Tumgik
Text
أفطار مصري لأسرة متوسطة
" ادفع. ادفع. ليس لديك شيء آخر، لديك اليوم بطوله، لديك اﻷبدية فقط لتدفع. الشمس ساطعة، الشمس حارقة، الشمس قاسية، أشكى فليس لديك مُعين. ادفع. ادفع."
منذ سبع وعشرون سنة ومحمود السيوفي يقف هذه الوقفة في المطبخ المتواضع. يعد إفطار له وللصغير، حتى بعد أن أصبح  "شحط" كما يدعوه فإنه لم يتخل عن تلك العادة. يعد أهم وجبة في اليوم لأهم شخص لديه، كل شيء في موضعه المناسب هكذا . تتمحور كل اﻷصناف حلو طبق الفول، هو باق، قد يزيد عليه البيض المقلي أو الجبن أو كلاهما أن أتى أول الشهر رحيم لكن طبق الفول عتيد وثابت.
فاق يوسف من علقة أمس مع عصابة خطف الأطفال تلك، فاق على رائحة الطعام الذي طالما ما كان يُغصب عليه لكنه يعلم أنه يحتاجه.
- صباح الخير يا جدو. رماها يوسف عالمًا ما ينتظره هذا الصباح، حتى أنها قُبلت بلامبالاة. مبتردش! يعني انت كده مش عايز تعرف حصل ايه امبارح. ده أنا حتى أخترت أسم ليا اللى هتحرك بيه كمدافع عن الحق وكده.  قالها وضحك وكتم محمود ضحكته وتعليقاته العجوز. 
- يعني أدور عليك فين الساعة تلاتة بالليل أنا! لولا مكالمة دكتور بهاء أنا كان ممكن أروح فيها. احترم شيبتي طيب. 
- يا جدي مينفعش تكون بتقولى انى بطل خارق، وبتعلمني من زمان أني أدافع عن الحق والمظلوم وتيجي تقولي بتتأخر بليل ليه.
- خصوصًا عشان ده يا ابني، بس لو هتحط روحك في خطر لازم يكون ليك حد بيحميك ويدور عليك. وبعدين أنا اللي مربيك يلا، أنا أبوك وأمك وجدك، أقلق عليك دي حاجة قليلة.
كانت جملة "أنا أبوك وأمك وجدك" هي الحجة الرئيسية لدى محمود في جداله و الكارت الرابح، لكن وقعها على يوسف دائمًا مؤلم، تلك الجملة طالما ما كنت تفتح جرحاً لن أقول أنه في حالة استشفاء أنما في وضع لا تعرضه للنور كثيرًا.
"ادفع. ماذا كان اسمي قبل أن أتي هنا؟ لا تتوقف، ادفع. نعم،تذكرت، إنه سيزيف. ادفع، لا تتوقف. عقاب! هؤلاء المتغطرسين، فقط لأن لديهم القدرة. ادفع يا سيزيف لا تتوقف."
- سيزيف، آه. بس اشمعنى يعنى اﻷسم ده؟ قالها محمود دون أن يرفع عينيه عن طبق الفول.
- عشان ده بطل أسطوري يا جدو. يمكن معنديش أسباب منطقية أو تجاوب "ليه" بتاعتك، بس اول ما الطفل سألني عن أذا كنت باتمان ده الأسم اللى لمع في دماغي…بشكل غريب لقيته بيطلع مني، ومقتنع بيه. 
- بس ده كان شخص مخادع ولئيم وشرير وضحك على الآلهة وأكيد أكل مال اليتيم يعني. من أنهي ناحية بقى  أنت شايفه بطل بالظبط؟ يعني حتى محققش حاجة عليها القيمة في الحياة. كل حياته يا بيكدب على الناس يا بيكدب على الآلهة. مش سالك لاء. 
- دي نظرة عامة عنه، بس مش يمكن مكنش راضي عن الوضع الموجود، كان عايز يغير بس يمكن اهتمامه كان بنفسه لأنه أضعف من أنه يغير العالم. حتى اهتمامه بنفسه أفاد البشرية كلها لفترة لما ضحك على آله الموت وسلسله، حصل أيه؟ الناس كانت لفترة مش بتموت. أفادته محدودة على قد قدرته، عشان كان أضعف من القوة بس أقوى بالحيلة.
مد محمود يده لطبق الفول وشجع يوسف ليأكل وقال:
- هو شخصية أسطورية، والنظرة عنه هتختلف وكل الكلام الجميل ده، بس أنا حاسس أن عندك سبب أقوى للاسم ده.
- لو عندك تفسير قوله ونورني.
- لا معنديش غير المخلل. ما تقربه كده عشان واحشني الزتون.
"ادفع نحو الأعلى، ادفع. مخادع، كاذب، شرير، هكذا نعتوني. ادفع نحو الأعلى. لكني أرفض أن أكون ضعيفً. ليس اليوم ولا أبداً. ادفع نحو اﻷعلى، قريبًا ما ستهوى لكني دافعت ودفعت." 
- حد من العصابة آذى الولد على كده؟ قالها محمود وفمه مملوء بالفول.
- غير مكان الربط بس، وتجربة انه اتخطف من عصابة، لا محصلوش حاجة غير شوية عُقد نفسية.
