes · View notes