اكتب إليك ِ الليلة مرة أخرى وكلي يقين وأن أذناي هاتين لن تتلقيا أي جواب او صدى مغاير للعناق المتكرر الذي أسمعه الآن و المتأتي من قلمي هذا مع كومة الورق المتبقية . .
لا جديد يذكر ..
الأيام ثقيلة كعادتها و الليالي لازالت طويلة ، داكنة ، مليئة بالذكريات و الخيبات و مشبعة بأدوات الشيطان * لو و أخواتها *
قدمت استقالتي البارحة من الوظيفة ، خطوة لم أظن يوما أنني سأكون قادرا على اتخاذها بهكذا سهولة .. و كم أتمنى ان تتاح لي الفرصة كي أقدم استقالتي النهائية القاطعة من الانسانية.. فلا شرف اجده يذكر و لا خير يرجى من الانتماء لمخلوقات همجية ، مسعورة كهذه .. مخلوقات لا زالت تعيش حيواتها بصفة عادية دونى ادنى تانيب ضمير .. و كيف للتأنيب ان يحل محله إذا غاب الضمير نفسه لاستقباله ؟
باتت الاحلام هي الاخرى مروعة مثل الواقع : صور للقصف المتكرر ، للأشلاء الملقاة هنا و هناك تتبعني ، صراخ الأطفال و بكائهم يعانق بات هو الآخر لا يفارق أذناي طول الليل .. في محاولة لربما لضميري ان يخترق قلة الحيلة و الصمت اللذان باتا يكبلانني ..
يقال أن بعض الناس يمكن ان يغترفوا من نهر الحياة في سن صغيرة ما لم يغترفه آخرون تجاوزوا المائة خريف ، و أظن أنا المفتاح الحقيقي لهكذا تباين لا يتجاوز الكلمة الواحدة ألا وهي الإدراك ، عزيزتي ..
أن يتمتع الإنسان بخالصة كهذه شيء قيّم و متعب جدا في آن واحد كون الإدراك لا يرتاد في أغلب الأحيان الأفراح و المناسبات السعيدة و يخيّر أن يظهر في معظم الوقت عند مفترقات الحياة كي يقود الإنسان من يده نحو حقيقة ذاته و حقيقة الأشياء من حوله .. تلك الأبعاد الغير مرئية التي لطالما مررنا جانبها ..
لا أعلم كم من الوقت و من الدمار و من المشاهد الطاحنة سيحتاج العالم كي يدرك حقيقة الحرية التي لم يمل شرذمة الساسة من تسويقها هنا و هناك ..
كم من جثث الأطفال كي يدرك العالم ان حق الحياة لازال يخضع لتفضيلات عرقية و دينية ..أن ميزان العدل أعرج .. أن الانتماء لقضية يستوجب مقاومة لأن النصر لا يولد سوى من رحمها ..
كم من الشهداء نحتاج كي يدرك العالم و أن العيش في سلام لا يعني العيش في رغد ، فالسلام لا يعني حرية ..
وخاصةً
و كم من الكفاح سيحتاج العالم كي يدرك أن الحرية لا مقايضة فيها ..