بلع الجد ما في فمه، و ملء كأس ماء، رفع عينيه الى يوسف حتى أنتبه يوسف له. وقال 
- وفكرة أن بطل أنقذه، مش هتأثر عليه؟ مفيش أي أمل في الموضوع؟
- لاء، أصل فين البطل ده، بطل اتضرب لغاية لما طلع ميتين أهله! بطل كان فاضله دقيقة كمان وقلبه يوقف يا من الضرب يا من الخوف! مفيش بطل ولا حاجة، ستر ربنا والصدف حطتني في طريقهم وخلاص.
- بص لو فاكر اني حابب أقول عليك بطل عشان اتباهى بيك مثلا أو أعوض نقص في حياتي أو أمتداد ليا أو أي سبب تاني تبقى غلطان. الفكرة انك مش على طبيعتك، طبيعتك أنك ليك طاقة معينة لو مارحتش في مكانها غالبًا هتهب في وشك وفي وشنا. ولو مفيش بطل فأنت ليه خلقته؟ ليه أديته أسم؟ سيزيف، بطل المعاناة واللاجدوى!
- مش كل حاجة ليها سبب، مش كل حاجة نابعة من جوانا. بلاش الله يكرمك جو التحقيقات وكارل يونج وعلم النفس اللي مأكلش حد عيش غير الدكتور اللى ساعته بخمسميت جنيه. الدنيا كده، بتاخد منها الي قدامك وبتاخد منك الي معاك. دايرة وسخة. بتلف عشان تاكل في بعضها.
- سيزيف، سيزيف، صح أسم جه كده.
- أيوه يا جدي. لو مصمم تطلعه سبب يعني، فهو بيعبر عن حياتنا. معاناتنا في الحياة الجميلة الوردية، بنعاني عشان نجيب حاجات تفرحنا، الجاجات تقدّم، تبوظ فنحزن. نقرر نجيب عيال، منتظرين منهم يكونوا مصدر السعادة، بس مبيحصلش فنعاني، فيعانوا، ويطلع سلسفيل اللى جابونا، ونلف الدايرة تاني. كده اﻷسم مناسب ع الآخر. جواب مريح؟ أقتنعت؟
- حسن اسلوبك معايا يا يوسف. متنساش…
- أبويا وأمي وجدي. عارف وحافظ يا جدي.
"ادفع، ولا تتوقف. ادفع. ادفع أكثر، أن لم تفعل سوف يسحقك الحجر. ادفع لانك لن تموت بعدها،لن تطولك الراحة بعد ولا أبدا. فقط ستجري وراءه لتعود وتدفع. ادفع. "
قام محمود تاركًا يوسف أو سيزيف الى الصالة. فتح التلفاز على جملة الحاج سردينة يقول "خربش القط يخربشك، متجيش جنبه ميجيش ناحتك".  لكن نية العجوز نقل ساحة المعركة. وبعدها بدقائق جاء يوسف حاملًا كوبين من الشاي. وبلهجة المعتذر 
- حقك عليا جدو، أنا تايه، انت مش عارف أنا بحبك أد إيه.
يعلم محمود أن ذلك ما هو إلا طلب استغاثة وليس اعتذار فعلي.
- على كده هتفصل طقم جلد وتنزل بيه بليل عشان تحارب الجريمة؟ لازم اتصور معاك بالطقم ده.  وقهقه العجوز.
- عارف والله أنك مش هتمسك نفسك وتتريق زي عوايدك. كمل اللي حايشه.
- أهم حاجة تجيب حجر الطقم واسع عشان تخلف. وأكمل ضحكه.
- هخليك تفصله أنت يا حج، طالما مهتم أوي بيه.
- أوعى، أوعى يا يوسف المجرمين يشوفك يتحرشوا بيك. و انفجر في الضحك.
- يا عم هبقى انزل بالقميص والبنطلون عشان الأغراء، مبقاش في امان فعلا. وضحكا معًا، لكن محمود لم يرم قنبلته بعد. 
- صح أوعى تنسى سنوية ماما الخميس الجاي. بابا قالي أكد عليك.
أكل يوسف سد الحنك كله. لا منفذ لديه،دائمًا هو مُحاصر ذلك الحصار الناعم الذي لا يحق لك أن تهرب منه، الأبواب مفتوحة والهواء حر، لكنك لن تجرؤ على الهروب، فقط لا يحق لك.
- مش رايح يا جدي. مش رايح. ليه كل سنة هناخد الخناقة دي!؟ وبابا يٌشكر أوي أنه قالك تقولي. تشكروا كلكم والله. بس أعذروني، أصلي ناوي أحتفل بعيد ميلادي. 
- بقولك عشان عندي أمل. يمكن تشوف الواقع على حقيقته. 
- الواقع محتاج ميكروكروم يا جدي. ووقع في ضحك عصبي. أنت مبتضحكش ليه؟ مش عاجبك هزاري؟ يمكن عشان مش هزار أوي، هو بس اللي حاصل بس بضحك عليه.
- هو انت بتعمل اللي بتعمله ده ليه؟ ليه بتحاول تحمي الضعيف والمظلوم؟ 
تنهد يوسف حتى بلع نصف هواء الغرفة. صمت ونظر لجده في تحد، يحاول أن يكبح وحشه لكن العجوز كسر آخر الأقفال. ونطق:
- ومين قال أني بحاول أحمي الضعيف والمظلوم وجو المثالية ده! مين اللي قالك أني كده! فهمني بس ليه بنفترض تعريف للحاجة من غير ما نبص جواها.
- أمال عايز أيه؟ بتتسلى يعني؟ ولا بتجب تتكسر وتتشلفط؟
- انا هدفي اقضي على ولاد الوسخة، ومش عشان أنا بطل، عشان أنا نحس، أذى في صورة بني آدم. ودي طريقة الدنيا أنها تعاقبهم. في معاناتهم انا نفسي بتألم. بتلف كده يا عم محمود.
