#تناسب | Explore Tumblr Posts and Blogs

yooo-gehn · 5 months

Text

لماذا قد يجعل الدين المؤمنين أكثر غباءًا؟

لا، هذا البوست لا يهدف لإهانة الدين أو المؤمنين به على الإطلاق. بل هو فقط حجرة ألقيها في الماء الراكد.

أتابع العديد من الفيديوهات على يوتيوب بالإنجليزية، أغاني وبودكاست وسياسة وعلم وفن وقنوات متنوعة، وأكثر ما لفت نظري هو أن التعليقات عادةً ما تناقش صلب الموضوع أو تضيف إليه ملاحظات ذكية فعلاً، ولم أملك إلا أن أشعر بالحسرة بمجرد تذكر منظر العديد من التعليقات على المحتوى العربي. كم لايك على الصلاة على النبي؟ أو مناقشة مدى حرمانية المحتوى، أو تعليق ألف كلمة بشأن موضوع ديني لا علاقة له بالمحتوى على الإطلاق، أو استخلاص حكمة دينية ما، أو إثبات رؤية الدين في موضوع المحتوى..

ولا أتحدث حتى عن محاولة لفت الانتباه وحصد اللايكات بالتمسّح في المقدسات، كمن يصيح كم لايك لرسول الله وهو يطوف حول الكعبة، ولا أتحدث عمن لا يبذل أدنى مجهود عقلي ويكتفي بنسخ صفحات جاهزة من إسلام ويب أو بوستات صفحات إسلامية..

المشكلة هنا أن المساحة العقلية التي كان يجدر بها التفكير المتأمل في الأشياء، يصادرها الدين عند هؤلاء لصالح أوامر ونواهي ورؤية جاهزة نهائية للعالم تُشعِر صاحبها أنه لم يعد يحتاج إلى التفكير، بل وإذا تجرأ على التفكير في معتقده نفسه، أخبروه أنه ليس مؤهلاً لذلك، وأن عليه دراسة مئات الكتب أولاً.. هذه الطريقة في التعامل مع الدين تشجع صاحبها على الانغلاق، وعلى أحادية التفكير وضيق الأفق، والاعتماد التام على آراء مصادر السلطة أو الشيوخ والفقهاء، هو لا يرى شيئًا في العالم إلا ما يمليه عليه الدين، ولا يعرف عن الدين إلا ما يخبره به الفقهاء، ولا يعترف إلا بما يتوافق مع كل ذلك، كل شيء محسوم، كل شيء معروف مسبقًا، ولا بأس إذا كنت لا أعرف، فهناك من يفكر بدلاً مني، أنا أصلاً لست مؤهلاً للتفكير والمعرفة مثلهم..

وهكذا يمثِّل الدين بالنسبة لهؤلاء العذر الأمثل لعدم التفكير، وفي نفس الوقت اكتساب الاحترام بسبب ذلك! هي رؤية كاملة للعالم قائمة على أن مصدر العلم الوحيد الذي يستحق الدراسة هو الدين، وأن الوحيدين الجديرين بدراسته هم "علماء" الدين، ولا بأس إذا تحولت أنا إلى حمار جر.. كلنا حمير ربنا..

كيف تسلمك أي سلطة مفاتيح الهرب منها؟

ولكن الدين نصوص، قرآن وأحاديث وفقه، وإذا سمح المؤمن لنفسه بالتبحر فيهم لأدرك أن حتى الدين يحث على التفكر والتعقل والتدبر في سياقات مختلفة، وأن الشيوخ عاجزين عن الإلمام بشتى مجالات العلم، بل مجرد درسوا رأي الدين فيها، هذا هو مكانهم الحقيقي، هم ليسوا أنبياء العصر بل مجرد حلقة وصل بينك وبين النص، تعينك على فهمه، ولكن لا تلزمك برأيها وإلا أصبحت كهنوت، وأصبحت أنت تعبد آرائهم عن صحيح الدين.

