سورة الإنسان
تبدأ سورة الإنسان باستفهام تقريري ، لتقرير وإثبات حالة معينه للإنسان ، وهي أنه كان في زمن معين لم يكن له ذكر ، ولم يكن مخلوقا ، إذن فمن اوجد هذا الإنسان علي هذه الخلقة الحسنة ؟!!
يأتي الجواب ( إنا ) اي الرب سبحانه ( خلقنا الانسان ) وأصل الخلق الإيجاد من العدم ، فالإنسان خلق من نطفة ، وقبل النطفة ماذا كان ؟ كان عدما . تلك النطفة كانت أمشاجا أي خليطا من ماء الرجل و ماء المرأة ، ليكون منهما بشر له سمع وبصر .
وبعد خلقنا للإنسان ، جعلنا له طريقين ، طريق الحق وطريق الغي ، ووهبناه عقلا يميز بينهما ، فمن آمن بالله وصدق بآلائه وشكر كان من أهل النعيم ، ومن كفر وجحد بالآيات كان من أهل الجحيم .
ثم يصف سبحانه وتعالي حال الأبرار أهل الإيمان والتقوي في الجنة : يشرب أهل الجنة من كؤوس خاصة ، الخمر فيها ممزوجة بالكافور الذي يحسن طعمها وينعشه ، ومن فضل الله عليهم أن جعل أعين الماء وغيرها تتفجر بأمرهم وقتما أرادوا ، وهذا علي غير العادة ، فهو نعيم خاص بأهل الجنة .
ثم يذكر سبحانه سبب جزاء المتقين بهذا النعيم ، وهو :
* أنهم إذا نذروا نذرا اوفوا به ، فمن صفات المؤمن أن يكون وفيا مع الله ومع عباده .
* يخافون يوم القيامه فشره كان مستطيرا أي شرا عظيما فاشيا ، استطار فعم بلاؤه كل شيء في السماء والأرض فانشقت السماء ونسفت الجبال وعظم هول ذلك اليوم .
*يطعمون الطعام : وهو وصف لسخائهم رغم حاجتهم وفقرهم ، فهم يطعمون الطعام علي حبهم له وحاجتهم إليه ، يطعمون المسكين أي المعدوم ، واليتيم وهو الطفل الصغير لا اب له ، والأسير وهو اسير الحرب .
* الإخلاص في الأعمال وهو أصل قبول الطاعات ، وهو جوهر الإيمان وعموده ، دل عليه قوله تعالى علي لسان المؤمنين المتصدقين ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا ) ، فما أعطيناكم الطعام إلا ابتغاء لرضا ربنا وطمعا في أن يرحمنا من عذاب يوم القيامة ، ولم يكن عطاؤنا لكم طمعا في مصلحة أو منفعة منكم ،
ولا يصل المرء لهذه الحال إلا بعدما يكون حب الله ملأ قلبه ، فنسيان حظ النفس مقابل رضا ربها ، هو من أعلي درجات الإحسان .
* الخوف من الله ، فهم يخافون من ربهم وخالقهم ، ويخافون ذلك اليوم الذي يحشر فيه الناس ، ليصور لنا القرءان ذلك اليوم وكأن له وجها عبوسا غاضبا قمطريرا اي شديدا لا يطاق ،
ثم لما كانت هذه صفاتهم ، وكان هذا الح��ل الحسن حالهم ، كانت لهم هذه الجوائز :
* وقاهم اي رحمهم الله من شر يوم القيامة وهوله .
* لقاهم نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم ، نعم هذه هي السعادة التي طالما بحث عنها أهل الدنيا فلم يجدوها.
* جزاهم بما صبروا جنة فيها مالم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر علي قلب بشر ،
* (وحريرا ) ذالك الحرير الذي حرم عليهم في الدنيا ، صار لباسهم اليوم في الجنة ، ولباس الحرير ينبيء عن حال عظيمة من شدة النعيم .
