writercarlosanis

[writercarlosanis]

الإيقاع

الإيقاع أضحى أسرع من التتبع.

الأغاني القديمة لا تواكب سرعة هذه الأيام.

بدأت المقطوعة الموسيقية لأم كلثوم في الخامسة فجرًا، وانتهت في السادسة صباحًا.

في تلك الساعة، لم تتوقف الأرض عن الدوران، البشر عن الموت، والدول عن الحروب.

لن يتوقف العالم للأغنيات، كما لن يتوقف للصلاة، ويبدو أن القلب أضحى مثل السماء، لا يستجيب إلى الإيقاع أو الصراخ.

لم تتوقف ال��لهة يومًا عن استخدام الإنسان في صراع البقاء والقوة.

في هذه الأيام، لم ينتصر أحد.

الوحيدون تلتقطهم المخاوف، والمتزوجون تطحنهم الأعباء.

لم يعد يكفي الوَنس في هذه الحياة.

في النهاية، جعلك العالم وحيدًا في صراع البقاء.

[writercarlosanis]

تمهل

تمهل، سر على مهل، أفضي إلى القلب سيرته وسره، وسر على مهل في هذه الحياة، فإننا لم نكتب أي سيرة غير ما كتب على الأوليين منا..

ما من مأساة لم تختبر في هذه الحياة، وما من فرح لم يتسرب إلى أوردة القلب، إلا وقد حدث

والخلاص الكبير، ما إلا الخلاص الأخير؛ فتمهل وأحتضن نفسك بحماس العاشق، وخبرة الحكماء، قل أحبك يا عزيزي، أحبك يا نفسي المرذولة في عينها.

أطلب من نفسك السماح على ما أقترفته في حقها، قل لها كمن يخبر حبيبه وقت الوداع أن يغفر له، لأنه لا حب خير من حب الله وحب نفسك، فتمهل في تأنيبها، هي التي سارت معك هذا الدرب، هي التي توشوش له سرك وهمك في مخدعك.. أحبها وتمهل؛ فإن الحياة لن تحمل غيركما في دروبها.

تمهل، سر على مهل، أحب نفسك كما يحبك الأب، أحب الخير فيك، فإنك وتحت الضعف البشري، لا زلت تشعر كيف يكون الألم، كيف يكون الخذلان، وكيف هو الانتصار...

فرفع صلاتك، وقل لإلهك أن يهبك من لدنه حبًا لذاتك.. انت الذي صلبت نفسك على صليب الندم دون فداء وخلاص.. تمهل

[writercarlosanis]

فرصة أخيرة

سألني الطبيـب ماذا حدث بعد هذا

أخبرته كان الظلام أقرب، الأصوات أبعد، والصمت مطبق، حتى القلب لا ينبض.

لم أصدق انها قد تحدث فجأة في غفلة، لم يكن في الظلام جنان أو جحيم، كل ما أدركه أن غريزة البقاء كانت تهتف بقوة، لن نموت الأن.

هناك كف لم نصفع به الحياة بعد، ولكن انسحب الي داخلي أكثر، استسلم في ثواني للمصير

أضحت كل الأنوار، طرقات المنزل، وأصواته، كل شيئ يموج في الظلام، كأنك تدرك العالم وانت تغوص برأسك داخل المحيط، الأصوات اللمسات ليست حقيقة بعيدة وغير مفهومة لكنها موجودة.

لقد كان هذا موت لا يكذبه إنسان، لكن لم يمر شريط حياتي أمام عيني، كان خطفًا عنيفًأ مباغتًا.

لم يخرجني من كل هذا إلا نحيب أمي، لم استطع الرد على الأولى، لكن الأخرى مالك يا ابني ميزت بكاءها، وأرسلني الله إليها من جديد، اجيب وانا ادخل الوعى والحياة بعد رحلتي المجهولة للعالم الأخر مالي يا ماما.

حملتني سيارة الإسعاف في رحلة بين مشافى القاهرة؛ ليستقر في عروقي للمرة الأولى محلول لا افهم كنته.