هل تعلم أن آية: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" لا تعني أطيعوا فهم الفقهاء وسلموا لهم عقولكم�� هل تعلم أصلاً أن الآية الكاملة هي: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، أي اسألوا أهل الكتب والرسالات السابقة عن رسالة النبي؟ أو في تفسير آخر أن أهل الذكر هم أهل الأمة التي نزلت فيها رسالة محمد؟ هل تعلم أن جملة "لحوم العلماء مسمومة" ليست حديثًا نبويًا ولا قولاً مأثورًا للصحابة، ولكن هالة القداسة التي صاحبت العبارة هي ما أوحت لك بذلك، كما أوحت لك هالة القداسة التي صاحبت هؤلاء العلماء بأن كل ما يتلفظون به مقدسًا؟ هل تعلم أن المسلمين عاشوا أزمنة كان الفقهاء فيها هم من يتوددوا للعامة، ويحاولون تفسير النصوص بشكل يجذبهم وييسر عليهم حياتهم؟ أعلم أهل الأرض؟

نحن ندرس الفيزياء في المدرسة لننال الدرجة النهائية وننسى كل ما تعلمناه بعد الامتحان بنصف ساعة، ثم نتحسر على أن الدين "لا يُضاف إلى المجموع" وهو ما يُملي علينا حياتنا كلها!

ماذا يعرف الفقهاء عن علم الاجتماع؟ عن علم النفس؟ عن الكيمياء والفيزياء والأحياء؟ عن الرياضيات؟ عن الفلسفة والموسيقى والفن؟ عن المنطق والسياسة والاقتصاد؟ لا شيء. صفر. زيرو. كل ما يعلمونه هو دراسة نصوص الدين، ولكنهم بشكل ما أوهموك أنها تُغنيك عن كل علم آخر، وأن كل فكرة وكل تصور للعالم خارج حدود آرائهم حرااااااااااااااام.

وماذا يفعلون حينما يضطرون لتبرير حكم الدين في أي مجال مما سبق؟ يبدؤون في التحدث بثقة عما يجهلونه، ويشكلون كل معلومة على هيئة تناسب انحيازاتهم، ويرتكبون شتى المغالطات المنطقية الصارخة، وهم يعلمون أنهم يوجهون كلامهم لملايين يبتلعونه بدون تفكير.

كيف لك أن تعلم أي انتقاد للشيوخ وأنت لا تستقي معلوماتك إلا منهم ولا تفكر إلا في الإطارات التي سمحوا لك بها؟ كيف تسلمك أي سلطة عليك مفاتيح الهرب منها؟

ولكنهم أفنوا عمرهم في دراسة الدين، فلماذا تساوي نفسك بهم يا جاهل؟

الخلافة العثمانية حرمت الطباعة بحروف عربية لمدة ثلاثة قرون من الزمن، جمع السلطان "بايزيد" فقهاء بلاطه لإصدار فتوى بتحريم الطباعة لأنها آلة غربية، ولمعرفته بحركة نهضة شعوب أوروبا بعد ظهور الطباعة فيها، فحرم الفقهاء الطباعة بسبب هزلي هو الخوف من تحريف القرآن الكريم!

ناهيك عن أن علماء الدين في هذا الزمن كانوا يبجلون ويوقرون مهارة "الحفظ"، وكان لزامًا على الناس كتابة النصوص بيديهم، حتى لو كانت كتبًا كاملة، ليتمكنوا من حفظها، وحين ظهرت الطباعة جعلت الناس تتراخى وتتكاسل عن كتابة الكتب بيديهم.

ولكن إذا صح كل ذلك، لماذا لم يقتصر منع الطباعة على القرآن وكتب الفقه؟ لماذا مُنعِت طباعة كتب الطب والرياضيات والعلوم والآداب؟ في رأيي لأن وجود وسيلة سهلة تؤدي إلى زيادة وعي الناس وحسهم النقدي معناه خروجهم عن طوع الحاكم. لن يرضوا بسهولة ولن يطيعوا الأوامر بسهولة وسيطالبوا بحقوقهم، وسيتمردوا على أي سلطة تفرض نفسها عليهم بحجج فكرية هزيلة.

غرقت بلادنا في ظلمات الجهل لثلاثمائة سنة بسبب حُكّام أرادوا إحكام قبضتهم على شعوبهم، واستعانوا بقداسة الدين والفقهاء لدى الناس لينجحوا في إعلان أسباب لا يجادل أحدًا معها. بالتأكيد أنت لا تعلم أكثر من الفقهاء. ولكن في عصر ثورة المعلومات الحالي، وتعدد وسائل المعرفة وسهولة الاطلاع عليها للجميع، لا يجب أن نظل متمسكين بفكرة العالم والجاهل في المجال الديني، انهارت قيمة "الحفظ" في الدين فلماذا لا نعلي من شأن فهمه؟ وحتى إذا كنت لا تقرأ الكتب، المعرفة الآن صارت على بعد بحث واحد متعمق على الإنترنت. لا بأس بالعاصي وتبًا للمفكر

كم حاكم إسلامي على مر التاريخ سخّر الفقهاء لصالحه لإقناع الناس بآراءه وميوله الدينية على أنها صحيح الدين؟ ولماذا نذهب بعيدًا؟ ألا تشهد بنفسك تحول السعودية من الوهابية إلى التحرر والسماح بالسينما والغناء والمسارح وقيادة المرأة، بعد أن كانوا جميعًا رجسًا من عمل الشيطان؟ هذا مصير الناس الذين لا يفكرون لأنفسهم أبدًا، يتحولون إلى عرائس ماريونيت في يد من يفكر لهم مادام اكتسب سلطة مطلقة على عقولهم وحياتهم.