- ليه كده؟ ليه بتفكر كده؟ كلامك غريب، حتى شكلك بقى غريب عني. ليه يا يوسف؟
وقف يوسف وفي يده كوب الشاي، أخذ رشفة ليهدأ أعصابه، لكن يده ارتعشت. ما بداخله لم ينه كلامه، وقد يأخذ هذا عمرا للينتهي  وصرخ:
- عشان أنا نحس. وقذف بالكوب للحائط. وأكمل
- عشان أنتوا  بتفترضوا أننا كويسين و راضيين، بس من جوه بنعاني. جرّت طاقة في جسده فلم يجد إلا أن يركل المنضدة. لكن هنا - وأشار لصدره-  في وحش بينهش هنا. 
وقف محمود متظاهرًا بالهدوء ونظر للفوضى في عدم رضا واتجه لباب الشقة وقال:
- أول وآخر مرة ده يحصل. فاهم! هتنضف ده، هتنضفه.
خرج محمود السيوفي إلى القهوة تاركًا نار في صدر يوسف، يعلم أنها قد تُوقظ شيء بداخله، شيء قديم بالسوء الكافي ليدمره لكنه أن بقي أكثر لا يعلم إلا الله ما قد يحدث. أحضر يوسف المكنسة وبدأ التنظيف وهمهم :
- سبعة وعشرين سنة فيهم بسببي ثمانية رجالة بعاهات مستديمة، واحد جاله شلل، وواحدة ماتت. 
" ادفع، ادفع يا سيزيف. لم تختر ما أنت فيه، بل هو أختارك. ادفع، لأنه لا سبيل للرجوع أو للتحرك للأمام. ادفع، فقط ادفع"
2 notes · View notes
Text
لك نصيب من أسمك
يكاد الزحام أن يخنق ما به من صبر، لكن هدفه أسمى من يستسلم لرائحة العرق المختلطة وإلحاح الباعة على شراء ما لا يحتاجه. تلك المهمة أن يجد بذلة تليق بجسده النحيل لتتشرف ��ه أخته في خطبتها. لو أردنا الدقة هي تلك الصديقة التي سُمح له أن يراها مرتين كل عام، مرة في عيد ميلادها والأخرى عيد ميلاده. بالنسبة له هي صلة العائلة الوحيدة التي أختارها عن محبة، على كل حال ليس الوقت المناسب للخوض في مسائل عائلية.
يوجد طريقة واحدة لوقف الحشد المتدافع وهي مصيبة تشبع فضولهم. تجمع كل من في الشارع حول تلك المرأة المكدورة وهي تصرخ بحثًا عن أبنها. هناك الكثير من ال "يا لهوي" و الخبط على الصدر والولولة بالطبع. وفي محاولة لتهدئتها أعطت مواصفات لفقيدها، وبحث أولاد الحلال، لكن اللاجدوى متصدرة. يعلم يوسف أن احتمال أن تكون عملية اختطاف. الجاني على اﻷرجح قد ذاب، وهو ليس وحده، ربما يكون هو ضمن "أولاد الحلال". لذا فقد ابتلع مرارته و سحب نفسه من الحشد عالمًا أن لا شيء ليفعله هنا، لا توجد معركة له هنا. 
دفع نفسه في الحافلة العامة، من زحام إلى زحام. وجد حيز لجسده في علبة السردين تلك ووقف، وحدثت معجزة وقام شخص من المقعد المقابل له وجلس وأعين الحاسدين تحيط به، كرسيه في ذلك الوقت أقيم من كرسي وزير. حتى ظهرت تلك السيدة تحمل طفل نائم عمره بين ست لثمان سنوات، عملت الشهامة عملها فأفسح لها المكان. جلست دون أن تشكره وكأنه حق مكتسب لا تحتاج حتى المطالبة به. أزعجه هذا بعض الشيء فأعطاها بعض التركيز والتحليل النفسي.
هزيلة هي، طوى العمر من خلجات وجهها الكثير قبل الآوان، صارعت يدها الشقاء والفقر كما ظاهر عليها. ملابسها قد تكون نظيفة لكنها لا تطابق نظافتها الشخصية أو حتى مستواها اﻷجتماعي.
 في نظرة للصبي فهو نظيف بملابس مهندمة، يا لها من أم مراعية تهتم بنظافة أبنها أكثر ما تهتم بنفسها.
 يبدو عليه التغذية من خذيه الموردين، يا لها أم حنونة تطعم طفلها وتهمل نفسها.
يبدو عليه الوسامة، يا لها من أم كريمة لم تعطه من جيناتها شيء لحسن حظه.
أما أنها اﻷم المثالية وقاد فات على الدولة أن تكرمها أو أن هذا الطفل ليس لها. وها قد لعب القدر معه ومعها ووضعها في طريقه. لكن مثل هذا الاستنتاج لا يكفي، أن حاول أن يهددها أو يصيح ويطلب النجدة لسوف تستخدم سلاح المرأة السري وتتهمه بمئات التهم. لذا فضل أن يبدأ معركته على مهل، يبدأها بحوار بسيط ينتهي بدعوة. بادر بالكلام:
- ربنا يخليهولك. ما تصحيه كده بدل ما أنتِ شايلة على كتفك، \جشكله مش صغير يعني.
= معلش يا بيه، أصله تعبان، فى اﻷبتدائية بقى وبيذاكر ودروس. 