كانت تجربة غريبة كأن احدهم يتبول في اوردة دمي، يأتي التشبيه في رأسي فجأة

اضحك للحياة، وللفرص الأخرى ولرحتلي بين عوالم الأرض والسماء.

وأقرّ بهذا، أن كل ما حدث كان معجزة، كان فرصة أخرى واعتقد إنها أخيرة.

يسألني الطبيـب هل هناك ما يضغطك نفسيًا؟

أخبره الحياة.. وأعود لمتابعة الدغدغة المثلجة في عروقي، متى ينتهى تدفق المحلول في أوردتي، وكيف سيكون ميلادي الثاني؟

18/1/2024

[writercarlosanis]

الغياب هو الغياب

للبيوت رائحتها الخاصة، لا يميزها إلا الغريب، والعائد من الغياب، والمشتاق الذي أخذه الحنين.

وللأوطان ذكرياتها الخاصة، لا تعود إلا في تلك المساحة من الزمان، التى تدرك فيها أن الأشياء لن تبقى كما كانت، أن الأرض بعيدة كصليب فوق منارة تراه وتسمع الاجراس من حوله، وتقتل كل خيالاتك في الارتفاع؛ فالوطن البعيد كالسماء لا تطرق أبوابه إلا بالصلاة.

وتلتمس اننا نحتاج إلي أكثر من أمل، واكثر من صباح جديد وحب على قائمة المشاعر، وعوض لن يأتي، وأننا حملنا منذ المهد والنهد هم الانتظار.

وأن الوحدة في معنى درويش حينما قال « الغياب هو الغياب».

[writercarlosanis]

نسأل الله من أجل سلام هذا العالم، من أجل قتلى الحروب، اللاجئين، اليتامى، المظلومين، المطروحين على أسرة المرض، الغرباء، المنسيين من ليس لهم من يذكرهم، ومن أتى عليهم هذا العام فاقدين أحبابهم؛ ليعطيهم سلاماً وصبراً.

هب لنا سلامك وأذكرنا نحن الذين نتألم في هذه الأرض، أرسل

لنا العون ولا تحجب رحمتك عنا لأنها ابتعدت كثيرًا.

نسأله عامًا يفيض سلامًا على الجميع

[writercarlosanis]

دعني أذكرك

دعني أذكرك بأثر المهزومين، من اقتربوا من كل شيئ، لكنهم فقدوا كل شيئ.

من تعثرت خطواتهم قبل خطوة من الوصول.

الوحيدون، الذين يسقطون كل يوم مثل أفراخ العصافير من فوق الشجر والجبال، ولا احد يلتفت.

من فقدوا رجائهم، ومن انهكتهم الطرق الطويلة.

من أفراحهم ممزوجة بهزائمهم، ووردهم يطرح الش��ك في غصونه، فلا يتمسك بهم أحد.

من ينادون ولا أحد يسمعهم، من صمدوا لكنهم لم ينجوا، عندما تحطمت أشرعتهم قبالة الساحل.

من لا يذكرهم التاريخ إلا كارقام في حادث سير أو قصف جوي أو حادث فصل جماعي بعد الوباء.

دعني أذكرك، لا أريدك هناك...!

[writercarlosanis]

لأكن غجريًا

كشعاع الشمس الهارب من سماء التحفت بالرماد أحلامه

سار الليل إلى كونه، خَلف الرماد سماء مظلمة، هرب منها القمر عن مرمى البصر، لكن الأمل طل كعين نورًا أبيض؛ سريعًا ما اختفى.

لم يكن على الدرب إلا كف قدمه الشاردة، وتيه موسى في البرية، هكذا تدور الأفكار في صحراء حياته، لكن دون أرض موعد أو نبوئة صادقة تعزيه.