هؤلاء الشيوخ يخيفوك من "الرويبضة" الذي يتحدث في شؤون الدين عن جهل، حتى لو كان يتحدث عن أسلوب تفكير لا علاقة له بتفاصيل علوم الدين، وهذا لأنهم يتسامحون مع العاصي ويسمحون له بالوجود، ولكنهم يفتكون بالمفكر ولا يطيقونه، حيث العاصي هو جمهورهم الذي يمنحهم الشعور بالأفضلية ويتوجهون إليه بخطابهم، أما المفكر فيزحزح الأساس الفكري الذي يرتكنوا إليه.

المعتزلة

المعتزلة فرقة إسلامية تُقدم العقل على النقل، أي أنها تضع النص في مرتبة أدنى من معناه وأثره. فلسفتها هي أن كل نص يتعارض مع العقل والمنطق والعدل والحكمة، لا يمكن أن يصدر من الله، وهي الفرقة الوحيدة فعلاً التي تنطبق عليها مقولة ربنا عرفوه بالعقل.

ولكن كل هذا لا يهم إذا فرضت عليك استخدام عقلك كما آمرك. في عهد الخليفة العباسي المأمون بلغ الاضطهاد الديني ذروته، اعتقد البعض حينها أن القرآن وكلام الله "مخلوق"، واقتنع الخليفة المأمون بهذا الرأي، وعزل كل قاض لا يؤمن به، وعاقب علماء الدين وسجنهم وحتى قتلهم ما لم يمتثلوا لعقيدة المعتزلة.

إذن تريدني أن أستخدم عقلي ولكنك ستتحكم في المسار الذي أسمح لعقلي بالتفكير فيه؟

وإن كنت وُلِدت في عصر الخليفة المأمون ووجدت نفسك مسلمًا معتزلاً بدون أن تفكر فيما أُملى عليك أو تجرؤ على الاعتراض، كنت على الأرجح ستدافع عنه بنفس حرارة دفاعك عن الشعراوي والحويني ويعقوب. كنت ستصيح بأن إسلام المعتزلة هو الإسلام الصحيح. هذا لأن الأهم من العقل هو حريتك في استخدامه، ألا يمس أحدًا بفضولك واستكشافك وتأملك، وكل المشكلة أن هذه أشياء تجعلك غير قابل للخضوع والوقوف خانعًا في الصف، ولا يوجد نظام سلطوي سيسمح لك بذلك.

كيف يجعلك الدين غبيًا؟

الدين بإمكانه تحويل الكثيرين إلى حفنة من الأغبياء إذا دربهم على أن يكونوا تابعين منقادين تتمحور حياتهم كلها حول موضوع واحد لم يتوصلوا إليه حتى بمجهودهم وعرقهم وتفكيرهم.

ونعم أسمعك يا من تقول لماذا نؤمن إذن إذا كنا نستطيع تدبر أمورنا بأنفسنا؟ نحن لا نثق في عقولنا ولا قراراتنا. ولكن ما لا يدركه هؤلاء أن اتباعهم هذه النسخة من الدين هو في الأصل قرارهم وإن أنكروا. إذا لم تستطع الثقة في عقلك يجدر بك عدم الثقة في أي شيء آخر يقودك عقلك إليه، بما في ذلك فهمك للدين.

وفي النهاية دعني أوضح أني أنتقد علاقة محددة بين الدين والمؤمن. المناخ الديني الحالي هرم على قمته الشيوخ والفقهاء وعلى قاعدته المؤمنين، وأنا أقول أن كل ما سبق هو النتيجة الطبيعية لهذا الهرم. هل كل مؤمن متدين بالضرورة يقع في هذه الأفخاخ؟ قطعًا لا. أنا أعلم مؤمنين أذكى وأكثر اطلاعًا وحكمة مني. لأن الدين انعكاس للمؤمن به وهم كانوا مثقفين متمردين على السردية السائدة المحدودة للدين.

#تأملات في الدين

39 notes · View notes