- ياااه، دروس في إبتدائية؟
= أمال، هو بقى في رحمة في الزمن ده.
- المدرسين دول، أعوذ بالله منهم. عيل في اﻷبتدائية ودروس للسنة الجاية.
= آه، ولاد كلب كلهم.
- يا ستي هاتيه انا هبقى أذاكر له، مش مستاهلة يعني دروس.
لعب الفأر في عبها، نظرت له في عينيه للتبيين مقصده، فهي كأنثى بعيدة كمطمع لشاب مثله. لذا ضمرت له الحيطة وأضافت نظرة عدائية له.
- بس هو فى مدرسة ايه كده؟
هي لا تستطيع القراءة لكنها تعلم أن ملابس الطفل عليها شعار المدرسة وأسمها. لذا أي جواب يكشفها. لتفاجئه:
 - أنت عايز إيه يا جدع أنت؟ أوعى تكون فاكرني ست من أيهم. أيييه، عمال تتودود وترغي، ومنزلتش عينك من ع الواد. لاء أن كنت من اﻷوساخ دول فانا فى حما الناس دي كلها. لو أنت من خاطفين اﻷطفال دول تتربى، ولو حاجة تانية لامؤخذة تتفشخ.
هذا الموشح كافي لزلزلة شهامة رجال الحافلة، ليقول البعض "جرى أيه يا أستاذ عيب"، "هو الناس جرالها أيه بس"، "هما الرجالة خلاص ماتوا في الحرب". ويحاول آخرين تجنب المشاكل ويضيفوا "حصل خير"، "خلاص محصلش حاجة"، "شكله ابن ناس، مفيش حاجة يا ست خلاص"
لم يتوقعها يوسف بهذه السرعة، لم يبغي أن تُحصر في الزاوية. لذا وقف صامت، بنظرة ازبهلال بلهاء على وجهه تقول "مقصدش حاجة والله" . 
وقف صامتًا تحيطه عيون متفحصة. صراع ما بين إحراجه المتولد من شكوك من حوله ورغبته المستعرة في إرجاع الطفل. لم يدم الصراع طويلا ووقف يراقب المرأة دون أن يلفت أنظار تحلق حوله من الأساس. أستمر الوضع حتى هبطت تلك اليد على كتفه كما يفعل أمناء الشرطة. 
-ياااه، يوسف! ماشوفتكش من زمن يا جدع
انتفض بطبيعة الحال، والتفت ليجد هذا الوجه المألوف، وجه لا يتذكر أنه يحمل له أي نوع من المودة والصداقة. وحقيقة أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن أكدت نفسها. هذه اليد تنتمي لمحمود، أو محمود نخلة كما أطلقوا عليه في فترة الأعدادية. لم يتذكره يوسف في البداية لكن الوجه لم يحمل له أي طمأنينة قديمة. بادر محمود بالكلام:
- يااااااه، يوسف! فينك يا جدع.
= أزيك يا معلم، عامل أيه؟!
- انت مش فاكرني ياض؟ طب افكرك! يوسف هشاشة. 
وقهقه محمود في سماجة أرجعت الذاكرة ليوسف لأعوام من المرارة. لم يتذكر تاريخ بالتحديد حيث وُلد "يوسف هشاشة" في أذهان أقرانه في اﻷعدادية، لكنه يتذكر كيف شعر وقتها. أطلق محمود هذا اللقب بعد ملاحظة أن يوسف كان نادراً ما يظهر دون جبيرة لتضميد كسر، مرةً ساعد، مرةً قدم، مرةً ضلع، وإلى آخره. لن نتطرق الآن لتلك الكسور بل سنرجع لمحمود الذي اختاره القدر ليأتي في وقت حرج.
- فينك كده يا جدع؟ وأيه لسه بتتكسر لما حد يعطس جنبك ولا خفيت؟ مش شايف جبيرة يعني!
= أنا كويس يا محمود. وأنت مبطلتش تنمر على خلق الله ولا خفيت. 
وضحك اﻷثنان في تحدي متخفي في الكلام. 
- دخلت أيه على كده؟
= كلية الهم، هندسة. وأنت يا محمود شغال مع والدك لسه؟
- آه، ماسك الشغل مكانه بعد ما تعب. بس والله الدنيا صعبة  وضغط الشغل مبيبطلش ومبقتش جايبة همها. اتجوزت ولا لسه صحيح؟
- حد يعرف يتجوز في الزمن اﻷخبر ده! وأنت؟
= والله خطبت بس طلعت بنت كلب طماعة. وشبه مصطفى صاحبنا لو فاكره.
وضحك، وجامله يوسف في الضحك. في الحقيقة تفاجأ أنه بدأ ثرثرة في تلك الأمور الشخصية بعد هذا الزمن، مع أنهم لم يكونوا أصدقاء من اﻷساس، هي تلك العلاقة بين صياد وفريسة. ربما أدرك لمن يعود لقب "هشاشة". ثرثرة محمود لعبت دور في تشتيت اﻷنتباه عن يوسف، في النهاية هو "يوسف هشاشة"، ما أقصى ما قد يفعله هذا الضعيف.
استمرت الثرثرة وظل محمود يحكي تفاصيل مخجلة عن نفسه متخفية في سخرية من يوسف. حتى قررت المرأة أن تتحرك الى مقدمة الحافلة مغادرة أيها، يتحرك هو للمؤخرة لينزل معها في حيطة وحذر. ينزل كلاهما، خطوتها سريعة واثقة رغم حمل على كتفها. لا يتذكر كيف وصل لهذا المكان المقفر، هي تعرف إلى أين تذهب. 