رفع كفه إلى عينيه، نظر إلى خطوطه الناعمة

وقال لنفسه

لأكن غجريًا، وأقراء كفي، وأدجل عن القادم، هل ستصل المركب إلى الضفة الأخرى أم سيبتعلني الموج

وتنبأ

طريقًا طويلاً وصعبًا، لكنه مر، أما القادم خير وبشرٌى، كان الله يعُدك لمسؤوليتك إزاء العالم

سوف تصير يومًا ما تريد، لكن عليك أن تعرفه أولاً

يبتسم لروح العراف على لسانه ويكمل

أما السفر، فهو مكتوب يا ولدي لكنه تأخر قليلاً حتى يبصر قلبك القيامة من بعد الموت، فلا تعود إلى قبر اليأس مجددًا

الحقيبة في يدك اليسرى، ومسمار الصليب الذي اقتلعته من قدميك سيكون في جيبك حتى تصلب به جميع أعدائك

تعضدك يمين الرب فتتسلط، يحرسك ملاكه فتملك، وينير أمامك طريقه الذي أعده للودعاء من قبلك فلا يعرف التيه دربك مجددًا

عمرك طويل، وعذابك أيضًا، لكن ستعرف الغلبة لأن الرب اصطفاك.

سوف تكون في الحلقة الاولى من نعيم دانتي إلى جوار من تحب

سيؤنس داود ليلك بقيثاره، وستضمك مريم والدة النور الحقيقي فلا تشعر أنك وحيد أو مُظلم مرة أخرى.

سيمسح الرب الدموع من قلبك فلا تبكي عينك مجددًا.

تسقط قطرة ماءًا على كفه، حسبه مطرًا، لكنها سماء عينه.. يرفع كفه إلى اليسار حيث قلبه، يقبضه بكفه، كمن يستعد للقسم.

ينظر إلى الأسفل في أداءًا مسرحي احترامًا وتقديسًا لتحية ريح البحر إلى وجهه.

يغمض عينيه وصوت الموج يكتنف عالمه الداخلي، صوت النورس يحلق بعيدًا إلى الأفق وتغلبه نشوة الفرح.

يعود وينظر إلى كفه، يرتاح إلى نبوئته ويلقى ظهره إلى الرمال وهو يقول

سوف تصدق وعودك، حينما تصدقها.. ونام.

[writercarlosanis]

اليأس يا صديقي تجده في كتب التاريخ والعهد القديم، في صرخات ضحايا الحروب، مرضى الأوبئة، الكساد الاقتصادي، والدماء المتفجرة في شوارع كوكبنا الأخضر؛ لأن البشر يحبون القتل والجنس والصلاة

اليأس يا صديقي هو مرحلة الكمال لما يسمى "الخيبة"، وأول سطر عندما تفضفض لأحدهم وتقول "لقد تعرضت للخذلان" لأنك تختم كلامك دون أن تدري وانت تزفر أنفاسك نحو الفضاء "أه يا الله لقد تعبت"

[writercarlosanis]

إلي أمل دنقل

أقف طويلاً أمام أبيات أمل دنقل:

"كيف تنظر في عيني امرأة؟ أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها. كيف تصبح فارسها في الغرام؟ كيف ترجو غداً لصغير ينام؟ وهو يكبر بين يديك بقلب منكس."

أرسم معالم المكان والزمان، ألون الأشياء بألوانها، صفراء كانت أم خضراء مثل ريفنا الجميل وصحرائنا العطشى إلى أبنائها ونيلها. ها هي العاصمة، ترفع أعلام السلام البيضاء، السادات عاد من الكنيست، من أبعد مكان في العالم، القاهرة تلون أيامها بالتراب والزحام، أما أبناؤها فتشرذمهم الفلسفة كالرئيس وقادته. نحن فلاسفة ورومانسيون بطبيعة الحال، ما بال دنقل يرفض كامب ديفيد ويكتب قصيدته "لا تصالح".

أقف إلى جوار معلمنا وكاهن مصر الأكبر، نجيب محفوظ، يحتفي بالسلام وكامب ديفيد، قبل أن يكون المجد العتيد. ينظر في عيني فتياته بالحبور والبشر ويستبشر السلام والقلق العربي.