* (متكئين ) تأملها وحدها ، فبعد العمل الشاق تأتي لتجلس وتتكيء علي أريكتك ،كذلك أهل الجنة تعبوا في الدنيا فمن طول قيام في الصلاة ، أو جهاد في سبيل الله ، أو عناء في طلب الرزق ، جاء هذا اليوم لتتكيء وترتاح وتنعم ، مضي عهد العناء ، كما قال حبيبنا لبنته فاطمه قبل وفاته ( ليس علي أبيك كرب بعد اليوم ) .
* علي أرائكهم متكئون في ظل ظليل ، فلا هو شمس حارقة ، ولا هو زمهرير أي برد شديد ، فجو أهل الجنة جو المتعة وهدوء الأعصاب وراحة البال .
* (ودانية عليهم ظلالها ) فبينما هم في الجنة ، إذ تظلهم أشجارها ، فظلها قريب منهم ، كما أن قطوفها وثمرها قريب منهم أيضا ، وأنت جالس في مكانك أيها العبد التقي ، تتدلي عناقيد العنب وأصناف الفاكهة ليكون قربها من فمك لربما هو أقرب اليك من يدك ، وهذا معني ( تذليلا ) اي ذللت تذليلا فوق تذليل ، فما هذا الترف وما هذا الجمال ؟!
*( ويطاف عليهم بآنية من فضة ) فهؤلاء الأطفال الذين هم كالدر المنثور ، يطوفون عليهم ليسقوهم شرابا وضع في آنية الفضة ، وأكواب كانت من فضة علي هيئة قوارير صافية شفافة ، ( قدروها تقديرا ) فتكون كمية الشراب مقدرة تقديرا بحيث تكون كافية وافية لهم .
* ( يسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) والكأس يعني بها كأس الخمر مازجها شيء من الزنجبيل لتكون طيبة ، وشتان ما بين خمر الدنيا وخمر الجنة .فليس مما في الجنة شيء يشبه مافي الدنيا إلا الاسماء .والزنجبيل كانت تحبه العرب وتشتهيه .
* (عينا فيها تسمي سلسبيلا ) تلك العين في الجنة من جملة مافي الجنة من العيون ، سميت سلسبيلا وهي العين السلسة في جريانها ، اللذيذة المشرب ، كذالك تسري في الحلق بسلاسة وطيب .
* (يطوف عليهم ولدان مخلدون ) وإذ هم كذلك علي تلك الحال الحسنة ، متكئين تحت ظلال أشجار وثمار الجنة ، إذ يخدمهم ويطوف عليهم أطفال صغار - وذلك لأن الإنسان جبل علي حب الاطفال الصغار لما فيهم من براءة وجمال رباني - قد خلقوا في الجنة لخدمتهم ، وإذا أنت رأيتهم من بعيد حسبتهم كأنهم مجموعة من الجواهر والدرر المنثورة علي الأرض .كناية عن فرط جمالهم وتألقهم في ثيابهم الجميلة .
* ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) وإذا نظرت إلي إلي مكان في الجنة تري النعيم في كل مكان حولك ، وذلك لا يكون إلا لمن كان له ملك كبير ، فمثلا: إذا دخلت قصرا عظيما في الدنيا فمن بداية دخولك كلما نظرت في زاوية لا تري إلا مبان ضخمة ، وأشياء مزخرفة من الفضة والذهب ، وكل وسائل الراحة والخدمة والنعيم في كل مكان .
* (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ) أي يلبسون السندس : قيل هو الحرير الغليظ وقيل :نوع من الصوف الناعم الجميل ، والإستبرق : وهو الحرير الناعم ، وذلك كناية عن حالة عظيمة من الترف والنعيم .وفيه دلالة علي توفر جميع أنواع الملبس . ففي الدنيا حينما تري إنسانا حسن المظهر طيب الثياب حسن الرائحة كان هذا مؤشرا علي أنه من الأغنياء أهل الترف والراحة .