توقفت فجأة، فدارى نفسه في شارع جانبي. حتى زعقت:
- كان عندك مية فرصة ترجع ومرجعتش. مش فاهمة ماشي ورايا ليه أصلا. اطلع كلمني زي الرجالة.
لا مفر إذن، هو أحمق ظن نفسه ذكيًا. خرج يواجهها، بالتأكيد عندما يخبر أنه يعرف جريمتها سترتكب. حتى قالت هي:
- أنا واخدة الواد؟ صح. بس عرفت منين؟ من اللبس؟ الشكل؟ زعلت والله، عشان كنت متشيكة عشان أبعد عن الشبهات.
= يا بجاحتك يا ولية، انتِ عارفة أن دي جريمة والحكومة هتعرف شغلها معاكي.
- هيهيهي، شالله يا حكومة. هي أول مرة يعني. عيل بشخة يجي يقولي جكومة!
يتقدم ناحيتها ليأخذ الطفل منها. حتى يشعر ينفس ثقيل من خلفه. ويد تقبض على كتفيه كأنه لعبة لا حول لها. ينظر خلفه ليجد هذا الباب اﻷدمي. يسدد هذا الشرس ضربة لوجهه ويتظاهر يوسف أنه أغشي عليه. هي حكمة لا يعلم مصدرها لكنه أدرك أنه أن قاوم سيخسر معلومات أكثر.
وضعه الرجل إلى جانب الحائط والمهملات بعدما عقد يديه في عقدة ظنها قوية مثله. وميز يوسف ذلك المخزن المهجور، هل أخذته السينما من الحقيقة أم ما حدث العكس؟ وتصدى له أربعة أصوات مختلفة. المرأة التي خطفت الطفل، ذلك العملاق الذي لا يتناسب صوته مع هيئته، ورجل آمر كما يبدو زعيمهم، وشخص أخر لم يكن يميزه شيء سوى تلك العلامات الصريحة على وجهه بأنه مقاتل شارع، دقه الشارع حتى فقد ما به من رحمة.
نطق الزعيم بعد ما سافرت عينيه بين المرأة ويوسف المسجي:
- بوليس؟
=  لاء، لاء. واد خايب مشي ورايا من اﻷتوبيس. مش فاهمة خد باله إزاي. هو الطقم مش يجنن يا معلم؟!
- ألاجه يا زينة. شكله مدسوس من حد، بس شكله مش مننا.
تكلم الدرفة البشرية الذي كان أسمه بالمناسبة الدوكش:
* أنا فتشته يا معلم، طلع حتة مهندس كحيان. محفظته متعديش السبعين جنيه. 
= هو الطقم مش حلو يا دوكش!
* حلو يا زينة والله.
= أمال شك فيا ليه.
حتى نطق يوسف أخيراً وهو في وضع الرهينة ذلك:
-- يا زينة انتِ مفضوحة أوي. غير أن حظك وحش واني كنت موجود لما أمه كانت بتصوت وبتسأل عليه. ومعرفتيش أسم المدرسة والفرق ما بينهم شاسع.
في نص جملته ضحكوا كلهم لركابهم كما يقول التشبيه. وقال الزعيم:
- حظها هي اللي وحش! ده أنت أمك كانت بتدعي عليك بأيديها وسنانها يا جدع. 
* هو العبيط ده فاكر هيخلص ويروح لصحابه على القهوة ولا أيه. 
وضحكوا مرة أخرى. وهنا يظهر "يوسف هشاشة" تلك الشخصية التي تكسرت عظامها بعدد لم يكترث له على عكس طبيب عظامه.تلك الخدعة البسيطة حيث يلوي إبهامه المكسور ليجد فراغ في العقدة ويحرر نفسه. وقف في وضع قتال لن يكون متكافئ بالمرة. تجمع حوله الثلاثة رجال أن كنا نحسب زينة أمرأة حقاً، لكنها وقفت متفرجة. أنهالت اللكمات من الثلاثة في محاولات بائسة ليتصدى لها. وقع أرضاً سريعاً حتى أن أحدهم أشفق عليه، لكن البقية تجمعوا على ركل ما يظهر منه.
من أين يأتي العون؟ وكيف تتحقق عدالة السماء؟ ربما من القمامة. وجد يوسف الذي يشعر بآلام مبرحة لكنه لم يتخل عن حماية بطنه ووجهه. وف تلك اﻷثناء مد يد للقمامة فوجد قطعة زجاج لها طرف مدبب لكن هل تكون كافية، لا يهم هو أمسك بها فقط هي أمله الآن. توقفوا بينما يستعد الزعيم لأن يهوى على رأسه بشيء ثقيل أو يغزه بسكين في قلبه. وفي تلك اللحظة كان يوسف واقفًا وكأنه من ضُرب شبيه له. لوح بسكينة الزجاجي ليقطع شرايين في قدم أثنان منهم، لقد تعلم تلك نقاط الضعف في شبابه، يعلم كيف يُسقط خصم في ثوان. لما لم يهاجم الدوكش في البداية، غبي! وأمسك الدوكش بيده ورمى منه لعبته. نظر الدوكش لعائلته و التمعت عيناه بلهيب. رفع يوسف من كتفيه فلم يستطع مقاومته، وتقدم ناحية الحائط، لوح به ليصدمه به بخبطة قد يأنّ الحائط لها أن كان يستطيع. ودار ليتفقد زعيمه. لم يكن في حسبانه أن المعركة على وشك البدأ لكنه رأى ما يدلل فاه. لقد قام يوسف بل وجرى ناحيته. يعلم الدوكش أن حائط مخزنهم ليس هلمي أو هش، تدارك الموقف وأسمك بيوسف مرة أخرى، وكرر الرمية بقوة أكبر. قام يوسف وجرى كسهم ناحيته. لكن الأمساك به كان يسير فكرر الفعل وكرر يوسف رده. حتى صرخ به الدوكش.