وأغني مع وردة من جبال الجزائر: "حلوة بلادي، السمرا بلادي، الحرا بلادي"، وأبكي مع شريفة فاضل "أم البطل"، أي عزة هذه سرت إلى شوارعنا…

نلمس السحاب، نستنشق الانتصار، ونعرف للحب طريقاً. ما بال الجنوبي يبكي، إنها رومانسية الثوار!

هل يعلم دنقل أن سيناء الأن هي قبلة العشاق الجديدة لا إسكندرية!

هل يعلم جيلنا أي أرض مقدسة يقضون فيها شهر العسل؟

سنوات كثيرة مرت، وها أنا أقف وسط فريق العمل، أرشدهم لكتابة عبارة مناسبة للانتصار الواحد والخمسين لأكتوبر المجيد. نظرت في عيني ألف امرأة، وأنا أعلم أني أستطيع حمايتها. ليس هذا فقط، بل أن أصطحبها إلى عمق سيناء، إلى جبالنا الصخرية وبحرنا الهادئ الملون أعماقه. أخبرها ألف قصيدة انتصار عن دماء أجدادي هنا.

وأمطر في عين عدو الأزل، زوار هذا البلد، سيل الانتصار من دمي وعيني وقلبي وصرخاتي، وأنا أحتضن حبيبتي، وأخبرها أني أستطيع حمايتها، أني أستطيع أن أرجوا الغد لصغير ينام وهو مرفوع الرأس.

[writercarlosanis]

كيف تلم الماضي؟

من أخذ القرارات لست ما انت عليه اليوم أنه شخص أخر، لو فكرت لأدركت كم تغيرت، فلا تلم ماضيك لكن أقبله لأنه لن يتغير.

لن تأتي لك اللعبة التي حلمت بها في صغرك مرة أخرى، وهذه اللكمة التي كنت ستأخذ بها ثأرك لو بدأت النزال.

أو حتى اعترافك لفتاة رأيتها في مجموعة دراسية بأنك تحب ذيل الحصان خاصتها، ولكنك كنت تخشى الرفض أو أن تخبر صديقتها بأمرك فتصبح سخريتهم العام بأكمله.

لو كنت من انت الآن، لذهبت وأخبرتها هذا بكل بساطة وليذهب المدرس وأصدقائها وأهلها إلى الجحيم؛ لانه ليس شركًا أن نصرح بحبنا وبجمال الأشياء.

لما تلم نفسك؟! لم تكن لتفهم هذا في وقتها، كان حجم الصدق والخوف داخلك كبيرين، وهذا عدو القرارات الجريئة

[writercarlosanis]

سحابة خريف

‏لا طاقة لنا للمعارك، لتفسير الأمور، أن نحكي عن نفس المعاناة، نفس الاضطراب، نفس المخاوف بنفس المفردات ولكن بطرق مختلفة، السلام في الصمت هكذا يخبرنا الحكماء.

هذا يجعل الأمور أفضل، ثم عدم الاندفاع وراء تخبط هذا العالم نصيحة جيدة أيضًا، كأن نكون أكثر تقبلا لما مضى، وأكثر تفهمًا لما نحن فيه، وأكثر استعدادًا لما هو قادم.

وفي كل الأحوال سيدركك الشقاء، لن تنتهى تلك اللحظات التي تظن فيها أن الله تركك، كما أنك لن تكف عن الاندهاش من خططه التي ترى فيها سفينتك الميناء قرب الغرق.

هذه هى الوتيرة التي تسيرنا عليها الحياة، المهم أن نحاول، الشجاعة لا تعنى غيب الخوف، فقط هزيمته.

[writercarlosanis]

الوطن.. أنه الذات

الوطن أصبح أكثر من مجرد سجن، أنه الذات التي تحاول الهروب منها، كم من محيط فصلك عنها، وهي لا زالت بداخلك، نحن وانت والليل، الشوارع، وسور المدرسة العتيق، صيحات من حولك في الحواري التي لا تهدأ، صيف التراب، وشتاء الطين.

ومقهى يفضى إلى حارة أكثر ضيقًا، على جوانبها بائعي الفاكهة، الحشاشون، صبية النواصي، ميكروباصات تعارك الأسفلت من أجل البقاء.

