الـساعة تقتـرب مـن منتصـف اللـيل، و كـثـيراً مـا أجـد للكـتابة لذة فـي هـذا الوقت، كـلذة الغـسق وقـت غـروب الشمـس، كـل شـيء سـاكنٍ إلا عقلي، أو هكذا بدا لي. هـذا مـا تفعله الحـرب تضفي الموت علـي كل شئ، وحده العقل يثير الكـثير من التسـاؤلات.
نحـبه ويـُحبنا، نألفه ويألفنـا، نحدثـه ويـحدثنـا؛ إنه الليل أعيا الكثيرين و أراح الكثيرين، وما بين ذاك و ذاك لا تجـد ساهراً فيه إلا ثلاث؛ إما عابدٌ، و إما عاشقٌ، وإما حـزينٌ بائس، و تقول سفتيلانا ”سيـقول لك الحقيـقة فقط الإنسان البائـس، البـائس تمـاما سيحدثك عن كل شئ“.
فالليل محـراب لعـابد، وسلـوي لعاشق و نفقٌ أسود لبائس.
أطلت الحديـث عن اللـيل و نسيـت ما كنت سأكتبه، في هذه الـساعة كنت أنقب عن بقـايا حـياة كانت هنا.. ماذا نعرف عن وجه الحرب و ماذا تعرف عنا؟ ماذا نعرف عـن لقمـة مغمـوسة فـي الـدم ؟ عن صـقيع الحـرب و رجـفة أب؟ صـافرات الإنذار؟ الإخـلاء؟ عن طفل يتلدد يميـناً ويسـاراً يبحث عن أبيه وأمه وأخته وأخيه؟ عن العيون الجـاحظة مـن شـدة الرعب؟ عن الأمهات الثكـالي؟ عن الابتسامات المكسـورة؟ عن العجـز؟ عن الموتي؟ عن دمي سقطـت مـن يد أطفالها؟ عن الصـراخ و البكـاء الـذي لا يسكـت، و أخيرًا عن البيوت المهدمة؟
فكـرة أن يفقد أحدهم بيته، عائلته، وطنـه الصغـير، أن يفـر تـاركـاً كل شيء خلفه؛ ذكـرياته، صور طفولته، سـريره، كوبه المفضل، زاويته، أساس منزله الدافـيء، والأهم نفسـه... فكرة قـاتلة.
إن أكثر مـا يبقـي فـي ذاكـرتنا أثناء الحرب وبعدها عـبارة عن أشـلاء و أسلاك ممتـدة ليس إلي مكان. قد نشاهد الحـرب ولكن لا نعرفها، نحن لا نعرف سوى القـشور عنـها.
فـي الحـرب لا ينتصـر أحد، إنها فلسفة غـريبة، الجـميع يعـودوا خـاسـرين، هناك فقط فريقين، فريق انتصـر عـلي خوفـه وعلـي أصنام عصره، و فريق خـسر كل شئ دينه، وكـرامته ممتـداً إلي إنسانيته، فيصبح إنسانٌ مهلهلاً.
لمـاذا أكتب هذا فـي يـوم عـيد؟ بالمناسبة اليـوم يصـادف أول يوم من عيد الفـطر، في هذه الآونة التي يـشتد فيها وطيس الحـرب.
لماذا أكتب؟ حتي لا ننسـي ولا تـسرقنا الحـياة، لأن لدي مـا أريد أن أرويه، أن أخبركم به، عن حجـم الكـارثة التـي نحن فيها، عن الآخرون الذين يريدون أن يفهموا و لكن الـذهول يسيطر عـلي الجـميع.
قـال لي” ابتسمي“ فـوجـدت الأمر شاقٌ علي، فقال لي مشـدداً” ابتسمي لعل الحرب تخجـل من ابتـسامتك وتـرحل“.
ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد). وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه أهل السنن الأربعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قتال الدفع فهو أشدُّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجبٌ إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط -كالزاد والراحلة- بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم"
وقال ابن عابدين: "وفرضُ عينٍ إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرضَ عين على مَن قرُب منه، فأما مَن وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يُحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز مَن كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على مَن يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقًا وغربًا على هذا التدريج".
لا توجد مجاعة في غزة، بل تجويع ممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي
هذا المقطع يعبر عن ذلنا وهواننا وانهيار اي منظومة دينية او أخلاقية يمكن أن نؤمن بها ونحن نترك اهل غزة على هذه الحال لكن عزائي الوحيد هو اننا سنلاقي نفس ما يلاقونه لأن صمتنا هو الذي سجعل إسرائيل اكثر جراءة علينا واقولها لكم وتذكروا جيدا كلامي
لا تتعجل الحرب، فقد أخذت منا الكثير، ولا ترجوا السلام؛ فصلوات لألهة كثيرة لم تستطع أن تحضره إلى هذا العالم، بل أعمل على أن تظل بلادنا آمنة، أن يغلق الله صنبور الدماء التي فتحها بصنعة يده يوم قتل الأخ أخيه.