- أنت إيه يا جدع؟
لم يرد يوسف عليه لكنه ردّ تلك الجملة من تدريبه "دايما احمي قلبك وراسك، بكل اﻷشكال يا يوسف". وتقدم يوسف في مرة بعدها أدرك أن الدوكش أعسر ومهاجمته من اﻷمام أو اليسار ليست ذات فائدة. فناوره من يمنه وسدد له تلك ضربة إلى ذقنه ليترنح الدوكش من تلك الضربة الحاسمة، لكن لا، لا تكفي لتسقطه، ليس بعد. تسلق يوسف الرجل وأمام وحهه قال "جدي كان دايما يقولي أني دماغي ناشفة أوي. بس عمري ما عرفت هي ناشفة بجد ولا لأ" وسدد له ضربة رأس، سال دم الدوكش أخيراً، سقط أخيراً. أغشى على الثلاثة رجال. وكانت زينة لم تعي ما يحدث، هي أضعف من أن توجهه. معها سلاحها اﻷبيض ولكن رهبة أحاطت بها منعتها من التحرك. تقدم يوسف في خطوات بطيئة ناحيتها وقال:
- الطقم حلو بس مش لايق عليكي. وسدد لكمة أسقطتها هي اﻷخرى. كان الطفل قد فاق لحسن خظ يوسف ورأى ما حدث. هل كانت ترقص أطرافه من الرعب؟ هل هرب الدم من وجهه اﻷبيض ليُصبغ باﻷزرق؟ لا جدال في هذا. همس يوسف في رفق:
- ما تخافش كده. في رجل بيخاف؟ ووضغ يده على خذه في رفق حتى أطمئن الصبي.
- أسمك أيه بقى؟
= أسمي مهند يا عمو. وعندي سفن. ورفع سبع أصابع.
= وأنت أسمك أيه يا عم؟ أنت بات مان؟
قهقه يوسف وقال:
- لا ده جامد ده، أنا مش حاسس بجسمي. عشان كده هتسندني نطلع للقسم ونروح لماما. أيه رأيك في الخطة دي. 
تم ربط اﻷربعة. أنطلق يوسف مستند للصبي، حتى تذكر الصغير. سأل: 
= أنت مقولتش أسمك أيه لسه.
- أسمي سيزيف، سيزيف المصري.
= أيه؟ أسمك غريب أوي يا عمو، أنا مش هعرف أنطقه. 
ضحك يوسف أو سيزيف وأدرك أنه على وشك أن يتقبل مصيره. لكنه لم يشترى البذلة بعد. وهذه معركة أخرى.
4 notes · View notes
Text
ميلاد البطل
يٌولد اﻷبطال في معامل تحت أختبارات عبقري مجنون. أو أناس أتوا من الفضاء بقوى تٌبهر العيون وتأسر القلوب. أبطال يمكنهم الطيران، إطلاق أشعة من أعينهم، قوة عضلية فوق الطبيعة أو حتى قراءة الأفكار. لكن بطلنا في هذه القصة وجد قوته بطريقة غريبة عن طرق اﻷبطال الخارقين، طريقة اعتيادية كطبق الفول المصري.
رمت الشمس رماحها، فهي لعبتها المفضلة في الصيف. ونتيجة المباراة ثلاثة مقابل هدف للفريق الضيف. تٌلعب المباراة على ناصية كبيرة كانت جراچ يوماً. تراست الحقائب المدرسية في كومتين لتمثل كل واحدة مدرسة ومنطقة، لذا المباراة حامية، هي تمثل الاعتزاز والتفوق. رغم عدم وجود جمهور. خاصة وأن الخصم يلعب معه وحش، وحش يدعى وائل. هذا الوائل خدمته الجينات ليصبح أطول من أقرانه، منكبيه أعرض منهم، حتى أن لديه هذا الشنب الذي يعطيه سن أكبر وهيبة. واﻷسوء أن وائل يعرف كل هذا ويستغله.
- "أهدا يا يوسف، وائل ده غشيم وبيكسر. متنشفش دماغك معاه. احنا كده كده مغلوبين مش فارقة."  قالها سالم وعاد للدفاع.
 حاول يوسف باستماتة أن يسدد هدف ثان لكن وائل يقف كحائط أمامه. في الحقيقة حاول الفريق كله أن يسدد والنتيجة أنهاك دون أهداف. لكن وائل يحب أن يثبت رجولته وأن المباراة أنتهت ولا جدوى من المحاولة. لذا تقدم بالكرة حتى قابل سالم - الذي نسى تحذيراته كما يبدو - ليعترضه. سدد وائل ركلة لم تستهدف المرمى بل يبدو أنها حاولت أستبدال رأس سالم بالكرة. سقط سالم على فوره وتجمع حوله فريقه، بينما لم يجرؤ أحد من الفريق الخصم على اﻷقتراب. سالت دمائه وبكى وتلقى التوبيخ والتهم أنه ليس "دكر".
قال وائل في نفاذ صبر "هتكلموا ولا تروحوا لأمكم بدري بدري؟".