انت وبنت الجيران، ومسلسلات رمضان، ولهجتنا القوية الأليفة في كل ميل يفصل بينك وبين حدود الجوار، لتظل أسير مصر ونيلها وليلها وطرقها ومآسيها، ولا شيئ لك إلا الله وأغنايتنا.

لا ترغب في الرحيل إلا عندما تغويك صور الغابات وانت ابن الصحراء، لا تغويك إلا جنان الله التي خلقها في عوالم لا تحمل خصائصها في باسبورك الأخضر.

وها انت لا تتقألم إلا مع هزائمك، وتغني للوطن نشيده الوحيد، بينما تلعق مرارة الدموع المتسربة إلى شفتيك، المتسربلة على وجنتيك القمحاوية التي لا يشبهك فيها سواك، انت يا ابن الرمال الصفراء، البحر والليل والأغنيات.. عن ماذا ترحل وانت تملك ملحمة القتال والهزيمة، ولم تألف إلا شروق الليل!

عن ماذا ترحل وانت في الرحيل الكبير تحبها أكثر!!.

.

.

.

[writercarlosanis]

قال

أخاف أن يكتب على قلبي هذا الشتات الدائم في بحر البحث عن مرفأ، أن يدركني الوهن في قلب العاصفة، أن تخون إرداتي رغبتي في المقاومة، أن يعبر الجميع من حولي إلى ضفته الخاصة، دون أن يٌلتفت إلى استغاثتي، وأدرك أني تٌركت هنا لمصيري وسط ادعاءاتهم "متخفش عليه ده بيعرف يعوم".

[writercarlosanis]

وطن الرحيل

الطيور المهاجرة لا تألف إلا وطن الرحيل، ولا تترك في إثرها إلا قلوب معلقة بطائرات السماء وصالات الانتظار، وسؤال قد اعتدناه على نوافذ المساء ونشيج صلاوتنا؛ كم ليلة نعد من عمرنا من قلوبنا حتى تمتلئ سمائنا بتغاريدكم من جديد؟!.

ولأننا نجهل كيف تأتي النبوءة، نحترف الرجاء بأن تقلب المواسم يحمل معه الطيور الهاربة من بلاد السقيع؛ بحثًا عن شمس الوطن، دفء الأحبة، ألفة المكان والكلام، وعشًا كانت قد تركته يومًا لأن أشجار الوطن لم تحتمل تغاريد طيورها.

ولكننا نكتب للرحيل الجديد، أن الطيور المهاجرة تحفظ اغنيتنا، الطيور المهاجرة تعرف دروبنا، وإن وسع المحيط يبعد بيننا لا يبعدنا، وإن جفت جميع أنهار العالم واحترقت كل الغابات، وإن أثقل الحزن كافة جبال الأرض، واستحال كل شيء إلى رماد، طيورنا المهاجرة تعرف طريقنا.

30 مارس 2024

القاهرة

[writercarlosanis]

هلوسة قد تحمل معنى

الدوران، النسيان، الهروب، اللاجدوى، واللامعنى

وقفت هذا المعاني في جسد إنسان على قمة التل الرملي في إحدى صحاري مصر الغربية، لم تهزه لسعات الرمل على الوجه، ولا احتراق قدمه في سخونة هذا البحر الأصفر.

عينه حاولت أن تزرع القليل من الخضار في هذا المدى اللعين، لكن بلاده لا تعرف إلا الصحراء. أما قلبه فكان يهتف "إننا نسير في الطريق الخطأ"، رغم ذلك لا شيئ يتوقف ولا احتراق قدمه.

كما أن الجلوس على رمال الصحراء وقت الظهيرة ليست بالرفاهية، خاصة تلك الأماكن البعيدة عن الظلال، إنها أشبه بمحاولة الجلوس على طاسة ساخنة.

جفاف الحلق، وحرارة الشمس الحارقة جعلته يشعر بالدوار وبدأت عينه يداعبها الزيغ وسط هالات الشمس السوداء، قال في نفسه أريد السقوط، وسقط.