* ( وحلوا أساور من فضة ) تلك الأساور وذلك الحلي الذي طالما حرم عليهم في الدنيا ، قد أجل لهم وصار حلالا لهم في الجنة
* ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) وأقول : يكفيك شرفا أن تكون السقيا بأمر الملك سبحانه وتعالي فهو الذي أمر بسقيهم ، فهو شرف عظيم جدا ، كذلك ( شرابا طهورا ) تلك اللفظة ( طهورا ,) نفت كل نقيصة أو سوء عن أي شراب في الجنة ، فليس الماء كماء الدنيا ، وليست الخمر كذلك .
ثم تجمل هذا الآية كل ذلك النعيم وتبين سببه ، ( أن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) ، فهذا النعيم هو عاقبة سعيكم وتعبكم وصبركم في الدنيا ، نعم تلك عقبي الذين اتقوا ،وكان سعيكم مشكورا منا بأن كان جزاؤكم ذلك النعيم المقيم .
ثم تأتي هنا تسلية الرسول ، وطمأنته ، ودحض قول الكفار له ( لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة ) فقوله سبحانه (إنا ) اي ان الله هو الذي أراد أن ينزل القرءان متفرقا ، وليس أمر الإنزال راجعا الي هوي الكفار وطلبهم ، بل السيادة في هذا الأمر لله وحده ، كذالك من أسباب نزوله مفرقا هو أن يكون داعما وملهما ومقويا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لذا قال الله بعدها ( فاصبر لحكم ربك ) أي نحن نزلنا عليك القرءان آيات متفرقات لتكون داعمة لك لتصبر لحكم الله ، وتصبر علي أذي المشركين ، ولا تطع رأي الآثمين الكافرين .
وهنا تتبين لنا حسن تربية الله لنبيه صلي الله عليه وسلم ، إذ يقول سبحانه ( واذكر اسم ربك بكرة واصيلا ) فمن اول ما تقوم من نومك في البكور لابد أن تبدأ بذكر الله بلسانك وقلبك ، وكذلك في نهاية يومك ، حتي إذا ارخي الليل ظلامه ، نصبت رجليك واقفا بين يدي ربك ، ساجدا سجودا طويلا ومسبحا بحمد ربك كثيرا .
ولا عليك يا محمد من هؤلاء الكفار ، لا يغرنك ذلك النعيم الفاني ، وهذا الترف الظاهر عليهم ، فهؤلاء اشتروا العاجلة وهي الدنيا الفانية ، لاكنهم غفلوا عن ذالك اليوم الثقيل الذي ينتظرهم ، فصار وصف ذنوبهم الثقيلة مشابها لذلك اليوم الثقيل أيضا .
نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ، اي خلقنا هؤلاء الكافرين وشددنا خلقهم ، وأعطيناهم الصحة والقوة والعقل ، ولو شئنا بدلناهم بأقوام آخرين أفضل منهم .
( إن هذه تذكرة ) فهذه السورة كلها تذكرة ، وحال الكافرين لابد أن يكون تذكرة وعظة ،وحال المؤمنين في الجنة تذكرة وحافز للعمل الصالح ، فمن شاء اتخذ الطريق إلي ربه ، تائبا راجعا إليه ، فارا من نفسه وهواها إليه ، راغبا في رحمته ، راجيا ثوابه ،
ثم ليعلم الإنسان أن مشيئته لا تتم ولا تكتمل إلا بمشيىة ربه وخالقه ، فهو العليم بحال عباده ، الحكيم بوضع كل شيء في موضعه ، فهو يدخل من يشاء في رحمته في الدنيا بأن يكون من عباده وأحبابه فهذه رحمة الدنيا ، وكذلك يدخل من يشاء جناته في الآخرة وهي رحمته يوم الدين ،
أما الظالمون المكذبون فليس لهم إلا العذاب الأليم المؤلم القاسي الذي ينال من الروح قبل البدن .