يجري يوسف لمنتصف الملعب ويصيح "مين هيسنتر قدامي؟". ليقابله زملائه بنظرة تملؤها تساؤل "أنت عبيط؟". تستمر المباراة ويتقدم يوسف للمرمى يعترضه وائل. يضع جسمه، يزيحه بسهولة من على الكرة. يلحق به يوسف، يضع كتفً بكتف أن جاز لنا فارق الطول بهذا الوصف. يدفعه وائل دفعة خفيفة لكنها تحذيرية. لم يتعظ. يهجم عليه مرة أخرى مستخدم خفة يفتقدها الخصم، لكنه واجه دفعة أقوى من سابقتها ليطير مترين إلى يمينه. لم يتوان يوسف والتحم به ثالثة. يلعنه وائل بضربة من كوعه تصيب ضلعه وتطرحه أرضاً. وقف الجميع متوقعين بكاء يوسف صريعاً.
لا يشعر بصدغه اﻷيسر. ربما كٌسر كاحله. الأضلع تأن. تلك الآلام التي اعترت يوسف تجاهلها. لم يبك كما هو متوقع منه، لم يكن ليلومه أحد. أي منهم كان سيبكي ويسب ويتلو. لكنه قام من فوره، انطلق، انزلق، أخذ الكرة. جرى بها، يعلم جيداً أن العملاق سيلحق به، وائل شعر بالإهانة.قوته وما يميزه لا جدوى منها. خرجت المباراة من كرة القدم لمعركة شارع غير متكافئة اﻷطراف. وفي حركة مفاجئة دار يوسف بالكرة ليسدد طلقة محسوبة، استهدف بها نقطة الضعف اﻷزلية لدى الرجال. هكذا في المنتصف. سقط وائل غير مصدق، مزقته الدهشة، كل ما هو غير متوقع قاتل. وأسرع يوسف إلى منزله.
في الحقيقة هناك متفرج وحيد لهذه المعركة. هذا الرجل العجوز ذو النظارة هو جد يوسف. تابع المباراة ولم ينطق، لم يعترض عندما ضٌرب حفيده. يعلم جيداً أنه لن يتوقف. وصل يوسف ليجد الباب مفتوحاً. أول ما يفعله هو أن ي��وجع، صرخ ألماً، سقط وأمسك كاحله. يأخذه العجوز إلى مستوصف الجامع القريب. زهيد التسعيرة، وبه أطباء يراعون ضمائرهم في جزارتهم على حد تعبيره. يجد الطبيب عدة شروخ تمنعه خبرته من وصفها أنها سقطة من على سلم. لكن تبرير الجد بـ "ده عفريت والله يا دكتور، مطلع ميتين أهلي" كافي ليخبو فضول الطبيب.
 يصعد يوسف إلى سريره منتظر المحاضرة من الجد. يسحب الآخر كرسي ويجلس بجانبه وينظر له بوجهه خال من التعبير. ويسأل:
- أنا كنت بتفرج بالمناسبة. أنت ليه عملت كده؟ عنّد؟
-- حسيت اني لازم أعمل كده، كان لازم يشوف حق ربنا.
- وانت اللى هتجيب حق ربنا يعني؟ انت مالك؟ حد طلب منك حتى!
-- اللى يديه الحق أنه يفتري يديني الحق أني أجيبه.
أدرك يوسف أنه فعل الصواب، لكنه عاجز عن التعبير عنه. وتساءل في نفسه هل الصواب يُدرك فقط دون كلمات. 
-- ليه منزلتش كلمته كده لما شفت سالم وشه كله دم؟
- الواد عامل زي الطور بصراحة، خفت يضربني. وقهقه العجوز ليزيل التوتر. ارتدى جديته وقال:
- طيب، عايز أسألك سؤال مهم…أنت بلغت؟
ليضحك من جديد، تاركاً الصبي وجهه يتلون خجلاً. ويكمل عليه:
- بتتكسف يا واد من جدك. طب كنت أتكسفت وأنت بتتكسر ورجلك مجبرة أهي. 
-- جدو، ده الى حصل. هتصدقني لو قولتلك انى مكنتش قادر أوقف نفسي. أنا كنت عايز أقف وأمسك رجلي. مش هتكسف وأقولك أني كنت عايز أعيط. أعيط عشان خايف قبل ما أعيط من الوجع.
ثبت الجد عينيه على الشاب، أمال رأسه لليمين. وسأله:
- أنت عارف أنت اتزقيت كام مرة؟
-- تلاته، وفي التالتة سمعت صوت طقطقة. غالبا ده كان الشرخ في رجلي.
- كنت بتتوجع لما زقك الطور ده أول مرة؟
-- آه.
- وتاني مرة اتوجعت؟
-- سمعت حاجة بتتكسر وكان كعبي باين.
- والتالتة؟
-- كان قلبي هيفرقع من كتر مانا كاتم وجعي.
- عارف لو كان مسكك كان عمل فيك أيه؟
-- مش عارف غير أني مكنتش هبطل أحاول طول ما واقف على حيلي. 
سكت العجوز. تارة ينظر للصبي وتارة ينظر إلى فراغ الحجرة، يتمطع التوتر ويملئ الغرفة. يسأله:
- كان نفسك تبقى بطل خارق ياد يا يوسف؟
كانت المحاورات الطفولية تزعجه على الدوام. والجد بارع فيها.
-- أكيد يا جدو.
- كان نفسك تبقى زي مين يعني.
-- أي حاجة، اهو نبقى ندافع عن نفسنا بأي حاجة.