**

استيقظ دون أن يتذكر أي شيئ، وجد نفسه في ساحة خضراء تملئ الأفق، شعر بقدمه تسير على نجيلة ناعمة لكنها تعاجله بالوغز في بعض الأحيان.

الأزهار وشجر البلوط يتقابلان حتى يدخل في الظلال، لا يدرك أي شيئ، ولا يعرف ما الذي أتي به إلى هذا المكان، وشعر بالرعب عندما فكر إنها الجنة

وظلت الاسئلة تذوب في النسيان كلما مر على مجرى نهر، أو ينبوع ماء ليشرب. حتى امتلئت بطنه وذاب عقله، ونام.

**

استيقظ عند نهاية الحديقة وأمامه المحيط، ولكنه لم يرد أن يُدخل نفسه في المجهول، لم يشأ أن يترك الحديقة كما لم يعرف لماذا وصل إلى هذا المحيط.

قرر أن يسير بمحاذته، ولكن الحديقة بدأت تختفي وتحل محلها الصحراء والطريق حول المحيط تختفي معالمه، وها المياه تمتد نحوه.

حتى رأى أنه لا بديل إلا الهروب مرة أخرى إلى الصحراء، ولكن المياه أسرع من حركته، فغرق حتى استيقظ.

[writercarlosanis]

الفصول الثلاثة للمأساة

** الحكمة

لا تتعجل الحرب، فقد أخذت منا الكثير، ولا ترجوا السلام؛ فصلوات لألهة كثيرة لم تستطع أن تحضره إلى هذا العالم، بل أعمل على أن تظل بلادنا آمنة، أن يغلق الله صنبور الدماء التي فتحها بصنعة يده يوم قتل الأخ أخيه.

يوم خلق فينا هذا الضعف الحيواني للخطية، يوم اختلطت جينتنا بالفاكهة المحرمة، فأضحينا نعرف الشر، ونتجاهل الخير لأن فيه ضعفنا.

ولنحذر من مشورة إبليس، الذي أدخل الموت إلى عالمنا بحسده، مثلما أردف تحذير سليمان في سفر حكمته، فلا يزيغ بصرنا على مصيرنا الحتمى

فإن حياتنا قصيرة شقية، وليس لممات الإنسان من دواء، ولم يعلم قط أن أحدا رجع من الجحيم.

إنا ولدنا اتفاقا، وسنكون من بعد كأنا لم نكن قط، لأن النسمة في آنافنا دخان، والنطق شرارة من حركة قلوبنا.

**الرماد

امتلكوا احلامهم، لكنها لم تمتلكهم، احتضنوا غداً، والشك يملئ قلوبهم بقدومه، كانت احلامهم تلتحف بـ سماءٍ ماجت بالبرود.

بشرًا كانوا، يشعرون بالظمأ والجوع، تتألم مفاصل عجائزهم، وتتمخض نسائهم وقت الولادة، كما أنهم يتألمون عند تتهشم عظامهم.

يعرفون الأغاني والبكاء مثلنا، يجهزون لعرسًا، ينتظرون مولودًا، يرقصون في أفراحهم، ويدفنون مواتهم مثلنا.

يصلون لله مثلنا، ويبكون إذا ما خاطب قلوبهم شيئًا ظنوه صوته، ثم انهم يطلبون أمور عادية مثلنا، كائن يبارك الله في القليل أو أن يرد حبيب.

أغلبهم بسطاء مثلنا، لم يرتادوا العسكرية او السياسية كما لم يفقهوا شيئًا في الإعلام

ربما لم يقرأ أحد منهم التاريخ، ما أهمية التاريخ بالنسبة لهم أمام الحقيقة، وبأى حال متى كان للبسطاء والفقراء احلامهم، دائمًا ما كنت ترس في آلة أحلام الأخرون، الله يعد لهم جنته لأن فكرة الجنة عادلة للغاية لمثل هؤلاء.

من ماتوا بلا شيئ، يعطيهم الله كل شيئ.