26 notes
·
View notes
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
َمْا هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا
وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعًا على طللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حبًا بعد ما شهدت
به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى
مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني
والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ
إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
***
في التحذير من هوى النفس
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت
من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره
كتمت سرًا ب��ا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها
كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على
حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ
وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة
من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع
فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصمًا ولا حكمًا
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ
لقد نسبتُ به نسلًا لذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به
وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً
ولم أصل سوى فرض ولم اصم
***
في مدح سيد المرسلين ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى
تحت الحجارة كشحًا مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ
عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته
إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقلين
والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفًا من البحر أو رشفًا من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فَهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصورَتُهُ
ثم اصطفاه حبيبًا بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ
واحكم بماشئت مدحًا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظمًا
أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به
حرصًا علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى
في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ
صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ
وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ في الْكَونِ عَمَّ هُدَاهَا
الْعَالَمِينَ وَأَحْيَتْ سَآئِرَ الأُمَمِ
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ
بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ
والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته
في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ
من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُربًا ضم أعظمهُ
طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
***
في مولده ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان مولده عن طيب عنصره
يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم
قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ
عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها
ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل
حزنًا وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ
والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم
تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ
بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب
منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ
من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هربًا أبطال أبرهةٍ
أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذًا به بعد تسبيحٍ ببطنهما
نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
***
في معجزاته ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطرًا لما كتبت
فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة
تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له
من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم
وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما
وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ
من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيمًا واستجرت به
إلا ونلت جوارًا منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له
قلبًا إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته
فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ
ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصبًا باللمس راحته
وأطلقت أربًا من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته
حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها
سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
لمّا شكت وقعه البطحاء قال له
على الرّبا و الهضاب انهلّ و انسجم
فأدّت الأرض من رزق أمانتها
بإذن خالقها للناس والنعم
وألبست حللا من سندس ولوت
عمائما برؤوس الهضب والأكم
فالنخل باسقة تجلوا قلائدها
مثل البهار على الأبصار والعنم
وفارق الناس داء القحط وانبعثت
الى المكارم نفس النّكس والبرم
اذا تتبّعت أيات النبي فقد
الحقت منفخما منها بمنفخم
قل للمحاول شأوا في مدائحه
هي المواهب لم أشدد لها زيم
ولا تقل لي بماذا نلت جيّدها
فما يقال لفضل الله ذا بكم
لولا العناية كان الامر فيه عناء
حدَّ السَواءٍ فذو نطقِ كذي بكمِ
***
في شرف القرآن ومدحه
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت
ظهور نار القرى ليلًا على علم
فالدُّرُّ يزداد حسنًا وهو منتظمٌ
وليس ينقص قدرًا غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى
ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا
عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ
من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ
لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ
أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها
ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ
وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها
ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظى
أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به
من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً
فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها
تجاهلًا وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
***
في إسرائه ومعراجه ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته
سعيًا وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ
ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلًا إلى حرمٍ
كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً
من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها
والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم
في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأوًا لمستبقٍ
من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ
نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ
عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ
وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ
وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا
من العناية ركنًا غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
***
في جهاد النبي ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته
كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ
حتى حكوا بالقنا لحمًا على وضم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به
أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها
ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم
بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ
يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ
يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم
من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبدًا منهم بخير أبٍ
وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنينًا وسل بدرًا وسل أُحدًا
فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمرًا بعد ما وردت
من العدا كل مسودٍ من اللممِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركت
أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم
والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم
فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربًا
من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقًا
فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته
إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ
به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته
كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ
فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً
في الجاهلية والتأديب في اليتم
***
في التوسل بالنبي ﷺ
مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
خدمته بمديحٍ استقيل به
ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه
كأنَّني بهما هديٌ من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما
حصلت إلا على الآثام والندم
فياخسارة نفسٍ في تجارتها
لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آجلًا منه بعاجلهِ
يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ
إن آت ذنبًا فما عهدي بمنتقض
من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمةً منه بتسميتي
محمدًا وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذًا بيدى
فضلًا وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه
أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يدًا تربت
إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت
يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
***
في المناجاة وعرض الحاجات
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت
إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها
تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ
لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له
صبرًا متى تدعه الأهوال ينهزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ
على النبي بمنهلٍ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا
وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ
وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم
أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما
يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ
واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم
وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت
والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ
فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم
11 notes
·
View notes