- بس اﻷبطال دول معندهمش قوة عشان يدافعوا عن نفسهم. لو على نفسهم فهما كده مش أبطال.
-- أيوه وبعدين.
يسكت الجد منتظر اﻷجابة ليكمل لعبته.
-- كان نفسي اقدر أختفى. أبقى شفاف ومحدش يشوفنى.
خاب أمل الجد من اﻷجابة. لكنه يستعيد تلك الروح ويرمي الجملة من على صدره.
- انت بطل خارق يا يوسف.
-- نعم! آه. أنت مكسوف تقولي أني عندي حق، وأنه يستاهل اللي حصله. بس انت فاكر اني لسه عيل. وهقولك احكيلي حدوتة، وتقولي كان يا مكان فى بطل أسمه يوسف! عموما شكراً يا جدو.
- سيب موضوع كان يستاهل ولا لأ ده بعدين. بس أنا أقصد كل كلمة. أنت بطل خارق يا يوسف.
نما خوف لدى يوسف، ظن أن العجوز عطب وأصابه الخرف. ورأى مستقبله، وكيف سيعوضه عن أيام الطفولة التي دفعها سلفاً.
-- مالك يا جدو؟ متخضنيش عليك الله يكرمك. بتهزر زي عوايدك، صح؟
- لا يا حبيبي، بص للفعل والنتيجة. والأهم بص للسبب. أنت شفت ظلم ودافعت. دي صفات البطل.
-- وده بطل قوته الجدعنة يعني ولا أيه؟ ما في جبيرة أهوه وهقعد من المدرسة.
- أيوه ما أنت قوتك مختلفة. المشهور هما الأبطال اللي بيتطيروا وعندهم عضلات في حتت مبيطلعش فيها عضلات. دي كلها قوى مادية. بس أنت عندك قوة من نوع تاني، قوة روحية.
-- أيوه، يعني هبقى مدرب تنمية بشرية يعني؟ الله يكرمك يا جدو أنا تعبان ومش فايق لهزار.
- أنا كان لازم أقولك يا حبيبي. اللهم فأشهد.
لم يختم الجد مزحته، فتطاير القلق وأستقر في الأفئدة. خرج وقبل أن بغلق الأضواء قال:
- أهم حاجة لما الفكرة تستقر في قلبك، مش عايز ألاقيك لابس غيارك الداخلي فوق البنطلون، أنت كل غيراتك مقطعة.
قهقه العجوز بينما قلب الشاب وجهه، لم يجيب. 
- أضحك ياض، ميبقاش دمك تقيل زي أمك. الله يرحمها.
 ها هي أول قصة في أكتشاف بطل خارق جديد، بدأت موهبته في سن صغير. أرويها إليكم أنا محمود السيوفي، عن بطل يدعى يوسف عباس محمود السيوفي. أو كما يناديه البقية يوسف السيوفي. ربيته وأعلم خبايا قلبه. عندما حكمت عليه أنه فوق الطبيعة لم أظلمه بل أنرت طريقة ليعرف نفسه. كانت تلك البداية فقط. وأرويها لأن لا أحد يمكن أن يرويها غيري.
8 notes · View notes
Text
أستفتاح
أهلا بيك في بلوج عن بطل خارق مصري. فكرة أتهرست في حاجات كتير هابطة، أو لو مش هنطلق أحكام هنقول كوميدي. هنا المشكلة، أحنا ليه مش شايفين أن ممكن يكون عندنا بطل خارق. يمكن عشان تعريف البطل عندنا راح في دايهة. البطل في أبسط تعريف هو شخص أكتسب قوة وبيها بيقدر يرتقي على الضعف البشري ويساعد بيها الناس الي حوليه. شخص بيمثل اﻷمل والخير والحب والتضحية. رمز للمقاومة والحفاظ على العدل. كون أن المعنى ده مختفى عندنا وتتطلعتنا ليه في كل القصص الأجنبية أظن فيها فقدان أمل، حالة من الجمود وأن مفيش أمل يطلع مننا حد يقدر يحمي العدل
البلوج ده هو محاولة مش أكتر، محاولة للكتابة وتحقيق شغف شخصي. وكمان هو محاولة للأمل وأني ألاقي رمز، بطل، أسطورة تعبر عن واقعنا وأيه ممكن يقودنا لوضع أحسن. شوية أفكار مش مترتبة لسه، لكن كلها حولين قصة بطل خارق مصري، قوته نابعة من واقعنا، قوة يمكن محتاجها، شخص وجوده ممكن يفرق في الحياة فعلا
حاسس أني محتاج أقول لقيت الفكرة أزاي. الموضوع بدأ وأنا بعمل صينية بشاميل، مش بروشن بس ده الي حصل. فكرت قدر أيه أنا حاولت أني أطلع الباشميل حلو أنا بعمله من أوله لآخره، كمية مثابرة كبيرة. وصوت بابا بيتردد في الخلفية لو كنت بتتعب كده في حاجة مفيدة كان زمانك في حتة تانية. وأفتكرت أيه المرات الي سيبت حاجات فيها ومكملتهاش، مثابرتش فيها زي البشاميل كده، في عُمق في الباشميل. بالمناسبة البطل مش بيضرب كور بشاميل على الأعداء، مع أنها هتبقى قوة لذيذة جداً وملهمة. يمكن دي تكون حكاية تانية
طبعاً لو كان عندي متابعين فالسلسلة - أن شاء الله يعني - مش هتكون بالعامية، ما عدا الحوار لضمان مصريته يعني
5 notes · View notes