لكن للأحياء منا، أي ثمن يمكن أن يدفع في قطعة أرض، وأي عقيدة يجب أن تمتلك وانت ذاهب إلى الا عودة؟!

اعتقد أنه أي منهج لا يقبل بالتراجع؛ فهذه فطرة الإنسان الأولى.. الحرية.

**التكوين

أخبرنا انه صنعنا على صورته ومثاله، ثم بدأ الفصل الثاني من الحكاية بقتل الأخ لإخيه.

ثم تعاقبت الفصول؛ الأقوى ينتصر دائمًا.

وفي احد الفصول تمتع العالم بمجموعة من الأقوياء اطلق المؤرخون على تخومهم اسم امبراطورية

هذه امبراطورية قامت باسم الحضارة، وأخرى باسم الدين، وأخيرة باسم الدفاع عن النفس.

وورث الإنسان هذا التراث، لا يملك من أمره شيئ سوى ما ينتمي له.. قلبه، دموعه، ودمه الذي يسفكه على مذابح المصالح الكبرى.

فكانوا يتسابقون من يقتل، من يتسلط ومن يمتلك الحقيقة المطلقة،

تشرذمت اسباب القتل؛ واحتضنها الانسان بقوة لإنها في فطرته مثل الحيوانات.

هل جربت ان تذهب مع كلبك في جولة ثم هجم عليك مجموعة من الكلاب لا لسبب بل لأنهم اشتموا رائحة الغريب في ممتلكاتهم.

هل جربت ان تدخل في عراك قبالة شارع لن ي��كر أي من مهاجميك إنك وحدك، بل انك ضعيف.

ما يفعله الكلاب والقطعان باسم الغريزة فعله الإنسان باسم الله.

والله في حكايتنا قتلوه باسم الله، باسم القيصر، باسم شعب الله، باسم الموت، باسم الانتصار.. وتركونا بين صفحات التاريخ نفرق بين حروب الشيطان وسلام الله الشحيح البعيد الفقير والصعب.

اشتملهم برحمتك حتى لو كانوا على ضلال انت من زرعت في هذا العالم هذا انت من جعلتنا نقتل بعض باسمك، لم اكن نبي لم اكن مبشر لم اكن إلا مولود من فصيلة الثديات.. مثل بقية الحيوانات يا رب.

لا تنتظر الرب، لن يذهب اليوم لانقاذ الأرض.. استعد للعشاء معه، هذا إن حالفك الحظ وأدركت صورته الصحيحة.

[writercarlosanis]

قد سطر الرحيل كتابه

قد سطر الرحيل كتابه في غيابك، فما معنى العودة بعدما كل ما مررنا به وحيدين في هذا العالم، لن يكتب القلم إلا عن الذكرى البعيدة، وها هي أيضًا يغشاها الضباب، واحتضنها وهن الذاكرة وهو يقاتل قوة الذكرى، حطت طيور كثيرة على نافذتنا سألت عنك اليوم تلو الأخر، النهار في إثر النجوم، ولم تجدك حتى فقدت الأمل في عودتك يومًا إن حزن الرحيل ربما أضحى من مصادر الطاقة غير المتجددة، فمتى عاد الغائبون نعلم إن عودتهم بلا معنى، ليس لسوء في ذواتهم لكن لأن المعنى فقد أثره على قارعة الأيام ومأساة الوطن، لم أبكي تلك الأيام وحدي إلا ��توهمت الونس، ألفة الأرض والسماء، التين والزيتون في حديقة الدار، وتلك الطائرات التي تشق أملي وضوء القمر في رحليك. أرغب من كل قلبي أن انسى هذا. من كل قلبي يا قلبي أرغب في رمى كل هذا إلى سلة الأعذار إننا بشر، ولكن البشرى فيّ يعجز عن هذا، نحن الضعفاء العاجزون عن الاستمرار في المغفرة. كم نافذة سطتها الشمس في وجهي وانا أكتم نير شوقي إليك، وانت تعود إلى تلك الأرض اليابسة تبحث عن بذورها أو جذورها. أرحل، نافذتي ألفت غيابك.