يوم خلق فينا هذا الضعف الحيواني للخطية، يوم اختلطت جينتنا بالفاكهة المحرمة، فأضحينا نعرف الشر، ونتجاهل الخير لأن فيه ضعفنا.
ولنحذر من مشورة إبليس، الذي أدخل الموت إلى عالمنا بحسده، مثلما أردف تحذير سليمان في سفر حكمته، فلا يزيغ بصرنا على مصيرنا الحتمى
فإن حياتنا قصيرة شقية، وليس لممات الإنسان من دواء، ولم يعلم قط أن أحدا رجع من الجحيم.
إنا ولدنا اتفاقا، وسنكون من بعد كأنا لم نكن قط، لأن النسمة في آنافنا دخان، والنطق شرارة من حركة قلوبنا.
**الرماد
امتلكوا احلامهم، لكنها لم تمتلكهم، احتضنوا غداً، والشك يملئ قلوبهم بقدومه، كانت احلامهم تلتحف بـ سماءٍ ماجت بالبرود.
بشرًا كانوا، يشعرون بالظمأ والجوع، تتألم مفاصل عجائزهم، وتتمخض نسائهم وقت الولادة، كما أنهم يتألمون عند تتهشم عظامهم.
يعرفون الأغاني والبكاء مثلنا، يجهزون لعرسًا، ينتظرون مولودًا، يرقصون في أفراحهم، ويدفنون مواتهم مثلنا.
يصلون لله مثلنا، ويبكون إذا ما خاطب قلوبهم شيئًا ظنوه صوته، ثم انهم يطلبون أمور عادية مثلنا، كائن يبارك الله في القليل أو أن يرد حبيب.
أغلبهم بسطاء مثلنا، لم يرتادوا العسكرية او السياسية كما لم يفقهوا شيئًا في الإعلام
ربما لم يقرأ أحد منهم التاريخ، ما أهمية التاريخ بالنسبة لهم أمام الحقيقة، وبأى حال متى كان للبسطاء والفقراء احلامهم، دائمًا ما كنت ترس في آلة أحلام الأخرون، الله يعد لهم جنته لأن فكرة الجنة عادلة للغاية لمثل هؤلاء.
من ماتوا بلا شيئ، يعطيهم الله كل شيئ.
لكن للأحياء منا، أي ثمن يمكن أن يدفع في قطعة أرض، وأي عقيدة يجب أن تمتلك وانت ذاهب إلى الا عودة؟!
اعتقد أنه أي منهج لا يقبل بالتراجع؛ فهذه فطرة الإنسان الأولى.. الحرية.
**التكوين
أخبرنا انه صنعنا على صورته ومثاله، ثم بدأ الفصل الثاني من الحكاية بقتل الأخ لإخيه.
ثم تعاقبت الفصول؛ الأقوى ينتصر دائمًا.
وفي احد الفصول تمتع العالم بمجموعة من الأقوياء اطلق المؤرخون على تخومهم اسم امبراطورية
هذه امبراطورية قامت باسم الحضارة، وأخرى باسم الدين، وأخيرة باسم الدفاع عن النفس.
وورث الإنسان هذا التراث، لا يملك من أمره شيئ سوى ما ينتمي له.. قلبه، دموعه، ودمه الذي يسفكه على مذابح المصالح الكبرى.
فكانوا يتسابقون من يقتل، من يتسلط ومن يمتلك الحقيقة المطلقة،
تشرذمت اسباب القتل؛ واحتضنها الانسان بقوة لإنها في فطرته مثل الحيوانات.
هل جربت ان تذهب مع كلبك في جولة ثم هجم عليك مجموعة من الكلاب لا لسبب بل لأنهم اشتموا رائحة الغريب في ممتلكاتهم.
هل جربت ان تدخل في عراك قبالة شارع لن يفكر أي من مهاجميك إنك وحدك، بل انك ضعيف.
ما يفعله الكلاب والقطعان باسم الغريزة فعله الإنسان باسم الله.
والله في حكايتنا قتلوه باسم الله، باسم القيصر، باسم شعب الله، باسم الموت، باسم الانتصار.. وتركونا بين صفحات التاريخ نفرق بين حروب الشيطان وسلام الله الشحيح البعيد الفقير والصعب.
اشتملهم برحمتك حتى لو كانوا على ضلال انت من زرعت في هذا العالم هذا انت من جعلتنا نقتل بعض باسمك، لم اكن نبي لم اكن مبشر لم اكن إلا مولود من فصيلة الثديات.. مثل بقية الحيوانات يا رب.
لا تنتظر الرب، لن يذهب اليوم لانقاذ الأرض.. استعد للعشاء معه، هذا إن حالفك الحظ وأدركت صورته الصحيحة.